كتاب عربي 21

الحيوان في الربيع العربي

1300x600
كُلفتُ كلفاً شديداً بأفلام حيوانات عالقة بين براثن الموت؛ حصان محبوس في أخدود، حمار وحش بين شجرتين، فيل سقط في حفرة فهرعت إليه البلدية الهندية بطائراتها وجرافاتها، فالفيل حيوان مقدس في الهند.. كلب في مجرور أو نهر، أو كلب عبث به صبية وتركوه وفي عنقه السلك الحديدي الخانق فأنقذه عابر سبيل، غزالان تعالقت قرونهما الشجرية، فمات أحدهما يأساً وبقي قرينه أسيراً في قيد جثة خصمه.. غزال في بحيرة متجمدة، غزال في سبخة طينية، حصان عجوز أثر به القيد الحديدي فحفر في خده أخدوداً، كلاب مريضة جرباء، والنجدة هندية وأوربية وأفريقية.

الأفلام العربية في إسعاف الحيوانات نادرة وقليلة، فهم إما مشغولون بأمر الطعام والأمن في بلاد الربيع، وإما بأمر كرة القدم ونيكي ميناج في بلاد الخريف العربي.

أعيد النظر إلى الأفلام المرة تلو الأخرى من غير شبع أو رواء، أنظر إليها وقد تحررت، فأتطهر من ذنوبي وأشعر بالسعادة لها والحرية لي. وقد يقول التحليل النفسي إنه نوع من العجمة والتماهي.

قليل من هذه الأفلام عربي، مثل شيخ أنجد ثعلباً في صحراء علق ذيله في شجر الشوك، أو ناقة سقطت في حفرة مجرور فهرعت إليها البلدية السعودية بالجرافة برجالها، فقلبوه وأغرقوه كما أغرق جيشها اليمن وسوريا ومصر في المجارير. مات كثير من الحيوانات في حدائق الحيوان العراقية والفلسطينية في غزة، فتنازلت بعض البلديات لدول أخرى عن حيواناتها، وبيع بعضها، وانقرض الدب السوري.

وفزعت أسماء الأسد لنجدة نسر أبو منجل، فصار اسمها أم منجل. وأباح بعض الفقهاء في أرض الكنانة والكفتة أكل لحوم الحمير الأهلية في مصر أو سكتوا عنها، وهي محرّمة في نص قرآني صريح. ورأينا بلديات مصرية تقتل الكلاب بالسم أو بالرصاص، أو تصدّر الكلاب والحمير إلى الصين. كما رأينا إحدى الحدائق تخدع زائريها، فخططت الحمار حتى توهم الشعب الأبي أن الحمار الأهلي حمار وحش، وأن الرئيس الوحش هو المهدي المنتظر الذي لولاه لتحول مصير مصر إلى مصير سوريا والعراق، وهو كذلك حقاً وفعلاً، لكن من غير براميل أو كيمياء، وإنما ببراميل باردة.

زوّروا شكل الحمار أرخص الحيوانات وأذلها كما تزوّر الانتخابات، وتزوير الانتخابات الأهلية أسهل.

أكل الشعب السوري المحاصر الهررة ولحوم الكلاب من الجوع، كما في الحروب الصليبية. ورأينا لاجئاً سورياً يصطحب هرته عبر القارات، لينجو بها من القصف، أو خوفاً عليها من التعذيب حتى الموت. فالشبيحة أظهروا بطولاتهم في قتل الأبرياء.. فقرات رائعة تصلح للسيرك، فرأينا شبيحاً سورياً شهيراً ورجل أعمال يدخل جواداً أصيلاً على سبعَين جائعين في قفص ليأكلاه، مما أثار غضب الاحتلال الروسي الحنون، وطالب السلطات السورية بعقابه، ورأينا شبيحاً يحرق كلباً حياً بعد أن سكب عليه البنزين وهو يستغيث. وأشهر نجدة عاطفية كانت في أول الثورة، عندما جمع الشبيحة قطيعاً من الحمير، فدفعوها لتهوي من الجرف، وأطلقوا عليها النار مع سبق الإصرار والتشبيح.

الصورة ليست دائماً وردية كما ترى في أوروبا، فهناك مهرجان سنوي في بلغاريا لإغراق الكلب في الماء، ومسابقة أخرى لنزع رأس الإوزة وهي حية من جسمها، حيث يقوم فيه المشاركون بركوب الخيل والجري بها، ومن ثمَّ يقطعون رؤوس الأوز المعلقة في الحبال.

ولا يزال المجتمع الإسباني في نزاع حول مصارعة الثيران التي يرى نصف الشعب أنها رياضة تعذّب الحيوان وتضرُّ بالإنسان، وغير بعيد مذبحة الأبقار في بريطانيا بسبب إطعامها طعام الحيوانات اللاحمة طمعاً في زيادة الحليب، كما جعلت دول أوروبية لجوف الأبقار ثلاثة صمامات تفتح باليد، لتدخل فيها وتخلط العلف حتى يسرع الهضم ويكثر الحليب، وبعض المزارع تمنع الخنازير والأبقار من النوم حتى تأكل وتدرُّ لحماً أو حليباً أكثر. كما نذكر أن البيض الذين احتلوا القارة الأمريكية أبادوا حيوان البوفالو للتسلية، ولم يبق سوى بضع مئات فاستولدوها من جديد لتمثل في أفلام الهنود الحمر. وفي أستراليا يجري سنويا تكليف عمال لقتل آلاف الإبل البرية التي استقدمت مع المستكشفين والمستعمرين من الباكستان؛ لأنها تغير على مزارع المستعمرين، وتترك جثثها في الصحراء لأن الأستراليين لا يستطيبون لحوم الإبل..

سبقنا الشعوب الأخرى في الرفق بالحيوان، قد يجادل البعض في هذه الدعوى بالزعم أن الشعوب الأخرى عبدت الحيوان وقدسته.. والتقديس ظلم للحيوان، فالكلب لشدة الدلال في ألمانيا مظلوم فهو محروم من النباح، وقد يجبر على النوم في الليل مع صاحبه وصاحبته في فراشه أو فراشها. والبقرة تُعبد في الهند، لكنها مظلومة جداً ومسكينة، والكلب الأوروبي أكثر تقديسا منه في أوروبا، لكنه تقديس ناعم.

رأينا أفلاماً أوروبية اجتهدت فيها العيادات البيطرية لتركيب سيقان صناعية لعجل، وتدريب معزة وسلحفاة على المشي بعجلات، فسحرونا بلطفهم وقنابلهم النووية والعنقودية والهيدروجين.. لله درهم.

لن نجد حيواناً في الثقافة، والدين غير الثقافة، يشفع للمذنب يوم القيامة كما لو أنه قديس ويستنقذه من النار إلى الجنة، كما في حديث الرجل الذي سقى كلباً، والمرأة التي دخلت النار في هرة حبستها، وبغيّ بني إسرائيل التي سقت كلباً، فغفر الله لها. وفي كتاب نزهة المجالس ومنتخب النفائس؛ أنّ عمر بن الخطاب رأى صبيا يلعب بعصفور فاشتراه منه وأعتقه، فلما مات رآه بعض أصحابه في المنام فسألوه عن حاله، فقال: لما وضعت في قبري حصل لي من الملكين خوف، فسمعت قائلا يقول: لا تخوفوا عبدي فإنه رحم عصفورا في الدنيا فرحمته في الآخرة.

وكانت هناك أوقاف إسلامية للحيوانات الهرمة في كل الأقاليم العربية.. الأوروبي ينقذ الحيوان ليتخذه له، والمسلم كان ينقذه لوجه الله، لا يريد جزاء ولا شكورا. وفي السيرة النبوية قصص كثيرة عن الحيوان، مثل الجمل الذي هرع إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليشكو صاحبه الذي يقسو عليه، والحمرة التي فزع لها النبي عليه الصلاة والسلام قائلاً: من فجع هذه بصغارها، ردّوا إليها وليدها، وقصة وادي النمل الذي حرقه بعض الصحابة، فغضب النبي ونهى عن الحرق، فلا يحرق بالنار إلا ربُّ النار. وصورة الكلب في قصة "سورة الكهف" من أرق الصور وألطفها وهو باسط ذراعيه بالوصيد.. لكن العدل مختل بشدة، فالعرب والمسلمون تحت خط الفقر والإنسانية اليوم.

ما زال في المسلمين خير كثير، فقد تبرعوا لكلب أشقر غير عالق في سبخة أو في بحيرة ملحية بنصف تريليون دولار، واشترى أحد المسلمين يختاً بسعر خرافي رحمةً بكلب روسي، وتجري مسابقات للماعز في بلادنا المعروفة بالرحمة، وتزين النوق والجمال بالذهب، فقد ندخل الجنة برحمة أمرائنا أطال الله أعمارهم، وبسطَ ظلهم على الأرض كما في المريخ التي بات مسلمون يغزونها ويزرعون فيها البلح؛ بعد نجاح تجربة استنبات البلحة في القصر الجمهوري المصري بتلقيح أوروبي.

راجت أخبار عن سوري غشاش يصبغ الهررة بالحنّاء لبيعها هررةً نادرة، كما يفعل الأوروبيون الذين يعجنون رؤساءنا الطغاة بالحنّاء ويبيعونهم لنا بأسعار خرافية على أنهم رؤساء نادرون يحاربون الإرهاب. الغشاش كان يبيع هررة عادية على أنها هررة نادرة، والغرب يبيع لنا قردة خاسئة على أنها أسود الشرى. والحناء الأوروبي سجاد رئاسي أحمر تمشي عليها القردة، فتتحول إلى دببة قطبية نادرة وديناصورات.