حقوق وحريات

انتهاكات غير مسبوقة بحق المعتقلات بمصر.. شهادات صادمة

إحصاءات حقوقية: اعتقال ألفي سيدة وفتاة منذ انقلاب 3 يوليو 2013- جيتي

تشهد مصر منذ انقلاب يوليو 2013، انتهاكات صارخة ضد النساء، من قتل وحبس وتنكيل وإخفاء قسري ومعاملة سيئة داخل السجون إلى الإهمال الطبي ومنع الزيارة وغيره.

 

وتشير الإحصائيات التي تناولت ظاهرة اعتقال السيدات إلى أن الأرقام تخطت ألفي سيدة وفتاة خلال السنوات الخمس الماضية، وبعضهن تعرضن للإخفاء القسري لفترات امتدت لشهور، كما أن عددا منهن رهن الإعتقال بمقر الأمن الوطني، رغم أنهن يخضعن للتحقيق المنتظم بالنيابات المختصة.

ووثقت مؤسسة الشهاب وجود 69 امرأة رهن الحبس والسجن بسبب التظاهر السلمي أو لكونهن ناشطات حقوقيات أو زوجات لبعض المحبوسين أو يبحثن عن أزواجهن المعتقلين.

ووفقًا لتقرير الحالة الحقوقية للعام 2018 الصادر عن مؤسسة الشهاب لحقوق الإنسان، فقد أكد أن المرأة المصرية تعاني وما زالت من انتهاكات عديدة، إذ تعرضت للاحتجاز التعسفي والسجن والإهانة والتحرش داخل المعتقلات، وكذلك الحرمان من الزيارة ومنع دخول الطعام أو الأدوية، وقد حُكم على بعضهن بأحكام حبس تصل إلى 5 سنوات بسبب أرآئهن أو القرابة أو النسب أو نشاطهن الحقوقي.

كما وثَّق التقرير القبض على 66 امرأة تعسفيًا، تعرضت 26 امرأة منهن للاختفاء القسري حتى ظهرن أمام النيابة في قضايا واهية، وما تزال 6 منهن رهن الاختفاء القسري. 

وفي نوفمبر عام 2018، شنت الأجهزة الأمنية المصرية حملة إعتقال بحق 7 نساء من الناشطات الحقوقيات والحقوقيات العاملين بملف الدفاع عن المعتقلين وخاصة المختفين قسريًا، شملت المحامية هدى عبدالمنعم وابنة نائب المرشد العام للإخوان المسلمين عائشة خيرت الشاطر، والناشطات الحقوقيات سمية ناصف وسحر حتحوت وراوية الشافعي وعلياء إسماعيل وإيمان القاضي، قبل أن تظهر الموقوفات فيما بعد أمام نيابة أمن الدولة العليا، التي قررت حبسهن بتهمة الانضمام لجماعة أُسست على خلاف القانون والإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد.

 

اقرأ أيضا: أول عيد في السجن.. شهادات مأساوية لمعتقلين مصريين

وكانت منظمة "هيومان ريتس واتش" أدانت عملية توقيف هدى عبدالمنعم (60 عامًا)، وهي عضو سابق في المجلس القومي لحقوق الإنسان ومتحدثة رسمية سابقة باسم "التحالف الثوري لنساء مصر"، حيث أشارت إلى عدم تقديم عناصر الأمن أي مذكرة توقيف أو تفتيش بحقها، لكنهم فتشوا المنزل بعنف وكسروا بعض مقتنيات الأسرة، في حين لم تتمكن عائلتها من الوصول إليها منذ آخر جلسة استماع.  

أما المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فقد تناول في أحدث تقرير له ما وصفها بـ"الانتهاكات الخطيرة" التي تتعرض لها الفتيات والنساء المحتجزات تعسفيًا في مقار وأماكن الاحتجاز التابعة للأجهزة الأمنية المصرية.

 

وذكر التقرير أن "الوضع في مقار وأماكن الاحتجاز في مصر، ولا سيما بالنسبة للمرأة، يخضع لغياب مبدأ المحاسبة، وتسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب، بما يمنح القائمين على إدارة تلك الأماكن فرصة ارتكاب المخالفات بحرية ويُكرس مزيدًا من الانتهاكات دون أية محاكمة".

ووثقت رابطة "نساء ضد الانقلاب" 320 حالة اعتقال واختفاء قسري في حق النساء، وحتى نهاية 2018 ما زالت في السجون 70 سيدة وفتاة، موزعات على سجن القناطر الخاص بالسيدات، ومقار الأمن الوطني بالشيخ زايد ومدينة نصر. الإلكترونية المتعارف على استخدامها في هذا السياق".

 

اقرأ أيضا: كيف يستقبل أهالي المعتقلين بمصر العيد تلو الآخر دون ذويهم؟

ومن جانبها قالت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات إن عدد النساء المعتقلات بلغ في مصر حتى كتابة هذه السطور 84 امرأة تعرضن لاختفاء قسري وإهمال طبي وتعذيب معنوي وبدني وغير ذلك.

كما وصل عدد النساء اللاتي تعرضن للاختفاء القسري منذ ست سنوات إلى مئات النساء، وصلت فترات إخفاء بعضهن إلى مُدد تتجاوز اثني عشر شهرا ويزيد كما حدث مع سمية ماهر حزيمة، والتي ما زالت ضحية انتهاكات جسيمة في ظلال تحدٍّ صارخ لكافة العهود والمواثيق الدولية وانتهاكٍ جسيم للدستور والقانون المصريَّيْنِ، والتي مر 600 يوما على اعتقالها دون زيارة حتى الآن.

وأدلى عدد من أسر السجينات بشهادات لـ"عربي21" حول ظروف اعتقالهن الصعبة. وقال والد سمية ناصف إن ابنته اعتقلت يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر، واختفت قسريا لمدة 23 يوما، ثم ظهرت في نوفمبر في القضية رقم 1525 لسنة 2018 بتهمة تلقي تمويل خارجي والإنضمام لجماعة محظورة.

 

وأضاف: "وتم إخفاؤها مرة أخرى قسريا، وظلت لمدة 3 شهور، ووضعت في عنبر لدواع أمنية بسجن القناطر وعانت ظروفا سيئة جدا، حيث وجدت ثعابين بالزنزانة، ومياه شرب سيئة وعانت صحيا كثيرا".

وتابع خلال حديثه لـ"عربي21": "في مايو الماضي حصلت على إخلاء سبيل، وبالفعل تم ترحيلها إلى قسم شرطة أوسيم وذهبنا لإستلامها ولكن تم ترحيلها مرة أخرى إلى نيابة أمن الدولة العليا بنفس التهم السابقة وتم حبسها 15 يوما على ذمة التحقيقات وظلت ممنوعة من الزيارة منذ إعتقالها حتى الآن، ولا نعرف عنها شيئا بعدما كنا نراها كل 15 يوما، الآن نراها كل 45 يوما ولا نعرف ماذا عن الأيام القادمة ومدى المعاناة التي تعانيها".

وقالت فاطمة شقيقة المعتقلة مروة أحمد مدبولي لـ"عربي21"، إن قوات الأمن قامت باعتقال شقيقتها قبل أيام من حفل زفافها.

 

وأضافت: "بينما كانت مروة تستعد لحفل زفافها، وقامت بحجز قاعة الاحتفال بحفل الزفاف على زوجها الذي كان قد أمضى حكم خمس سنوات، قامت قوات الأمن باعتقالها".

وعن معاناة مروة الصحية تقول شقيقتها، إنها "تعاني من ورم 10 سم في الرحم يسبب لها نزيفا وتسبب في إنخفاض وزنها بشكل واضح، وتحتاج إلى عملية عاجلة حيث تعاني أيضا من السكر وضغط وحساسية على الصدر".

وتعليقا على تصاعد الانتهاكات ضد المرأة المصرية منذ الانقلاب العسكري، قال عبد الله الأشعل، الأكاديمي المصري، ونائب رئيس مجلس حقوق الإنسان الأسبق، لـ"عربي21" إن ما يجري من انتهاكات ضد المعتقلات في مصر، يتناقض تماما مع الحد الأدنى لحقوق السجين التي نصت عليها المواثيق والقوانين الدولية وحتى لوائح السجون الداخلية.

 

وأضاف: "هناك مواصفات وقوانين تنظم التعامل مع السجين وتقوم النيابة بالإشراف على هذه السجون ومتابعة مدى تنفيذ اللوائح بها، ولكن لا شيء يحدث من ذلك حتى القضاء يرفض أي شكاوي في هذا السياق، لأنه صار هناك تمازج وتداخل بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية".

وأوضح الأشعل "أن الانتهاكات تصل إلى فقد الحياة من خلال التعذيب أو الإهمال الطبي، فضلا عن المساس بالكرامة الإنسانية وغيرها من الممارسات الأخرى، ولكن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ويتم المحاسبة عليها خاصة إذا كانت موثقة وهو ما جرى في دول كثيرة كانت تحكم من قبل أنظمة ديكتاتورية"، مشددا على أهمية الدور الذي يجب أن تقوم به المنظمات الحقوقية في توثيق هذه الجرائم للمحاسبة عليها لاحقا.


ولفت الأشعل إلى التعنت في التعامل مع السجناء بشكل عام، مشيرا إلى أنه "يتم اختيار أشخاص يعملون بالسجون غير مؤهلين ومشوهين نفسيا ويعانون انفصاما في الشخصية ويعتبرون السجناء فريسة لهم يتعاملون معها بكل قسوة"، داعيا إلى ضرورة تدخل دولي من خلال المنظمات الدولية التي تكون مصر ممثلة فيها حتى يتم تفعيل ميثاقها على ما يجري من انتهاكات وفرض عقوبات ومحاكمة القائمين على ذلك.


وأكدت المحامية والناشطة الحقوقية، آمال مصطفى، لـ"عربي21" أن ما يجري في السجون المصريه من الإنتهاكات التي تتعرض لها النساء في هذه الفترة من 3 يوليو 2013 حتى الآن يعد كارثة ليس لها وصف إنساني أو حقوقي.

 

وقالت: "بالرغم من انضمام مصر للمعاهدات والإتفاقيات الدوليه المتعلقه بحقوق الإنسان بصفه عامة وبحقوق السجناء وبحقوق المرأة، إلا أن هذا الإنضمام يعد انضماما على الورق دون أي تطبيق على أرض الواقع بالمخالفة كل المعاهدات والاتفاقيات والدساتير والقوانين ولوائح السجون".

وأضافت: "يتم إحتجاز السجينات في أماكن غير محددة في القانون وفي أماكن سرية وعسكرية ومقرات أمن الدولة وذلك للتنكيل بهن، وتتعدد الإنتهاكات بحقهن بدءا من الإخفاء القسري والقتل خارج القانون عن طريق التعذيب والإهمال الطبي ومنع دخول الأدوية للمرضى وذوي الأمراض المزمنة إلى التعذيب والصعق بالكهرباء والحجز في زنانين غير آدمية ومنع الزيارات ومنع دخول الأطعمة والمشروبات والملابس والكتب والمنع من دخول الامتحانات لزيادة التعذيب النفسي والبدني".

ودعت آمال إلى ضرورة العمل على فضح نظام الانقلاب العسكري في مصر، وما يرتكبه من انتهاكات في كافو المحافل الدولية واتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد هذا النظام.