ملفات وتقارير

أين يقف الإسلاميون من الانقلابات العسكرية؟

كان لافتا مؤخرا موقف جماعة الإخوان المسلمين "الأم" في السودان المؤيد للانقلاب العسكري الذي قام به الجيش السوداني- مواقع تواصل

تتباين مواقف الحركات الإسلامية من الانقلابات العسكرية، بين اتجاهات ترفضها نظريا مع اضطراب مواقفها العملية منها، وبين اتجاهات أخرى تتعامل معها براغماتيا فيكون المحدد لمواقفها ما تجلبه من مصالح أو ما تفضي إليه من مفاسد.


وكان لافتا مؤخرا موقف جماعة الإخوان المسلمين "الأم" في السودان المؤيد للانقلاب العسكري الذي قام به الجيش السوداني على الرئيس عمر البشير الخميس الماضي، إذ رحبت الجماعة في بيانها الموقع من المراقب العام الدكتور عادل على الله إبراهيم "بتنحية الرئيس البشير واقتلاعه من رأس النظام" واعتبرتها "خطوة أولى لها أهميتها".


ووفقا للكاتب والباحث السياسي السوداني، عباس محمد فإن مختلف الاتجاهات الإسلامية في السودان، سواء منها التجديدية التي تزعهما الدكتور حسن الترابي سابقا، أو التقليدية (إخوان وسلف) أيدت الانقلاب على عمر البشير. 


وأرجع عباس تأييد "شباب التجديديين للانقلاب لأنهم رأوا فيه استنقاذا لمشروعهم من حكم الفرد، بينما أيده التقليديون (الإخوان والسلفيون) من باب درء مفاسد نظام البشير". 


وأوضح عباس لـ"عربي21" أن مواقف الإسلاميين من العسكر والدولة في السودان تراوحت بين تيارين كبيرين، أولهما: تيار الإسلاميين التجديديين الذي مثلهم تيار الدكتور حسن الترابي، والذين سلكوا مسارا تنظيميا وسياسيا مختلفا جذريا عن الإسلاميين الآخرين في البلدان العربية، بعد أن خبروا أساليب العمل العام واختراق أجهزة الدولة بما فيها الجيش". 


أما التيار الثاني، يتابع عباس فهو "تيار الإسلاميين التقليديين، كالإخوان والسلفيين، فهؤلاء ضد الانقلابات من حيث الأصل، لكن بعد انكسار تجربة الدولة عقب الانشقاق الكبير وسط الإسلاميين سنة 1999 بين الشيخ (الترابي)، والجنرال (البشير) برز موقف واضح ضد الانقلابات خاصة وسط الشباب والإصلاحيين". 

 

اقرأ أيضا : الأحزاب الإسلامية.. هل خدمت الثورات العربية أم خذلتها؟


ولفت الباحث السوداني عباس إلى أن "مواقف الإسلاميين في السودان من الانقلابات براغماتية أكثر منها أخلاقية أو مبدئية، لكنها تختلف عن مواقف نظرائهم في البلدان العربية لاختلاف طبيعة الدولة والعسكر في المخيلة الجمعية للشعوب، فالسودانيون عرفوا الثورات والحرية والحزبية في ظل دولة أقل قمعية، عكس الآخرين الذين كانوا في غالب حقبهم ضحايا قمع وعنف الدولة والعسكر". 


من جهته انتقد الكاتب والباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية، عمرو عبد المنعم مواقف الحركات الإسلامية، خاصة الإخوان المسلمين في تناقضها الصارخ بين مقرراتها النظرية ومواقفها العملية، فبينما نقرأ في أدبياتها دعوتها إلى الشورى والديمقراطية ومنح الشعوب حقها في اختيار من يحكمها، نجدها في مسيرتها العملية تتحالف مع العسكر وتؤيد الانقلابات العسكرية"، على حد قوله. 


واستذكر عبد المنعم في حديثه لـ"عربي21" موقف الجماعة من انقلاب الضباط الأحرار سنة 1952 على الملكية في مصر، الذي أيدّته الجماعة ووقفت إلى جانبه، واجتماع قياداتها مع اللواء محمد نجيب، وهو ما ذكرته وأكدّته مصادر الجماعة المتعددة.


ولفت عبد المنعم إلى "موقف إخوان الجزائر إبان العشرية السوداء حينما انحازوا إلى العسكر، وتحالفوا معهم، ولم يصدر أي انتقاد لموقف حركة (حمس) من قبل التنظيم الدولي للجماعة في انحيازها وتحالفها مع العسكر".


وأضاف: "حينما قام عمر البشير بانقلابه في 1989 على حكومة الصادق المهدي المنتخبة بدعم وتأييد من الدكتور حسن الترابي، أيدّ الإخوان انقلاب البشير والترابي تأييدا مباشرا".  

 

اقرأ أيضا :  "إسلام السلطة وإسلام الجماعة: محنة أمة".. التجربة التونسية


وتساءل عبد المنعم: "لماذا تأتي مواقف الجماعة العملية في كثير من محطاتها السياسية مخالفة لما تدعو إليه في خطابها الدعوي النظري؟"، ذاكرا أنه في حوار سابق له مع المرشد العام للجماعة، محمد بديع سأله عن بعض تلك التناقضات فأجابه أن "لكل تنظيم من تنظيمات الجماعة ظروفه الخاصة به، وهو الأقدر على تقدير الموقف بحسب معطيات الواقع والظروف القائمة".


يُشار في هذا السياق إلى أن حزب التحرير الإسلامي، يقرر في طريقته المتبناة لإقامة الدولة الإسلامية مبدأ طلب النصرة من أهل القوة والنفوذ، بالطلب من الجيوش والأجهزة الأمنية تقويض أركان الأنظمة القائمة، تمهيدا لتسليم السلطان للأمة لإقامة الشريعة والدولة الإسلامية، بحسب أدبيات الحزب وكتبه المقررة. 


وتوضيحا لرأي الحزب بيّن ممثل دائرة الإعلام لحزب التحرير في الكويت، أسامة الثويني لـ"عربي21" أن "استجابة أهل النصرة لدعوة الحزب لا تعتبر انقلابا عسكريا، لأن الانقلاب صار اصطلاحا يدل على واقع محدد".


وأضاف: "ومن الخطر على الحكم أن يكون للعسكريين أي وجود فيه، فإن أي دور لهم فيه مهما قلّ يجعله حكما بوليسيا كحكم الشرطي للسجين، لا سلطانا ينفذ تنظيم العلاقات بالعدل والحق".


وتابع: "حزب التحرير يحمل مشروعا فكريا وسياسيا، ويعمل في الأمة ومعها لتبني الإسلام قيادة فكرية، وانحياز أهل قوة ومنعة لهذا المشروع لإقامة كيان جديد يسود فيه الشرع، ويرجع السلطان للأمة كي تختار حاكمها، وتبايعه على تطبيق الشرع ". 


بدوره أبدى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الأردنية، الدكتور صبري سميرة تحفظه الشديد على مواقف الإسلاميين المؤيدة للانقلابات العسكرية، أو تحالفاتهم مع العسكر" مرجعا ذلك إلى "تناقض سلوكهم ذاك مع كونهم أصحاب رسالة وقيم لا تتوافق مع حكم العسكر بحال، ولو التزموا بمبادئهم فسيرفضون ذلك كله". 


وردا على سؤال "عربي21" بشأن تعامل بعض الإسلاميين مع الانقلابات تعاملا براغماتيا، أجاب بقوله "إن ما يتمنى الإسلاميون إنجازه على أيدي العسكر  وهم كبير، فتاريخ العسكر في الحكم والسلطة يؤكد أنه حكم فاسد واستبدادي، وعلى الإسلاميين أن يقرأوا التاريخ جيدا، ليأخذوا منه العبرة والعظة قبل أن يتورطوا في تجارب محكومة بالفشل المؤكد".


واستغرب سميرة في ختام حديثه "أن يبرر أي إسلامي الانقلابات العسكرية، أو يدافع عن حكم العسكر"، متسائلا: "كيف يُقدمون على ذلك بعد كل تجاربهم المؤسفة معهم، وفي ظل ما يدّعونه من تطور فكرهم باتجاه الحياة المدنية، والديمقراطية، والانتصار للشعوب وحقوقها، والدفاع عن حقوق الإنسان؟".