مقابلات

"عربي21" تحاور الغنوشي بالسياسة وعن "الإسلام الديمقراطي"

الغنوشي استبعد ترشحه للرئاسة وفضل رئيسا توافقيا- عربي21

بينما كانت تعيش تونس على صفيح ساخن في صيف عام 2013 بعد أشهر من اغتيال القيادي في الجبهة الشعبية شكري بلعيد، وفي ظل المخاوف من تكرار تجربة الانقلاب العسكري الذي عصف بمصر في 3 يوليو من نفس العام، التقى رئيس حزب النهضة الذي كان يقود حكومة الترويكا في ذلك الوقت برئيس جبهة الإنقاذ الباجي قايد السبسي في باريس منتصف آب/ أغسطس 2013.

 

وهو اللقاء الذي مهد فيما بعد لتوافق بين التيارين الأكثر اتساعا في البلاد، وجنب تونس حسب كثيرين الانزلاق في سيناريوهات التصعيد.


أدى التوافق الذي قاده "الشيخان"- كما صار يطلق على السبسي والغنوشي في بعض وسائل الإعلام- إلى تمرير الدستور في المجلس التأسيسي وتشكيل حكومة تكنوقراط، ثم تطور عبر مشاركة النهضة "الرمزية" في حكومة حزب نداء تونس بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية عام 2014.


مر هذا التوافق في حالات مد وجزر، لعل أخطرها ما تشهده الآن العلاقة بين الطرفين من اختلافات خصوصا بعد الانتخابات المحلية التي أجريت العام الماضي.


في ظل هذه الأجواء، وتونس على بعد سبعة أشهر عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية، خص الأستاذ راشد الغنوشي "عربي21" بحوار سياسي وفكري، ناقش فيه مع رئيس التحرير فراس أبو هلال آخر تطورات السياسة في تونس، وقدم تقييما لتجربة "الإسلام الديمقراطي" التي تبناها حزب النهضة في مؤتمره العاشر عام 2016.
 
في البداية سألنا الغنوشي عن لقائه الأخير بنجل الرئيس حافظ السبسي، فقال إنه جاء بهدف التوافق، "لأن تونس لا يمكن أن تقوم سوى على التوافق"، وأشار إلى أن قانون الانتخابات راعى هذا الأمر ووضع بهذه الصيغة لضمان أن لا يتفرد طرف بحكم البلاد، كما أنه كان متجسدا بالدستور الذي حصل على نسبة قبول عالية عند التصويت عليه.

 

اقرا أيضا : هل استشعرت النهضة خطر دعمها للشاهد مع اقتراب الانتخابات؟


وأضاف الغنوشي أن النهضة حرصت منذ بداية الحياة السياسية بعد الثورة على التوافق، وشددت على أن يكون توافقا "فكريا" وليس فقط عدديا، ولذلك فإن حكومة الترويكا بعد انتخابات 2011 قامت على التوافق بين التيارين الرئيسين في تونس وهما الإسلامي والعلماني.


وأكد الغنوشي أن حزبه وافق حتى على الحوار مع تيار "النظام السابق" عام 2013، وتنازل عن السلطة مقابل الاستمرار بإقرار دستور توافقي.

 

كما وافق على المشاركة في الحكم بتوافق مع حزب نداء تونس الفائز بالانتخابات عام 2014 برغم حصوله على وزارة واحدة، بما لا يتناسب مع عدد نوابه في البرلمان، "ولكنه أراد بذلك أن يعزز قيمة التوافق في تونس بعد الثورة".
 
الخلاف مع نداء تونس
 
وحول خلاف النهضة مع نداء تونس والرئيس السبسي، قال الغنوشي إن حزبه حصل على أغلبية المقاعد في الانتخابات البلدية التي أجريت في أيار/ مايو الماضي، وهو الأمر الذي لم يتقبله "نداء تونس".


وأضاف الغنوشي أن النهضة رفضت رفع الثقة عن حكومة يوسف الشاهد بعد خلاف الأخير مع "نداء تونس" لأننا قدرنا أن تغيير الحكومة وقتها قد يزج بالبلاد في أزمة تهز استقرار البلاد، وهو الأمر الذي عمق الخلاف مع الحزب الحاكم، ودفع الرئيس للإعلان أن التوافق انتهى. وعلق الغنوشي مبتسما، "قلنا لهم إن الشراكة فضت من طرف واحد.. أما نحن فمتمسكون بها".


"عربي21" سألت الأستاذ راشد الغنوشي عن تفاصيل لقائه الجديد مع رئيس الهيئة السياسية لحزب نداء تونس ونجل الرئيس "حافظ السبسي" قبل أيام، حيث قال الغنوشي إنه يهدف لإعادة التواصل والتفاهمات مع الرئيس وحزبه، لأننا نعتبر "نداء تونس" طرفا أصيلا في المشهد السياسي والنهضة متمسكة بدوره في التوافق.

 

كما أننا أكدنا في أكثر من بيان خلال الأشهر الأخيرة الدور المحوري لرئيس الدولة في ضمان نجاح الانتقال الديمقراطي وهذا موقف مبدئي وليس مناورة أو تكتيكا.

 

اقرا أيضا : الغنوشي يتحدث عن إمكانية تغيير حكومة يوسف الشاهد


وأضاف الغنوشي أن هذا اللقاء أغضب اليسار الراديكالي الذي لا يريد عودة التوافق بين النهضة والنداء، وهو ما يفسر بحسب رأيه عودة الحديث بقوة عن وجود "تنظيم سري" للنهضة بهدف "تحجيم صورتها بعد ظهور استطلاعات الرأي التي تعطيها الصدارة في سبر الآراء الشعبية".
 
النهضة بين السبسي والشاهد

 
وحول تنقل النهضة في الاصطفاف مع "السبسي" و"الشاهد"، قال الغنوشي إن النهضة ترفض موقف الاصطفاف لأنها تبحث دائما عن التوافق وهي حريصة على استمرار العلاقة مع الطرفين، مشيرا إلى "أننا نقدم المصلحة الوطنية على مصلحة الحزب، ولهذا فإننا لا نتمنى انهيار نداء تونس لأن هذا سيصب في مصلحة تيارات راديكالية ويضر بتونس".
 
وأكد الغنوشي أن النهضة تعمل على تنقية المناخات السياسية "لأن مصلحتنا ليست في تشتت القوى الأخرى أو في هيمنة حزبنا على المشهد السياسي بل في توازن القوى السياسية واستمرار التوافق ونحن نتمنى أن تفرز الانتخابات القادمة أغلبية توافقية متجانسة ومتوازنة تنفذ برنامجا إصلاحيا عاجلا، لأن المطلوب ليس التجاذب والاستقطاب وإنما التنافس على تقديم برامج واقعية يمكن تحقيقها في إطار توافق وطني واسع يستند إلى تفويض شعبي قوي".

وسألت "عربي21" الأستاذ الغنوشي عن المخاوف التي طرحها البعض ومن ضمنهم أعضاء في النهضة من أن دعم الشاهد سيمنحه قوة وسلطة كبيرة وأنه قد يستخدمها مستقبلا ضد النهضة، فرد الغنوشي بالقول إن النهضة في توافق حاليا مع رئيس الحكومة، مضيفا أن المستقبل مع ذلك قد يحمل كل الاحتمالات.


وأضاف الغنوشي أن حزبه ينسق مع الحكومة لضمان عدم استغلال موارد الدولة ووظائفها لصالح أي حزب في الانتخابات القادمة، في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.


وردا على سؤال عن احتمال وجود دعم إقليمي خليجي للشاهد، قال الغنوشي إننا ننتظر من الأشقاء العرب دعم التجربة التونسية وليس التدخل في شؤوننا الداخلية، وقلنا أكثر من مرة إن ثورتنا نموذج غير قابل للتصدير، وأننا نرفض سياسة المحاور رغم انحيازنا للقضايا العادلة، مشيرا إلى أن البعض قد يكون راهن على أن يتبنى الرئيس السبسي خيار إقصاء النهضة ولكنه فضل التوافق لأنه في مصلحة البلاد، وهذا موقف وطني نعتز به وعلى كل السياسيين الالتزام به وعلى رأسهم بالطبع رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
 
هل سيترشح راشد الغنوشي للرئاسيات؟
 

مع اقتراب موسم الانتخابات الرئاسية والنيابية في أكتوبر القادم، فإن السؤال الأكثر إثارة في الساحة السياسية التونسية هو "هل سيترشح الغنوشي لمنصب الرئاسة؟".

 

الغنوشي أكد لـ"عربي21" أنه لا طموح له بالرئاسة، وأنه صرح بذلك علنا منذ شهرين، مضيفا أن السياسة لا تحكم بالطموح بل بالمصالح، وأن "الحسابات السياسية اليوم لا ترجح ترشيح رئيس ينتمي للنهضة أو للتيار الإسلامي عموما.. كما أن هذا الأمر سيتم حسمه داخل الحزب وليس بقرار الغنوشي وحده".

 

وتابع الغنوشي أن التوافق هو الأصلح للبلاد وهو ما يرجح ضرورة أن يكون الرئيس القادم توافقيا.
 
تجربة الإسلام الديمقراطي
 
أقر مؤتمر حزب النهضة العاشر الذي عقد في أيار/ مايو 2016 خروج النهضة من تيار الإسلام السياسي، وتبنيها لما أسمته "الإسلام الديمقراطي".

 

"عربي21" سألت الأستاذ راشد الغنوشي عن هذه التجربة والتحول. يقول الغنوشي إن التجربة بحسب تقييمه ناجحة، مضيفا أن إلحاق أوصاف بالإسلام ليس بدعة، "فهناك الإسلام السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغيرها من المسميات"، ويتابع: "بالنسبة لنا الإسلام الديمقراطي يكتسب أهميته من تركيزه على قيمة الحرية، وهو يعني بالأساس تنظيم الحرية، حيث أن الشورى هي حرية لم يتم تنظيمها بآليات وقوانين وبقيت قيمة عامة، بينما يهدف الإسلام الديمقراطي لتنظيم الحرية، وهو بالتالي (إسلام الحرية المنظمة)".

 

اقرأ أيضا : الإسلام السياسي في تونس.. قراءة في النشأة والتوجه (2من2)

 وأضاف الغنوشي أن مصطلح "الإسلام السياسي" أصبح يجمع خليطا غير متوافق من الحركات التي تقبل بالديمقراطية وتلك التي ترفض الديمقراطية بما في ذلك الحركات الإرهابية التي تكاد تختطف في الوقت الحالي هذا التيار، ولذلك فإن توجه النهضة لـ"الإسلام الديمقراطي" هو إرادة منها للابتعاد عن هذا الخلط بحركات أخرى تتبنى العنف يتم تصنيفها في العالم الآن ضمن حركات الإسلام السياسي.

 
وفصّل الغنوشي في توضيح فكرة "الإسلام الديمقراطي" بالتأكيد أنها تأتي في إطار ممارسة السياسة في إطار الدولة القطرية ووضع مسافة بين "الأمة" كشعار حضاري وروحي وبين معناه السياسي.

 

وأشار إلى أن "الإسلام السياسي" ظهر في البدايات للمطالبة بالخلافة، وهو أمر لم يعد ممكنا أصلا في ظل الدولة القطرية الحديثة والمنظومة العالمية الممثلة بالأمم المتحدة، ولذلك فإننا نتبنى الإسلام الديمقراطي الذي يدعو لدولة المواطنة والمواطنين، حيث تستمد المواطنة فيها من الانتماء للأرض وليس للدين.
   
بين تجربة اليسار وتجربة النهضة
 
"عربي21" سألت الأستاذ راشد الغنوشي عن اتهامات بعض التيارات لحزبه بالخداع وعدم تبني الديمقراطية والمواطنة بشكل حقيقي وإنما كمحاولة لتجاوز الضغوط التي تواجهها في الوقت الراهن.

 

ابتسم الغنوشي وقال: "من يتهموننا بهذا انتقلوا مباشرة من ديكتاتورية البروليتاريا إلى احتكار الديمقراطية دون أن يقدموا ورقة نقد واحدة لتاريخ تيارهم الديكتاتوري، ودون أن يقدموا ورقة تأسيسية واحدة لتحولهم للديمقراطية وكأنهم آباؤها وتناقلوها أبا عن جد!".

 

وتابع: "لم يقدم هذا التيار نقدا ذاتيا لتجاربهم العالمية والعربية الديكتاتورية ولا نظّروا لكيفية الجمع بين الديمقراطية والماركسية ولم يجيبوا على السؤال التأسيسي: كيف ستنبت الديمقراطية في أرضية ماركسية".
 
وأضاف الغنوشي أن حركته بالمقابل أعلنت نفسها حزبا ديمقراطيا منذ 6/6/1981، وقدمت منذ ذلك الوقت كثيرا من أوراق النقد الذاتي والأوراق التأسيسية في كيفية الجمع بين الديمقراطية وبين الإسلام.

 

وتابع: "ناقشنا منذ ذلك الوقت في أدبيات منشورة كثيرة كيف ستنبت الديمقراطية في أرضية إسلامية، وجادلنا وناقشنا التيارات الإسلامية المناهضة للديمقراطية، بينما لم يحصل هذا النقد أو النقاش في التيارات اليسارية والقومية التي تتهمنا الآن بأننا غير ديمقراطيين".