قضايا وآراء

عباسي مدني ونصائحه الغالية للإخوان

1300x600

رحم الله الشيخ عباسي مدني، فقد عرفت الرجل بعد استقراره في قطر سنة 2004م، بعد خروجه من الجزائر، وقد أرسلني إليه شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي بهدية هي مجموعة كتب له، وقد جمعتني به عدة لقاءات فيما بعد، كلها كانت لقاءات علمية أو دعوية، قليل منها خاص، وأكثرها عام.

 

تجربة الجزائر

كانت أولى هذه اللقاءات عندما عقد موقع (إسلام أون لاين نت) ندوة مهمة عن العنف، وكان أحد ضيوفها عباسي مدني رحمه الله، وظل يتحدث طويلا عن تجربة الجزائر، وشهادته عليها، ونصائحه للإسلاميين بخصوص هذا الملف، وكانت ليلة طويلة ثرية بحديثه المهم.
 
ثم جاءت سنة 2006م، وفاز الإخوان بـ (88) مقعدا في مجلس الشعب المصري، وفوجئت بصديق تونسي من حزب "النهضة" على صلة بالشيخ عباسي، قال لي: عباسي مدني يريدك أن تزوره، ليحملك رسالة لإخوان مصر، وذهبت للقاء الشيخ، كان حديثه حديث المسرور بإنجاز الإخوان، والحريص على نصحهم، والوَجِل من توابع هذا المرحلة.

 

قل للإخوان: إياكم وترك الميادين، وإياكم وحمل السلاح. هاتان وصيتان اجعلاها نصب أعينكم وعقولكم.


قال لي رحمه الله: أبلغ تحياتي للأستاذ مهدي عاكف مرشد الإخوان، وأبلغه نصيحتي لإخواني من الإخوان المسلمين، على الإخوان أن لا يستكثروا بنسبة نجاحهم، وأن يحرصوا على القوى السياسية الأخرى معهم في المعارضة، وأن يحرصوا على تقديمهم، ومشورتهم، ووضعهم في الصورة دوما، حتى يكونوا يدا واحدة ضد النظام الفاسد، وأن هذا هو واجبهم بحكم أنهم جماعة كبيرة، وأنهم الأكثر عددا، والأقدم تاريخا. وأبلغت الرسالة، وأبلغني الأستاذ عاكف شكري وتحياتي للشيخ عباسي.

 

وصيته الأخيرة للإخوان


وكان آخر لقاء لي به رحمه الله، بعد انقلاب 14 آب (أغسطس) 2013م، وكنت قد أعددت نفسي للنزول لمصر، في شهر رمضان، اتصل بي أحد أبنائه لأشرف بزيارته في منزله، ذهبت إليه، ووجدت عنده ضيفا، سلم عليَّ الشيخ عباسي، ثم قال لي: إنني مصاب بجلطة ولا أقابل أحدا، ولكني حرصت على لقائك لتبلغ رسالتي للإخوان في مصر، وهي وصية مهمة أرجو إيصالها لهم. قلت: تفضل يا مولانا. قال الشيخ: قل للإخوان: إياكم وترك الميادين، وإياكم وحمل السلاح. هاتان وصيتان اجعلاهما نصب أعينكم وعقولكم.

ثم عرفني على ضيفه وهو قانوني دولي كبير، متمرس في العمل الحقوقي الدولي، وهو متعاطف جدا مع قضية رابعة، وضد الانقلاب العسكري في مصر. ثم قال لي: لا بد من أن تستفيدوا من هذا الحقوقي، وعليكم أن تهتموا بالأداء الحقوقي الإقليمي والدولي، فهو مهم، وهو ما يراهن عليه الانقلاب العسكري، ويراهن على ضعفكم فيه.
 
قلت لضيف الشيخ عباسي: كيف يمكنك مساعدتنا في ملفنا؟ فقال: إنني أستطيع أن أخدم قضيتكم، بأن يأتيني بعض الحقوقيين لديكم فأمرّنهم على العمل الحقوقي، وأساعدهم في التواصل مع المنظمات الحقوقية الدولية، وكيف تحصل مؤسساتهم على الاعتراف الدولي. فهذا ما ينقصكم بشدة، وعليكم صنع كوادر مهمة في هذا الميدان.

نقلت النصائح التي تخص إخوان مصر، للمسؤولين من الإخوان الموجودين في اعتصام رابعة، وقبلها نقلت العرض الحقوقي لأحد مسؤولي الإخوان في الخارج. وكعادتي مع هذا المسؤول يشعرك أنه سينفذ العرض في الحال، وقد جربته في أمور قبل وبعد ذلك أسمع وعودا وكلاما ولا أرى أي فعل ولو قليلا، بل ربما من باب إغلاق باب الفكرة عليك، يقول لك: كل هذا موجود وزيادة يا أخي!! وحتى لا تثير به نقاط ضعف في إدارته ومن معه، وإذ به يعدني بالعمل على ذلك بشدة، وأنه سوف يتعاون في ذلك. ولكن كبقية العروض الجادة والمهمة كان مصيرها في صندوق قمامة الإدارة التنظيمية!

رحم الله الشيخ عباسي مدني، وجزاه خيرا عن دينه وأمته، وأشهد أنه كان لا يترك فرصة للنصح، أو القيام بواجبه نحو الإخوان وغيرهم من الإسلاميين، إلا قام به، يخرج نصحه من ذوب قلبه، وعصارة خبرته وتجربته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

Essamt74@hotmail.com