قضايا وآراء

القدس قيمة عالمية

1300x600
القيمة في اللغة قيمة بمعنى قدر الشيء أو قدر ومكانة الفرد، والشيء القيم: أي الشيء الغالي النفيس، والإنسان القيم: الشخص المعتد به ذو المكانة والقدر الرفيع، والفعل قيَّم الشيء: أي قدره وقيمه وحدد قيمته ومثال: "ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ"، ذلك الدين الحق العدل المطلق؛ حيث حدده تحديدا بأداة التعريف "أل".

في التربية، القيمة هي مفهوم يتبناه الفرد لاعتقاد بصحته عقليا ووجدانيا، وربما إيمانيا (حالة عقلية ونفسية ووجدانية).

هذا المفهوم له جانبه المعرفي النظري، وكذلك الجانب المهاري التطبيقي السلوكي في واقع الفرد.

ويتكون هذا المفهوم من خلال تفاعلات متعددة خاصة بنشأة الفرد وثقافة المجتمع الذي يعيش به، والمعتقدات الدينية لهذا المجتمع، وكذلك الرصيد الخبراتي من تجارب الحياة اليومية.

كما أن هذا المفهوم وغيره من المفاهيم والقيم التي يتمناها الفرد تمثل المصدر الأساسي والمحرك الأول لكل ما يصدر عن الفرد من سلوكيات وأعمال؛ في حقيقتها تمثل معايير ومقاييس وأحكاما للفرد، ينظر بها ويقيس كل ما يدور من حوله.

مدلولات القيم في القرآن الكريم

1- "ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ" (التوبة: 36)، أي الدين المستقيم في ذاته، والمقوم لأمور الخلق جميعا.

2- "يَتْلُو صُحُفا مُّطَهَّرَة فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ" (البينة: 3)، أي صحفا ذات قيمة سامية وعالية وموضع اعتبار واهتمام.

3- "قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينا قِيَما مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا" (الأنعام: 161).

أي دينا مستقيما لا عوج فيه له مرجعيته التاريخية العملية المعروفة بالإضافة إلى مرجعيته الدينية.

4- "وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما" (الفرقان: 67)، أي عماده ومعياره ونظامه ومقياسه.

لذلك، فإن القيم في الشرع تعني المعتقد والاتجاه والاهتمام والطموح الذي يملأ على الفرد قلبه وعقله، وتمثل المحرك الأساسي لما يصدر عنه من أفكار وأقوال وأعمال.

وهي المنظم الأساسي لطريقة حياته ومن ثم آخرته، ويتحدد مصير الفرد في الآخرة على مقدار ما يعتقد ويعمل به من هذه القيم.

* الآية: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ"، أي بقدر ما يحمل من قيم ومفاهيم التقوى من الاستقامة والتحرز من القيم السلبية المسببة للذنوب والخطايا.

* "أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا".. الحديث.. أي أكثركم تمسكا وتمثلا بالقيم.

* أثقل ما يكون في ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق، أي ما يقوم ويعمل به من قيم.

* "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، أي القيم كمّا وكيفا.

مفهوم القيم بالنسبة للإنسان:

نظرتان للقيم:

النظرة الأولى القيمة في ذاتها حين تكتسب القيمة قيمتها من ذاتها، فالصدق قيمة لأنه في ذاته أمر معتبر ولازم للإنسان، وفي هذا فإن القدس قيمة في ذاتها لأنها كلمة الله تعالى في القرآن الكريم، وهي تخصيص واصطفاء من الله تعالى دون غيرها من بقاع ومدى الأرض، ولذلك تمثل جزءا من عقيدة كل مسلم.

والنظرة الثانية أن تستمد القيمة قيمتها عبر ما تحققه للإنسان من منافع، بمعنى أن تكون قيمة بالنسبة للإنسان، وربما لا تكون قيمة عند غيره، كأن يكون الشيء غير قيم في ذاته ولكنه قيمة معتبرة عند بعض الناس، في حين أنه مهدر عند البعض الآخر. وفي هذا السياق، فإن القدس قيمة عند كل مسلمي العالم وغيرهم من المسيحيين واليهود لما اختصها الله تعالى من من استقبال لرسل الأديان الثلاثة، بل وجمع فيها كل الأنبياء خلف خاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، في صلاة واحدة توجهوا فيها جميعا الى الله تعالى.

عناصر ومكونات القيمة

القيمة تتكون من عده مفاهيم ذات منطق أو فعل رابط لتحقيق عدد من الأهداف، وبقدرة قوة المفاهيم وما تحقق من نتائج عملية في حياة الناس، بقدر قوة القيمة. وتترجم القيمة إلى مهارات سلوكية واجراءات عملية حتى تصبح قابلة للتربية وللقياس والتقويم.

مصادر القيم

هي من الكتب السماوية، ثم من الفكر البشري، وعلى هذا جاءت علاقة الدين بالقيم التي يتم إنتاجها بشريا، حيث قدم الدين عقائد لتنظيم علاقة الإنسان بالله تعالى الخالق، وعبادات لتزكية الإنسان وربطه بالله تعالى طول الوقت، وقيما لتربية وتعظيم قيمة وممكنات الإنسان، وتشريعات لتنظيم علاقة الناس ببعضهم البعض، وأقر غايات وأهدافا ومقاصد لعمارة الكون، ولضمان جودة حياة الناس، ومن ثم كل ما يمكن إنتاجه من مفاهيم يمكن تطويرها إلى قيم عبر هذا التأصيل لمعنى القيمة.

وفي هذا السياق، فإن القدس قيمة عليا كبيرة تستمد وجودها وتوثيقها ومكانتها من السماء من الله تعالى، والتي تعززت في نفوس العالمين عبر ما مر بها من أحداث تاريخية تعاقبت عليها كل أجيال البشرية؛ كان للقدس فيها دور مركزي.

وعلى ذلك، فإن قيمة القدس تتكون من أربعة مفاهيم كبرى أساسية: 

1- الخصوصية والاصطفاء الإلهي لها من دون بقاع ومدن الأرض.

2- القدس كلمة الله تعالى في القرآن، وجاءت على محمل الآية العظيمة الجليلة "سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الاسراء:1).

3- القدس المقر الوحيد لإعلان ميثاق وحدة الرسالة الإلهية للبشر، وتتابعها وتوثيقها وختامها على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وإيمان وإقرار جميع الأنبياء والرسل له بالرسالة والإمامة.

4- القدس تحمل لنفسها دلالة معناها الذي اختاره الله تعالى لها وسماها بهذا الاسم، والقدوس في حق الإله المنزه عن النقص والعيب والخليل، وفي حق المدينة بمعنى أفضل المدن وأرقاها قيمة ومكانة.

ولكل قيمة واجباتها العملية ومهاراتها السلوكية الإجرائية، والتي نوجزها في هذه الواجبات:

أولا: المحافظة عليها وتحريرها من كل اعتداء واغتصاب.

ثانيا: تطهيرها من كل ما يمكن أن يدنسها.

ثالثا: فهم وإحياء المعاني الأساسية المرتبطة بها، من مفهوم التوحيد ووحدة الرسالة والقيم الإنسانية الحضارية التي جاءت بها الرسالات الثلاث، وما يتبعها من معانى تفصيلية.

رابعا: إعلاؤها كمدينة عالمية للسلام والأمن والاستقرار العالمي، حيث أنها المقر العالمي الأول والأخير والدائم لكل الرسالات السماوية.

خامسا: ترجمتها إلى مشروع ثقافي يورث للأبناء وينشر للعالمين.

سادسا: التأكيد عالميا على أنها مدينة عالمية؛ أكبر وأسمى من أن يباع جزء من ترابها المقدس، وإنما يتوارثها أهلها خداما على ترابها وأرضها، للمحافظة على المعاني التي تمثلها ونشرها للعالمين.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع