قضايا وآراء

الكويت بين الشعوب وأنظمة الثورات المضادة.. أيهما تختار؟

1300x600
عاشت المنطقة العربية في العقد الأخير مخاضا عسيرا نحو الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، ولم يكتب لهذه التجربة النجاح بفعل وحشية الثورة المضادة وأنصارها، وفقدان المجتمعات العربية لتجربة تقيها مما ركست فيه من تردٍّ للأوضاع السياسية وعودة للمناخ الأمني والبوليسي المتبع منذ عقود طويلة.

وطالت أيادي الثورات المضادة التي تقودها السعودية والإمارات ومصر؛ كلّ من شارك وساهم في اندلاع وإنجاح ثورات الربيع العربي، وراحت هذه الأنظمة تجرّم الثوار الحقيقيين، وتصمهم بتهم فضفاضة هلامية ليس لها تعريف في قاموس المنطق والعقل السويّ، وعادة ما تأتي تهمة الإرهاب في قائمة هذه التهم الطويلة.

وفي خضم أحداث العقد الأخير، انقسمت الحكومات والأنظمة العربية في مواقفها تجاه الثورات العربية بين مؤيد وآخر معارض وثالث محايد متحفظ. وقادت السعودية والإمارات الموقف المعارض، فيما مثّلت قطر الموقف المؤيد للتغيير والثورات الشعبية، والتزمت دول أخرى كعُمان والكويت والأردن والجزائر، الصمت بنسب متفاوتة.

وتقع جماعة الإخوان المسلمين، بصفتها أقدم وأوسع تنظيم سياسي في العالم العربي وأحد المساهمين في الثورات العربية، في مقدمة الأطراف التي ناصبتها أنظمة الثورات المضادة العداءَ، بعد أن رأت فيها أحد الفاعلين في ما يجري من غليان وحراك في الشارع العربي؛ بهدف الوصول إلى استقرارٍ دائمٍ، وإنشاء نظام سياسي منبثق عن دستور مدني ديمقراطي يشرف على الحاكم والمحكوم على حد سواء.

وفي آخر مواجهة بين تيار الثورات وأنصاره وتيار الأنظمة ومؤيديها، تفاجأت الساحة العربية بقرارٍ صادم ومؤلم في آن، أقدمت عليه الحكومة الكويتية. قرار راحت أبواق الأنظمة الاستبدادية تطير به فرحا وسرورا، وتحسبه نصرا جديدا لصالحها على حساب أنصار الثورات العربية، ومن ينادون بالتغيير والحرية والكرامة للإنسان العربي، وهذا القرار الكويتي الذي لم تتجلَّ كلُّ ملابساته وخلفياته حتى الآن، يقضي بتسليم ثمانية أشخاص إلى مصر، بحجة ارتباطهم بجماعة "الإخوان المسلمين".

ويمثل القرار الكويتي نقطة عطف تاريخية في مواقفها مما جرى ويجري في المنطقة، فبعد أن كانت الكويت الرسمية تحاول بجهدٍ وعناء أن تتبنى مواقف محايدة عن أطراف الصراع الذي يدور بين الأنظمة العربية والثورات المضادة من جهة، وبين الشعوب الراغبة في التغيير والإصلاح من جهة أخرى، برز القرار الأخير ليشكل صدمة مصحوبة بالتشكيك بداية؛ والتساؤل الملح عن أسباب هذا القرار، لا سيما وقد تبعه بيان من الداخلية الكويتية تضمن عباراتٍ غير مألوفة من الجانب الكويتي؛ توحي بخطاب جديد قد تسلكه الحكومة الكويتية، في ظلّ ما تتعرض له من ضغوط تمارسها عليها دول عربية.

ويحيل مراقبون هذا القرار الكويتي لأسباب عدة؛ بعضها داخلي نابع عن وجود أطراف في الأسرة الكويتية الحاكمة لا ترى صواب النهج الكويتي في التعاطي مع الأحداث الإقليمية، وتؤمن بضرورة أن تكون الكويت أكثر صرامة مع جماعات الإسلام السياسي، وأن تنسجم مع الموقف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وفي الغالب يمثل هذا التيار تلك الأطراف ذات التوجه الليبرالي والعلماني المتطرف؛ الذي يلح على إقصاء كلّ جماعات الإسلام السياسي من الحكم، وحرمانها من جميع أشكال المشاركة في العملية السياسية. كما لا يغفل المراقبون والمتابعون للشأن الكويتي وسياستها؛ عن العوامل الخارجية التي قد تكون مساهمة بشكل أو بآخر في القرار الذي أقدمت عليه، وقامت بموجبه بتسليم المصريين الثمانية إلى سلطات بلادهم؛ بحجة قيامهم بـ"أعمال إرهابية في أمكان مختلفة بمصر"، وبناءً على "وجود اتفاقيات مشتركة بين البلدين"، كما صرح بذلك نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله، يوم الأحد.

ومن أهم العوامل الخارجية التي قد تكون أجبرت الكويت على اتخاذ مثل هذا القرار؛ هي الضغوط التي تمارسها السعودية والإمارات على الكويت من أجل الانخراط في الاتجاه الذي تريده المملكة، ومعاداة الشعوب العربية، وملاحقة كلّ من يشكّل خطرا على الأنظمة بفكره وقلمه ورأيه المخالف.

وبالعودة إلى الوراء قليلا، وتحديدا عند اندلاع الأزمة الخليجية، رفضت الكويت شعبا وحكومة الانخراط في هذه الأزمة والتزمت الحياد التام، وبذلت مساعي محمودة في حل الأزمة؛ قادها رأس الهرم في سلطتها، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. وأدى هذا الموقف المسؤول إلى غضب في بعض الدوائر الإعلامية السعودية والإماراتية، التي سعت بعد ذلك إلى التأليب على الكويت وقيادتها.

هذه الأسباب وغيرها قد تكون عاملا في ما أقدمت عليه الحكومة الكويتية، الأمر الذي قد يضع الكويت وحكومتها على محك الاختبار الفيصل، فلطالما عُرفت الكويت بالاتزان في مواقفها والحكمة في سياساتها، لكن القرار الأخير يتعارض مع سياسات الكويت ونهجها في العمل والتعاطي مع أزمات المنطقة والخليج.

ماذا يعني انضمام الكويت إلى محور السعودية والثورات المضادة؟

بطبيعة الحال تعدّ الكويت (بما يقوم بها مسؤولوها من أدوار ووساطات عربية وإقليمية) لاعبا مهما وطرفا يحترمه الجميع ويعوّل عليه في حل الأزمات وإنهاء النزاعات السياسية؛ ولهذا فكلّما وقعت أزمة في المنطقة تتجه الأنظار إلى الكويت وقيادتها؛ في انتظار مبادرة ووساطة تنهي الصراعات وتوقف التصعيد والصدام، وذلك بفضل ما عرفت به القيادة الكويتية وأميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح من حكمة وخبرة سياسية طويلة.

وفي حال انضمت الكويت إلى محور الثورات المضادة بقيادة السعودية، وأعلنت عن ذلك بشكل رسمي وعملي؛ فإن نقاطا محددة ستترتب على الواقع الجديد الذي تريد الكويت أن ترسمه لنفسها.

المكاسب والخسائر

لا شك أن أول من يرحّب بقرار الكويت الانضمام إلى محور الثورات المضادة (حتى الآن يبقى هذا السيناريو مستبعدا، نظرا لما عرف عن قادتها من بعد للنظر وحكمة صائبة) هي مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وقد تتلقى الکويت تبعا لذلك مساعدات وتسهيلات اقتصادية من شأنها أن تزهر اقتصادها في الفترة المقبلة القريبة. ومن ثم، يعد رضا قادة أنظمة الثورات المضادة وفتات من المال "المشروط" هي أهم ما تكسبه الكويت في حال تحولت إلى محور الثورات المضادة ورضيت بأن تكون بحرين أخرى.

وأما أهمّ ما تخسره الكويت في حال عزمت على الانضمام إلى محور السعودية والثورات المضادة؛ فهي الشعوب المكلومة المضطهدة التي حتى الأمس كانت ترى في الكويت ناصرا وصديقا تمنعه الظروف المحيطة به من مبادلة الصداقة والودّ والوئام. كما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان طبيعة الشعب الكويتي (والخليجي عموما)، وهي طبيعة متعاطفة عموما مع الإسلام ومن ينادي به من جماعات وأحزاب، ومن ثَمّ يمكن القول إن الكويت بقرارها الخاطئ هذا (إن اتخذ)، ستكون في مواجهة رغبات شعبها وميوله، وعليها بعد ذلك أن تقوم بممارسات جنونية، كتجريم التعاطف، والحبس على التغريدات المحايدة الداعية إلى التصالح والحوار، كما تفعل بعض الدول العربية، وعليها كذلك أن تعد جيشا من الذباب الإلكتروني ليدافع عنها في منصات التواصل الاجتماعي بأسماء وهمية لا وجود لها، بعد أن تكون خسرت شعوب الأمة وقلوبها التي ترفض كلّ ما يعارض الأخلاق النبيلة والمروءة العربية وسماحة الإسلام، ويأبى أن يسلّم من يلوذ به إلى خصمه، الذي لا يراوده شك في ظلمه وبعده عن العدل والإنصاف.

إضافة إلى هذه الخسارة (وهي جمة عظيمة)، فستفقد الكويت كذلك مكانتها الإقليمية والدولية بصفتها بلدا حكيما يحترم القانون والعقل، ويتعامل مع الأحداث بروحٍ إنسانية مجردة عن نزوات المراهقين وقانون الغابة وعصبية القبيلة، وهو النهج الذي تسلكه بعض الدول العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات.