كتب

نشأة ومسار التنظيمات الكردية.. العراق نموذجا

أكراد العراق.. وحدة العرق لم تفلح في توحيد المكونات السياسية (عربي21)

الكتاب: الأكراد في العالم.. تاريخهم ومستقبلهم (الجزء الأول)
الكاتب: د. عايدة العلي سري الدين
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون- تشرين أول (أكتوبر) 2018
عدد الصفحات: 471 من القطع الكبير
 
تحاول القوى الكردية السورية اليوم محاكاة النموذج الكردي الفدرالي في شمال العراق، تمهيداً لإنشاء كيان مستقل عن سوريا، ولو اتصل بِهَا بالاسم، علماً بأن المشروع الكردي الوليد يأتي في ظل أزمة تتداخل فيها عوامل محلية وإقليمية ودولية أنهكت الدولة الوطنية السورية وأضعفت سيادتها على قسم كبير من البلاد. 

التعبير عن الهوية الكردية يمثّل مشكلة سياسية لثلاث من دول الشرق الأوسط أساساً، هي تركيا وإيران والعراق. فيما أكراد سوريا غير معنيين بالمسألة لناحية اختلاف الظروف التاريخية المحيطة بوجودهم في سوريا وتبعات ذلك في ما بعد. 

لقد اعتقدت الأحزاب الكردية أن موسم الاستقلال قد حان وأن الوقت يسير في صالح تحقيق الحلم القومي للأكراد من خلال التحالف مع الولايات المتّحدة. غير أن مشروعاً من هذا النوع وفي ظل هذه الظروف بالذات يفتقد إلى عوامل النجاح تحديداً، لأن دولتي الجوار المستقلتين، تركيا وإيران، معنيتان بارتداداته على المستويين المتوسط والبعيد.

تستعرض الدكتورة عايدة العلي سري الدين في كتابها الكبير عن الأكراد المتكون من جزئين، والصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت في نهاية 2018، واقع الأكراد في كل من العراق وسوريا، حيث أكتفي في هذه القراءة بعرض الكتاب الأول الذي يتكون من 471 صفحة من القطع الكبير، ويتضمن العديد من المقالات التي نشرتها الكاتبة في عديد الصحف، وحاولت الكاتبة أن تجمعهم في ثلاثة فصول كبيرة، لكن الكتاب يفتقد إلى روح البحث الأكاديمي، والمنهج العلمي، إضافة للتوثيق.

وتتحدث الكاتبة في الفصل الأول عن التنظيمات الكردية المتعددة، ونشأتها، وتطورها، منذ بدايات القرن العشرين ولغاية الحرب العالمية الثانية. ثم تتطرق الكاتبة في العديد من المقالات المنشورة عن التشظي للحالة الكردية، عبر نقد الدولة التسلطية في العراق في عهد الدكتاتورية، ثم نقد عراق الولايات المتحدة الأمريكية، الذي تمتع فيه الأكراد في شمال العراق بشبه دولة، كانت تنظر إعلان استقلالها عقب الاستفتاء الذي حصل في شهر أيلول/ سبتمبر2017، والذي أجهضت الدولة المركزية في بغداد نتائجه.

الطموح الكردي يصطدم بمعارضة الدولة المركزية العراقية

مباشرة بعد إعلان نتائج الاستفتاء في كردستان العراق، اتخذت الحكومة الاتحادية العراقية برئاسة حيدر العبادي، إجراءات عقابية وتصعيدية، تم تبنتها من قبل دول الجوار الجغرافي للعراق على الصعيدين الاقتصادي والديبلوماسي، والتي وضعت إقليم كردستان في براثن الحصاروالعزلة، كفيلة بإجبار سلطة الإقليم على تقليص سقف تطلعاتها عقب الاستفتاء، أو مراجعة حساباتها، من دون الحاجة إلى تصعيد عسكري، يستفز سكان كردستان ويدفعهم إلى الالتفاف حول قيادتهم، التي يختلف قطاع منهم معها، في مواجهة ما يعتبرونه عدواناً عليهم أو مؤامرة لتجويعهم وكسر إرادتهم. 

وتجسد موقف الحكومة المركزية في بغداد، في الموقف الذي أعلنه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مؤتمر صحافي عقده في بغداد، والذي شدّد فيه على موقف الحكومة الرافض لأي حوار كان، قبل أن تلغي سلطات الإقليم الاستفتاء، موضحاً أن "الحوار يكون ضمن الدستور فقط ولا نعترف بالاستفتاء ولا بنتائجه"، داعيًا قوات البشمركة إلى عدم التصادم مع القوات الاتحادية في المناطق المتنازع عليها. وأصدرمجلس القضاء الأعلى في العراق (أعلى سلطة قضائية في البلاد)، مذكرات اعتقال بحق رئيس وأعضاء مفوضية الاستفتاء في إقليم كردستان العراق.

 

إنّ استعادة الجيش العراقي للمناطق التي استولت عليها قوات البيشمركة مستغلة الاحتلال الأمريكي واستيلاء "داعش" على غالبية شمال العراق، تعتبر مسألة شرعية ومنطقية،


وبالمقابل، تمثل الموقف الرسمي الكردي في الموقف الذي أعلنه رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، لرئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري: "إنه لا إلغاء للاستفتاء ومع حوار بلا شروط من بغداد"، كما أعلن البارزاني الموقف عينه أيضًا لدبلوماسيين ورؤساء بعثات أوروبية عاملة في العراق. وحذر من أن "أي محاولة لاستخدام القوة من قبل بغداد للتحرك باتجاه المناطق المتنازع عليها مثل كركوك وسنجار ومناطق في سهل نينوى، لن تكون سوى شرارة لصدام مسلح بين البشمركة والقوات الاتحادية، ولن يستفيد منها سوى تنظيم داعش"، معلناً أن "بغداد رفضت عرضاً أوروبياً ببدء الحواربعيدًاعن الاستفتاء من دون إلغائه أوتفعيله، وتصر على هذا الشرط، وهو ما أزّم الموقف في اليومين الماضيين".

إنّ استعادة الجيش العراقي للمناطق التي استولت عليها قوات البيشمركة مستغلة الاحتلال الأمريكي واستيلاء "داعش" على غالبية شمال العراق، تعتبر مسألة شرعية ومنطقية، لا سيما أنّ العودة إلى حدود إقليم كردستان الأساسية تصحّح الخطأ الذي تم ارتكابة من قبل قوات البيشمركة وقيادة مسعود البارزاني. فقد جرت استعادة "المناطق المتنازع عليها" من دون قتال، وانسحبت البيشمركة تماماً كما انسحب الجيش العراقي في الموصل لمصلحة "داعش"، ولم نسمع عن محاكم للجنرالات المتخاذلين، لذلك ستنجو قيادات البيشمركة من دون أن تعلن تسويغ فعلتها: لقد عادت تلك المناطق إلى أصحابها الحقيقيين.

ويلاحظ المراقبون داخل إقليم كردستان العراق وجود تيارات سياسية تعلن معارضتها لمسألة الاستفتاء، قليل منها يتبنى فكر أوجلان في انقضاء زمن الدولة القومية، لكن أكثرية تلك التيارات لا تعارض دعوة البارزاني وفكرة الدولة بشكل مطلق، كما هو الحال في فكر أوجلان الجديد، ولكن على أساس عدم ملاءمة الظروف، وأن مقومات الدولة لم تكتمل بعد. لذلك فما بين نسف فكرة الدولة القومية الكردية من أساسها (أوجلان)، والسعي بإصرار نحو الاستقلال، وإقامة الدولة، تموج الساحة الكردستانية بالصراع الناعم، من خلال التراشق اللفظي أحياناً، والخشن باستخدام السلاح احياناً أخرى.

 

إنّ الاستقلال حق من الحقوق القومية للشعب الكردي، لكنّه يتطلب توفير وتهيئة الأجواء، المناسبة داخليًا وخارجيًا


هل بنتيجة هذا الاستفتاء ستنشأ الدولة الكردية المستقلة؟ هذا أمر آخر، لأن الانفصال عن العراق، ونشأة الدولة الكردية يتطلبان توافقًا بين عوامل عديدة، داخلية وإقليمية، ودولية. كما يتطلب التوصل إلى حل للمشاكل المعقدة مع بغداد، وأهمها مشكلة المناطق المتنازع عليها، كما يتطلبان التوصل إلى حل مع حزب العمال الكردستاني المسيطر على المنطقة، التي يصل من خلالها نفط الإقليم (المورد الرئيسي) على الموانئ التركية على المتوسط، حيث بات زعيم الحزب عبد الله أوجلان يرفض فكرة الدولة القومية التي حارب من أجلها كثيرًا إلى أن أوصلته للسجن. فقد توصل أوجلان بعد 17 سنة من السجن إلى تغيير آرائه القديمة في عقد التسعينيات من القرن الماضي، حين كان يتحدث عن النضال من أجل قيام الدولة الكردية القومية، ومواجهة القوى الإمبريالية العالمية، والنظر إلى القيادات الكردية في إقليم كردستان العراق على أنهم جزء من هذه الإمبريالية.

 

إيران وأكراد العراق

وفضلآً عن ذلك، فإنّ حزب الرئيس العراقي السابق، الراحل جلال الطالباني: (الاتحاد الديمقراطي الكردستاني)، والذي تقوده الآن عقيلته هيرو إبراهيم أحمد ونجلاها (بافل وقباد) وابن عمهما (لاهور شيخ جنكي الطالباني)، وشاناز إبراهيم أحمد، ونسيب العائلة القيادي ملا بختيار، فهذه الجماعة الموالية لطهران والتي تقود الحزب، لها رأي آخر. 

فلم يعد خافياً أنّ حزب "الاتحاد الوطني" الذي كان شريكًا في الاستفتاء ومشاركًا فيه، حين اتخذت الحكومة المركزية في بغداد قرارًا سياديًا باستكمال سيطرة بغداد على كامل محافظة كركوك ومناطق أخرى مما كانت ضمن المناطق المتنازع عليها، قد غيّر موقفه، وخلط الأوراق داخل الصف الكردي، بسبب ميله إلى طرف حكومة بغداد، وهو يرفع الصوت عاليا، من أجل التسليم بشروط بغداد. 

 

بعد سقوط نظام صدّام، وانهيار الجيش العراقي، استولت القوات الكرديّة على مدينة كركوك. فقام حزب جلال، بإقناع مسعود بارزاني بضرورة حلّ المشكلة بالسبل القانونيّة والدستوريّة


وقد بدأ موقف الاتحاد الديمقراطي الكردستاني يحظى بالتفافٍ شعبيٍّ من شارعٍ صار يرى في الاستفتاء خطأ، ويريد تجاوز آثار الأزمة من خلال المسارعة إلى فتح حوار بنّاء مع بغداد، والانصياع لقرار الحكومة الاتحادية في بغداد، وعدم الانجرار إلى المواجهة المسلحة، وحث البارزاني العودة إلى الوضع ما قبل 2014. 

ففي العام 2003، أيضاً، وبعد سقوط نظام صدّام، وانهيار الجيش العراقي، استولت القوات الكرديّة على مدينة كركوك. فقام حزب جلال، بإقناع مسعود بارزاني بضرورة حلّ المشكلة بالسبل القانونيّة والدستوريّة، وبأنه يجب إعادة كركوك إلى المركز - بغداد. وامتثل بارزاني لمشيئة ورغبة جلال طالباني وقتذاك.

وحتى قبل إجراء الاستفتاء يوم 25 أيلول/ سبتمبر2017، كانت هناك اعتراضات داخلية في إقليم كردستان العراق، ووجود خلافات تاريخية فيما بين الحزبين الرئيسيين المسيطيرين في كل من أربيل والسليمانية، حول مسالة الاستفتاء. فنائب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق قوباد الطالباني (ينتمي إلى حزي الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بزعامة والده الراحل جلال الطالباني) يقول في كلمة ألقاها في مؤتمر السليمانية الدولي: "إنّ قضية استقلال الشعب الكردي ليست محلاً للمزايدات السياسية، وهناك تساؤلات كثيرة تطرح حول قضية الاستقلال خاصة، والإقليم لا يملك اقتصادًا قويًا، وجيشًا وطنيًا موحدًا وأنّ هناك شرخًا كبيرًا بين الأطراف". 

وأضاف: "إنّ الاستقلال حق من الحقوق القومية للشعب الكردي، لكنّه يتطلب توفير وتهيئة الأجواء، المناسبة داخليًا وخارجيًا". كما أنه أكدّ، أنّه "من غير الممكن ادعاء الاستقلالية، في حين تفوح رائحة الإدارتين من أعالي المستويات السياسية في الإقليم. فضلاً عن إخفاق الإدارة في توحيد السيطرة بين السليمانية وأربيل حتى الان". ويقصد بالإدارتين إداراتي أربيل والسليمانية، والتي كان الإقليم، حتى قبل سقوط النظام العراقي (2003)، ينقسم فعليًا وعلى الأرض إلى إدارتين بسبب الخلافات بين الحزبين الرئيسيين. ولفت الكالباني إلى أنّ "الشعب الكردي لا يزال في بداية المشوار في كسب الأصوات الدولية. لذلك، لا يمكن حرق ورقة قضية الاستقلال أو المغامرة بها في الوقت الراهن".