صحافة إسرائيلية

جدعون ليفي: الإسرائيليون استولوا على أراضي الآخرين وذبحوهم

ليفي قال: إذا نال الفلسطينيون حقهم فإن عند ذلك يمكن التأسيس لعلاقة مختلفة- جيتي

انتقد الكاتب الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي؛ المؤرخ الإسرائيلي الشهير بيني موريس الذي قدم نظرة متشائمه عن مستقبل إسرائيل، ووصفها بأنها دولة مضطهدة تعاني من تغول "الفلسطينيين". وأن العرب سيذبحون اليهود في إسرائيل وسيطردونهم.

وقال ليفي في مقال له بصحيفة هآرتس، ترجمته "عربي21" إن الواقع مغاير تماما، ويؤكد أن اليهود تكاثروا واستولوا على أراضي الآخرين وطردوهم وقتلوهم وفي بعض الأوقات ذبحوهم، وليس كما يقول موريس.

وكان موريس الذي أصدر كتاب "مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1947-1949"، قد قدم تبؤات "مرعبة" لمستقبل إسرائيل، وقال إنها سوف تصبح دولة شرق أوسطية بأغلبية عربية، وسيبقى اليهود أقلية صغيرة في بحر عربي كبير من الفلسطينيين – أقلية تتعرض للاضطهاد أو للذبح".

وقال ليفي مهاجما موريس: "المؤرخ الذي عبر عن أسفه لأن إسرائيل لم تطرد جميع العرب إلى الضفة الأخرى من نهر الأردن في عام 1948، والباحث الذي قدم خيارين، إما التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية، والشخص الذي اقترح سجن الفلسطينيين في قفص لأنه "يوجد هناك حيوانات متوحشة"، ليس بإمكانه الآن معرفة "كيف يمكننا تخليص أنفسنا من كل ذلك".


ورأى أن تنبؤات موريس "البائسة" تعمى ببساطة عن رؤية الخيارات الأخرى. مشيرا إلى أنه بفضل هذه المدرسة الفكرية تتحرر الصهيونية من أي ذنب وتُعفى إسرائيل من كل مسؤولية. فمهما عملته إسرائيل سيقابل فعلها بارتكاب مذبحة (ضد اليهود)، وما هي إلا مسألة وقت.


وقال مخاطبا موريس: "عندما ينال الفلسطينيون، ولو جاء ذلك متأخراً نوعاً ما، حقهم في المساواة والعدالة، فلن يكونوا من بعد ذلك نفس الفلسطينيين. ففي ظل الحرية والكرامة، والتي حرموا منها زمناً طويلاً، سيكون من الممكن التأسيس لواقع مختلف وعلاقة مختلفة ضمن دولة ديمقراطية واحدة.

فيما يلي نص المقال: 

 

أجد نفسي ممتناً لبيني موريس، فمن خلال عماه وتشاؤمه أجده يذكرني تارة أخرى بأن الأمل موجود
سأكون ممتناً باستمرار لبيني موريس، فقد فتح عيني. كان كتابه "مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، 1947-1949" قد صدم الناس الذين نشأوا على الرواية الصهيونية. فجأة كانت هناك نكبة، وفجأة كانت هناك كارثة قومية وطرد جماعي وتطهير عرقي، ولم يقل لنا أحد عنه شيئاً من قبل.

وبعد ثلاثين عاماً، ها هو موريس يتنبأ بالنهاية. ففي مقابلة مع أوفر أداريت، قال بيني موريس: "سوف ينحط هذا المكان كدولة شرق أوسطية بأغلبية عربية. وسيبقى اليهود أقلية صغيرة في بحر عربي كبير من الفلسطينيين –أقلية تتعرض للاضطهاد أو للذبح".

إلا أن الشخص الذي وصف البداية على أحسن وجه، وهو نفسه الذي يتعمد تقديم وصف خاطئ للنهاية، لم يستجمع الشجاعة لمناقشة الصلة المباشرة بين البداية والنهاية، بين ما فعله اليهود – منذ فجر الصهيونية، ودونما فتور –وبين ما يتنبأ به هو كنهاية لدولتهم.

ما فتئت التنبؤات المرعبة بشأن نهاية الدولة ترافقها منذ البداية، وخلاصتها أن العرب سيتكاثرون وسيطردوننا وسيذبحوننا. وطالما كانت تلك دعاية صهيونية فعالة جداً: القلة في مواجهة الكثرة، داود في مواجهة طالوت، إنهم قادمون لتحطيمنا.

ولكن في واقع الأمر العكس تماماً هو الذي جرى. تكاثر اليهود واستولى على أراضي الآخرين وطردوهم وقتلوهم وفي بعض الأوقات ذبحوهم.

يستخف موريس بذلك إذ يعتبره "بعضاً من القهر، اشتمل من حين لآخر على جرائم صغيرة" كما يحلو له وصف عقود من الدكتاتورية العسكرية، مع أنها واحدة من أشد الدكتاتوريات توحشاً في عالم اليوم، وتعتبر بحق جريمة حرب هائلة لا تتوقف.

المؤرخ الذي عبر عن أسفه لأن إسرائيل لم تطرد جميع العرب إلى الضفة الأخرى من نهر الأردن في عام 1948، والباحث الذي قدم خيارين، إما التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية، والشخص الذي اقترح سجن الفلسطينيين في قفص لأنه "يوجد هناك حيوانات متوحشة"، ليس بإمكانه الآن معرفة "كيف يمكننا تخليص أنفسنا من كل ذلك".

ولئن كان يذكر له وعيه بأن حل الدولتين لم يعد خياراً، إلا أنه يؤخذ عليه تحميله للفلسطينيين المسؤولية الكاملة عن ذلك. فالرجل الذي يتهم العرب بانعدام النقد الذاتي لديهم كشف عن نفسه كصهيوني أصيل، صهيوني يلوم العرب على كل شيء.

والحل كما يراه هو: "ممارسة اللعبة الدبلوماسية للإبقاء على التعاطف الغربي." ولكن إذا لم يبق شيء للصهيونية لتفعله سوى ذلك، فلا ريب في أن المشروع الصهيوني قد انتهى.

ولكن ليس ذلك هو الخيار الوحيد. فتنبؤات موريس البائسة تعمى ببساطة عن رؤية الخيارات الأخرى. كل من يمر مر الكرام فوق الصلة بين إساءة الصهيونية للفلسطينيين وكراهيتهم لإسرائيل فهو غير قادر على تصور كيف أن أي تعديل يطرأ على أحد شقي هذه المعادلة يمكن أن يؤدي إلى تبدل في الشق الآخر.

طبقاً لموريس ومن على شاكلته، إنما يولد العرب ليكونوا قتلة، فما من فلسطيني إلا ويصحو في الصباح ليسأل نفسه "من هو اليهودي الذي سأذبحه اليوم، ومن الذي سألقيه في البحر؟" إنها نوع من الهواية. وإذا كان الأمر كذلك، فلا يوجد ما يمكن عمله بهذا الشأن ولا يوجد من يجدي الحديث معه.

بفضل هذه المدرسة الفكرية تتحرر الصهيونية من أي ذنب وتُعفى إسرائيل من كل مسؤولية. فمهما عملت إسرائيل سيقابل فعلها بارتكاب مذبحة (ضد اليهود)، وما هي إلا مسألة وقت.

إلا أن المؤرخ الذي وصف كيف بدأ الأمر كله، والذي أدرك أن البداية استلزمت خطيئة أصلية مريعة – تمثلت في تجريد مئات الآلاف من الناس من ممتلكاتهم وطردهم من ديارهم، ثم استخدام القوة لمنعهم من العودة، كما بين بالتفصيل في كتابه – ليس مستعداً لربط السبب بالأثر.

ولكن يا بيني موريس، لعله كانت هناك احتمالات أخرى. أولاً، ما بقي موجوداً لسبعين عاماً، بما في ذلك خمسين عاماً من الاحتلال، قد يتمكن من البقاء لمائة عام أخرى أو حتى لمائتين. الفلسطينيون اليوم هم في أضعف حالاتهم على الإطلاق، بينما إسرائيل في أقوى حالاتها على الإطلاق، والعالم لم يعد مهتماً. إذن، قد يبرز الوضع القائم الإجرامي من كل ذلك منتصراً وقد يستمر على حاله. ذلك احتمال واحد.

ولكن، ثمة احتمال آخر، وهو الاحتمال الأقوى – ومفاده أنه عندما ينال الفلسطينيون، ولو جاء ذلك متأخراً نوعاً ما، حقهم في المساواة والعدالة، فلن يكونوا من بعد ذلك نفس الفلسطينيين. ففي ظل الحرية والكرامة، والتي حرموا منها زمناً طويلاً، سيكون من الممكن التأسيس لواقع مختلف وعلاقة مختلفة ضمن دولة ديمقراطية واحدة.

لم يخطر ذلك ببال موريس من قبل، ولا خطر ببال الصهيونية كذلك. لأنه لو فكر الصهاينة بذلك، فقد يشعرون بأنهم ملزمون بعمل شيء في سبيل تحقيقه.

ولذلك أجدني، تارة أخرى، ممتناً لموريس. فمن خلال عماه وتشاؤمه ذكرني مرة أخرى بالأمل الموجود، حتى لو كان مايزال بعيد المنال.