قضايا وآراء

خطايا ذكورية في الحب والزواج

1300x600

لعل أشهر هذه الخطايا بين المحدَثين هي التعامل مع الزوجة بوصفها ملكيَّة نهائيَّة، ومع حبها لك أو حبك لها كحقيقة أبديَّة ومقام ثابت لا يتغير! ومن ثم؛ فلا يهم عندئذ التعبير عن مشاعر كما بالقول والفعل، أو لا يحق لكما ما كان يلزمكما إبان خطبتكما، من التودُّد والتلطُّف؛ وهو جهل شنيع بطبيعة الأنثى وحاجاتها النفسية والعاطفية، بل وجهل شنيع بطبيعة الأعمال القلبية، ومخالفة صريحة للسيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

 

فعل يؤدي إلى فتور العلاقات الزوجية


وإذا كانت كل الأعمال القلبية بلا استثناء مجرد حالات تزيد وتنقُص بعمل الجوارح، مثلها في ذلك مثل الإيمان؛ فإن التعامل مع الأنثى باعتبارها أثاثًا مضمونًا لأنك قد "اقتنيته"، وحُزته في بيتك فعلًا؛ يؤدي لفتور العلاقة الزوجية بشكل سريع، واتساع الهوة النفسية والعاطفية بين الزوجين؛ وإن ظلا يعيشان بجسديهما في نفس المساحة المكانيَّة.
 
هذه الذهنيَّة المختلَّة وثيقة الصلة بالتعامل مع الزواج بوصفه مرحلة من حياتك، ومن ثم تنتقلُ بعده لمرحلة أخرى. وهي خطيئة أخرى شائعة ذائعة مُنتشرة متفشيَّة كالوباء. فهذه النظرة إلى الزواج، باعتباره غاية ونهاية ومرحلة؛ لا تؤدي فحسب لفتور العلاقة بين الزوجين، والتعامل مع الزوجة باعتبارها "متاعًا" من الجمادات، لا يستحق بذل الجهد الدائم للحفاظ عليه وتنمية علاقتك به؛ بل إنها تُفقِدُ المجتمع المسلم قوَّته وقدرته الحركية المبنية أصلًا على اعتبار الأسرة هي المركَب الأهم، الذي تتحسَّن به الحركة الفردية الإنسانية (السعي) على الأرض، عروجًا إلى الله. ومن ثم تركد الأسرة ويتبعها ركود المجتمع، ليفقد الأخير كل حيويته الحركية-الدعوية التي يكتسبها من تشكُّله من أسر مكابِدة تتحرَّك كوحدات مُتجانسة على ذات الطريق وإلى ذات الوجهة، التي يفترض أن يتحرك إليها المجتمع؛ العروج إلى الله بالدعوة إليه بالنفس، والتي تجسدها الحياة على مقتضى كتابه. 

 

بداية الحياة الحقيقية


إن الزواج في الإسلام هو بداية الحياة الحقيقية، وليس منتهى الغايات ولا مرحلة عابرة؛ فهو بداية رحلة المكابدة الاجتماعية التي افترضها الإسلام على الخلق، استكمالًا للمكابدة الفردية. فلا يوجد في الإسلام خلاص فردي مُنفصِل عن المجتمع، وإنما يجب أن تثمر المكابدة الفردية داخل السياق الاجتماعي، أي أن يَنتُج عن المكابدة الفردية تيسير للمكابدة الاجتماعيَّة للأمة، وذلك بطريقين: أولهما من خلال اتصال الفرد المكابِد بمن حوله، والثاني من خلال اتصال أسرة المكابدين مُجتمعِةً بالمجتمع المحيط، وذلك بوصفها وحدة تمثيلية.

 

التعامل مع الأنثى باعتبارها أثاثًا مضمونًا لأنك قد "اقتنيته"، وحُزته في بيتك فعلًا؛ يؤدي لفتور العلاقة الزوجية بشكل سريع،


ولأن الزواج رحلة مكابدة وصيرورة مفتوحة، لذا كانت العلاقات والروابط النفسيَّة والاجتماعيَّة الداخِلة فيه والمتعلِّقة به في حكم الصيرورة. وبعبارةٍ أخرى، فحال الزواج والعلاقة الزوجيَّة تتغير باستمرار، صعودًا وهبوطًا، بعمل الجوارح كلها وأولها اللسان؛ كما تتغير كل أحوال الإنسان. ألسنا ننتقل من العزوبة إلى أولى مراحل الزواج بكلمة؟ ويكتمل بالمعاشرة قسط ثان؟ وبالإنجاب قسط ثالث؟ وبرعاية الأطفال وتربيتهم قسط رابع؟ وبإعانة الأبناء على تكوين أسر جديدة قسط خامس تبدأ به رحلات جديدة لتتوازى مع رحلتنا؟ 

إن هذه الرحلة/ الرابطة الإنسانية العاطفية الجسدية، التي تتشكل في كل طور شكلًا جديدًا، فتزيد حرارتها وكثافتها وحركيتها، وتنقُص؛ لا يستقيم انطلاقها ويكتفي بزاد الانطلاقة الأولى فحسب، إذ أن حاجتها للزاد العاطفي والمدد الروحي لا تنتهي إلا بانتهائها، كما هي حاجة الجسد البشري لزاده من الطعام والجماع سواء بسواء. فإذا أدركت أن حياتكما المشتركة طريق طويل ينتظِر التعبيد، وليست مرحلة عابرة؛ علمت أن هذا الطريق يلزمه زاد وتلزمه عُدَّة. فلا تبخل عليها بالزاد، ولا على نفسك بالعُدَّة؛ لئلا يتغيَّر اتجاه مسيركما عكس ما تشتهي. وسبحان من يغير ولا يتغير.