مقالات مختارة

طريقان للانتقال الديمقراطي

1300x600

مبدئيا، ليس هناك ما يشين دعوةَ رئيس الدولة عبد القادر بن صالح إلى حوارٍ يركّز على توفير أقصى شروط نزاهة الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ فهو حوارٌ لن تكون السلطة طرفا فيه، ولا المؤسسة العسكرية، بل تديره شخصياتٌ مستقلة مقبولة شعبيا، كما أنّه فتح للمعارضة المجالَ لمناقشة أيّ مسألة تتعلق بشروط ضمان شفافية الاقتراع وحتى تحديد تاريخ إجرائه، وفي مقدِّمتها ما يتعلق بإنشاء هيئةٍ مستقلة لتنظيم الانتخابات، وإطارها القانوني، وتشكيلتها البشرية، وآليات عملها، وصلاحياتها… وبذلك يتحقق للمعارضة مطلبٌ رئيس طالما ألحّت على تحقيقه منذ 5 سنوات، وهاهو يتجسّد اليوم، كثمرةٍ من ثمرات الحَراك المبارك…


اللافت للانتباه أنّ أعداد المُناصرين لإجراء الانتخابات كأقصر الطرق للخروج من الأزمة يتزايدون باستمرار، فحتى الذين كانوا يدعون إلى مرحلةٍ انتقالية، تراجع الكثيرُ منهم عنها وأصبحوا يقبلون بطرح قيادة الجيش بتنظيم الانتخابات الرئاسية مباشَرة، وتحويل ملفات تغيير النظام تدريجياً ومواصلة حملة مكافحة الفساد، إلى الرئيس المنتخَب، وأصبح اهتمامُ هؤلاء منصبّا على كيفية توفير شروط نزاهة الانتخابات، ويمثل هذا الفريق جماعةُ “منتدى الحوار” التي تتشكل من أحزابٍ وشخصيات وتنظيمات وطنية وإسلامية.


والواضح أنّ مجموعة “منتدى الحوار” قد فهمت تماماً أنّ طرح جماعة “البديل الديمقراطي”، المكوَّنة من أحزاب وشخصيات ومنظمات علمانية، بشأن المرحلة الانتقالية الطويلة والمجلس التأسيسي، هو طرحٌ خطير وسيُغرِق البلادَ في نقاشاتٍ ساخنة وخلافات وصراعات لا نهاية لها على مسائل الهوية أساساً، وخاصة الدين واللغة، وحتى الانتخابات، باعتبار أنّ هذه الأقلية تُدرك تماما أنه لا حظَّ لها في مؤسسات الدولة عن طريق صناديق الاقتراع وستسعى إلى الوجود فيها عن طريق التعيين، وستضغط لدسْترة هذه “المُحاصصة”، وستواصل ركوب موجة الحَراك لتحقيق أهدافها وسترفض أيّ حوار أو انتخابات… وهو الطرح الراديكالي الذي لم يعُد يستهوي مجموعة “منتدى الحوار” بعد أربعة أشهر من بداية الحَراك الشعبي؛ فقد باتت مقتنِعة فيما يبدو بأنها ستتمكّن، من خلال تشكيل هيئة تنظيم الانتخابات، من انتزاع مكاسب كبيرة تجعلها تحقِّق الانتقال الديمقراطي التدريجي عن طريق الانتخابات التي ستمكّن الرئيسَ القادم من مواصلة مهمّة تغيير النظام تدريجيا ومكافحة الفساد وهو مسنودٌ بالدعم الشعبي.


هناك طريقان يوصِلان إلى تحقيق الانتقال الديمقراطي وهما: المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات عامّة حرة ونزيهة، وقد كنّا نأمل الذهاب إلى مرحلةٍ انتقالية قصيرة تقودها شخصيةٌ وطنية نزيهة وذات شعبية مثل الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، على أن يعيِّن بدوره شخصيةً مستقلة تقود حكومةَ كفاءاتٍ وطنية، لتوفير الأجواء لشفافية الانتخابات القادمة، ولكنَّ إذا كانت الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات ستضمن النتيجة نفسها؛ أي إجراء انتخابات حرَّة لا تشوبها أيّ شائبة ولا يطعن في مصداقيتها أحد، فالنتيجة واحدة إذن، ولا تهمّ الوسيلة.


دولٌ عديدة خاضت تجاربَ مشابهة مع الهيئات المستقلَّة لتنظيم الانتخابات، كانت نتائجُها ناجحة ووضعت حدا للتزوير واحتكار السلطة وحقَّقت التغيير والانتقال الديمقراطي، ولا نعتقد أنّ الجزائر ستشذَّ عن هذه التجارب والشارع يغلي كالمِرجل في 48 ولاية منذ أزيد من أربعة أشهر.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية