قضايا وآراء

الاقتصاد المصري بين رئيس شهيد وعسكري منقلب

1300x600

شهد يوم السابع عشر من حزيران/ يونيو 2019 استشهاد أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، الدكتور محمد مرسي، على يد العسكر وقضائهم الظالم، أثناء محاكمته في قضية التخابر الملفقة، حيث تحدث (رحمه الله) حديث مودع وختم كلامه بقوله: بلادي وإن جارت على عزيزة .. وأهلي وإن ضنوا على كرام، وسقط مغشيا عليه بعد ذلك بدقائق من رفع القاضي الظالم شيرين فهمي جلسة المحاكمة. وقد ترك الرئيس مرسي نحو نصف الساعة ولم يسعفه أحد، حتى لقى ربه وانتقل من محكمة الظلم والطغيان إلى محكمة العادل الجبار. وقد خافه السيسي حيا فوضعه في قفص زجاجى لمنع صوته أثناء محاكمته، وخافه ميتا فمنع جنازته وحصرها في أهله، ومنع دفنه في مسقط رأسه وفق وصيته.

إنه مما لا شك فيه أن الرئيس الشهيد استراح من سجن دام ست سنوات، ولكنه أثبت للعالم أجمع قيمة المبادئ والثبات عليها، حتى بات نموذجا عالميا لذلك. ولئن منع السيسي العسكري المنقلب صلاة الجنازة، عليه فقد صلى عليه المسلمون في رحاب العالم أجمع، وتحولت شخصيته وسيرته إلى العالمية بأدبه وخلقه وثباته وصبره.

لقد كان الرئيس الشهيد، قبل أن يكون رئيسا، أستاذا جامعيا مرموقا خلقا وعلما، وقد اجتهد حينما تولى الرئاسة في خدمة شعبه. وهو بشر يصيب ويخطئ، ولكنه لم يصادر حرية أحدا، ولم يسرق أو ينهب أو يسكن في القصور، وتنازل عن تقاضى راتبه، وكان الاقتصاد في عهده فيه من البركات بعكس ما نراه في هذا العهد البائد من محق وغيابات.

لقد أعلنها الرئيس الشهيد منذ توليه الرئاسة أنه يريد أن نعتمد على أنفسنا، فنوفر غذاءنا ودواءنا وسلاحنا.. وهذه مهمة كبرى نذر نفسه لها، فعجل بالانقلاب عليه من صهاينة العرب والعجم، بأداة ممثلة في وزير دفاعه السيسي الذي غدر به، وفرط في مصر شعبا وأرضا، حيث بذل السيسي كل جهده لاستعمار مصر وجعلها رهينة لأعدائها، فاعتمد على الخارج في الغذاء والدواء والسلاح. حتى القمح الذي زاد إنتاجه في عهد الرئيس الشهيد وزاد من دعمه للفلاحين، أبى السيسي إلا الحيلولة دون زراعته واعتمد على الخارج في توفيره، وسلم الاستثمار في قطاع الصحة للإمارات، أما صناعة السلاح فاستبدله بصناعة الكحك والبسكويت والمكرونة وخدمات تجميل النساء.

لقد تمكن الرئيس الشهيد، رغم معوقات ومؤامرات العسكر المتعمدة، من قطع الكهرباء وسد الطرقات وسكب الوقود فيها، وخلق أزمة في توافره.. من تحقيق طفرة اقتصادية لصالح معيشة الناس، فرفع الحد الأدنى للمرتبات والمعاشات، وضاعفها دون تفريق بين مدني وعسكري، واهتم بالمرأة المعيلة، ولم يمس الدعم الممنوح للمواطنين، بل حسنه. ويشهد على ذلك ما قدمه وزير التموين الدكتور باسم عودة من تحسين ملحوظ في جودة وكميات السلع التموينية. كما أن الضرائب لم تلامس محتاجا، ولم تعطل إنتاجا، وشهدت معايش الناس بصفة عامة تحسنا في توفير احتياجاتهم اليومية، من الغذاء والكساء والدواء بأسعار مناسبة.

أما السيسي الغادر المنقلب، فقد فرط في اقتصاد مصر تفريطا فتنازل عن حقول الغاز المصري للكيان الصهيوني واليونان وقبرص اليونانية، وتنازل عن تيران وصنافير للسعودية، خدمة للكيان الصهيوني الذي أتى به. وهو في طريقه الآن لبيع ما تبقي من شركات قطاع الأعمال العام ومحطات الكهرباء والأراضي والعقارات الحكومية، وزاد من رواتب ومعاشات العسكريين على حساب المدنيين، وهو في طريقة كذلك للتخلص من نصف العمالة الحكومية المصرية، كما أنه في مراحله الأخيرة لرفع دعم الوقود والكهرباء بعد رفع أسعارهما سنويا، كما أنه حذف ملايين البطاقات التموينية، وفرض مزيدا من الضرائب حتى باتت الضرائب تستحوذ على نحو ثلاثة أرباع الإيرادات في الموازنة العامة للدولة، وقام بتعويم الجنيه المصري لينخفض سعره أضعافا، خدمة لصندوق النقد الدولي وقرضه الهزيل (12 مليار دولار) مقارنة بما نهبه السيسي، بما يزيد عن 50 مليار دلار كمنح خليجية لدعم انقلابه الدموي. ورغم كل هذا، زاد الدين العام في عهده ما يقارب ثلاثة أضعاف مما كان عليه في عهد الرئيس الشهيد، كما سلم السيسي مفاتيح الاقتصاد للعسكر، وجعل الشعب وموارده في خدمة العسكر، فانكمش القطاع الخاص بمزاحمة العسكر له، وعجز عن منافسته، وقضى على توسعه بقوة الاقتصاد الناعمة والدبابة القاتلة؛ إلا من دخل تحت لوائه من رجال الأعمال الفاسدين الذين يقدم لهم العسكر فتات المشاريع.

أما مشاريع السيسي فحدث ولا حرج عن مشروعات لا تعرف لدراسة الجدوى طريقا، ولا للقيمة المضافة مكانا، ولا للعائد الاقتصادي أو الاجتماعي سبيلا، وإنما للوهم منهجا، والمظهرية شكلا، فمن عاصمة جديدة لحمايته وزبانيته، إلى مشروع استصلاح المليون فدان الذي تحول إلى سراب، إلى مشروع عربيات الخضار الذي كان من المضحكات المبكيات، إلى مشروع تفريعة القناة الذي تحول إلى تفريعة للخسائر وخدمة الكيان الصهيوني، وحاد به (رضاء لكفيله الإماراتي) عن المشروع الذي تبناه الرئيس الشهيد لتعمير منطقة القناة.

إن الرئيس الشهيد يكفيه أن عهده كان عهد الحرية بامتياز، فلم يسجن أحدا، ولم يقصف قلما، وكان المصري فيه مرفوع الرأس محفوظ الكرامة داخل مصر وخارجها، أما اليوم، فالاستبداد هو سيد الموقف، وبناء السجون حل محل بناء المصانع والحصون، واكتواء الناس بالغلاء والغم والمرض هو عنوان المرحلة.

لقد ضرب الله مثلا في فرعون وجنده وقومه كيف كان حالهم وكيف وصل مصيرهم بعد تكذيبهم وكفرانهم النعمة، فقال تعالى: "فأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ".

 

ودم الرئيس الشهيد ليس في رقبة السيسي والعربان من صهاينة العرب وحدهم، ولكنه كذلك في رقبة كل من صفق للسيسي، وهو يكتوي اليوم بنار ظلمه وفقره وما زال يصفق.. وسيكون دم الرئيس الشهيد وكل مظلوم لعنة على الظالمين، معيشة واقتصادا وحياة. فلا خير في أمة تعم المعرفة بين أبنائها وتستسلم لعسكري قاصر الفهم، عدواني الطبع، دموي السلوك، يحكمها باستبداده ويدمرها بفساده.

رحم الله الرئيس مرسي وتقبله شهيدا، وجعل دمه لعنة على قاتليه.. اللهم لا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره واغفر لنا وله.