أفكَار

التصوّف في تونس.. معراج إلى الله أم مدارج للسلطة والجاه؟

تونس.. السياسيون يتبرأون من الدين في برامجهم السياسية لكنهم ويطلبون تزكيتهم في الانتخابات (أنترنت)

ربما مثّل قرار الطريقة الصوفية البوبكرية دعم مرشح الرئاسيات في تونس نبيل القروي، رجل الإعلام والمال الموقوف حاليا بسجن المرناقية على خلفية تهم بالفساد المالي والتهرّب الضريبي، مفاجأة للبعض على اعتبار ما شاع عن الطرق الصوفيّة من زهد عن السياسة واصطفافاتها. بيد أنّ ذلك شكّل قرينة جديدة تضاف لقرار سابق للطريقة المدنية بالدّعم الصريح للرئيس السابق الباجي قائد السبسي في رئاسيّات 2014. 

وبغض النظر عن التأثير المحدود للزاويتين المدنية والبوبكرية داخل تونس، فإن قرائن الحال قد تميط اللثام عن تداخل ملتبس بين صنّاع السياسة ومشائخ النشاط الطرقي منذ اعتراف الدولة الحسينية بقانونية نشاط الطرق الصوفيّة.

فإذا ما استثنينا مرحلة الفتور والتصادم التي طبعت علاقة المؤسسة الطرقية بروّاد الحركة الوطنية ونظام بورقيبة، فإنّ فطام النشاط الطرقي عن لعب الأدوار السياسيّة الملتبسة لم يدم غير ردح من الزمن، فقد سارع نظام بن علي إلى إحياء معظم الطرق الصوفية وترويضها على أمل حجب الفراغ الديني الذي خلّفه صراعه الدّامي مع الإسلام السياسي. 

 

لم يكن من بدّ أمام شتات الزوايا والطرق الصوفية، المنهكة منذ قام بورقيبة بتجريدها من أهم مخالبها المالية والأدبية المتمثلة في الأحباس سنة 1957، سوى التسليم والقبول بما منّه عليها النظام الجديد من مساحات تنظيم الولائم الأسبوعية وأنشطة الحضرة والزردة (ملتقى سنوي تنظمه الزاوية) مقابل حصر نشاطها التربوي والروحي في جلسات "التواجد" و"حضرة بالاسم الصدري" (تأوّهات متتالية) وفق رأي بعض المختصين في الانثروبولوجيا!
  
ولأنّ النشاط الطرقي لم يبادر بعد إلى القيام بمراجعة حقيقية لطبيعة أدواره الاجتماعية والروحيّة في ظلّ الحركية الاجتماعية والسياسية النشطة التي تشهدها تونس والمنطقة برمّتها، فإنّه بات من اللزوم إعادة السؤال إلى مستوى المربع العقدي الفلسفي المؤسس للمذهب الصوفي، ومن ثمّة الحفر في الأدوار الوظيفيّة التي لعبتها الطرق الصوفيّة وزواياها. إلى أيّ حد ترتقي المناهج التربوية الطّرقيّة إلى ما كانت تطرحه الفلسفة الصوفية الأولى من مجاهدة النفس الأمّارة وفطامها عن رغباتها؟ وهل لزم مشائخ الطرق الصوفية الاستقلالية الفكرية والسياسية تجاه السلطة الحاكمة تأسيا بالآباء المؤسسين؟

أي وصف ينطبق على النشاط الطرقي: وصف ابن خلدون القائل في المقدّمة بأن هذا العلم أصله العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله عن زخرف الدنيا وزينتها أم وصف أبي حسن البوشنجي، أحد أئمة التصوف في القرن الرابع هجري، بأن التصّوف اليوم اسم بلا حقيقة وقد كان من قبل حقيقة بلا اسم"؟

نشأة التصوف الطرقي في تونس

يذكر المؤرخ التونسي التليلي العجيلي في كتابه "الطرق الصوفيّة والاستعمار الفرنسي بالبلاد التونسية"، أنّ تونس، بوصفها معبرا للعائدين من المشرق والذاهبين إليه من حجيج وتجّار وطلبة علم، عرفت التصوّف وهو لا يزال غبّا ميسمه الزهد والورع، قبل أن ينتشر فيها لاحقا مستفيدا من سماح السلطات الموحدية والحفصيّة له بالنشاط عكس ما لقيه من صدّ ومعارضة في المشرق.

في ذات السياق يشير نفس الكتاب إلى أنّ خشية الدولة الفاطمية حاكمة المهدية ( 921 ـ 948 ميلادي) من إنكار العبّاد والزهّاد، الذين ظلّوا يحرسون الثغور والرباطات منذ فتح إفريقيّة، للعقيدة الشيعية، هو الذي دفعها لإفراغ الرباطات، وأساسا رباط المنستير (أسّس سنة 796 ميلادي)، من محتواها وتجريد المحاربين من أسلحتهم. وبذلك تحوّل مفهوم المرابطة عند الزهّاد من المقاومة إلى الاقتصار على حلقات الذكر والاعتزال ممّا مهّد لنشأة الصوفيّة في تونس، خلال العهدين الموحدي والحفصي، بعد أن تحوّل رباط المنستير إلى "زاوية يقام فيها الضرب على الصدر حدّ الإغماء وصار مدرسة لتخريج الشيوخ وتأسيس الزوايا في عدّة جهات من البلاد". ثم قامت الدولة الحسينية بتقنين هذا الوجود الصوفي الطرقي من خلال وضعه إداريا تحت اشراف رئيس عام يسمى شيخ مشائخ طريقة ما.

 



وتعتبر لطيفة الأخضر في كتابها "الإسلام الطرقي: دراسة موقعه من المجتمع ومن القضية الوطنيّة" أنّ  التصوّف الطرقي بشكله الحالي دخل إلى شمال إفريقيا وإلى تونس كتعبير عن فترة تاريخية اضمحلّ فيها النقاش الفكري على مستوى كامل العالم الإسلامي عكس ما كان يعيشه من ازدهار زمن الدولة العباّسية. مذكّرة بأن الطريقة الشابية كانت قد نجحت في إقامة دولة على جزء من البلاد التونسية منذ النصف الأوّل من القرن السادس عشر ميلادية. وقد فرضت هذه الطريقة استقلاليتها على البايات الحسينيين الذين أقرّوا بأن الطّرقية طرف أساسي في التوازن السياسي والاجتماعي لدولتهم.

تاريخ المقاومة وواقع الاستلاب 

يشدّد محمد الرزقي، أستاذ محاضر مختص في التصوّف والفرق بجامعة الزيتونة، على ضرورة التفريق بين التصوّف بما هو: "تزكية للرّان على القلوب وفتح لمجالات أخرى في الدين وتغيير للنظرة في الوجود" وبين "التصوّف الطرقي للتبرّك الذي انخرط في استخراج الكنوز ومعالجة الجان وما يسمى بعلم الحرف والعدد والعلاج الروحاني". مضيفا بالقول: "إن هذا التصوف الطرقي صار يتمعّش من التصوّف وهو بالتالي يحق فيه قول ابن تيمية الذي وصفه بـ"تصوف الأرزاق".

 


وكردّ على الطرق التي تشغل وقتها بجمع الأرزاق، أشار الرزقي في كتابه "التصوف الاسلامي واتجاهاته الكبرى"، إلى أن التصوف يقوم على جملة من المجاهدات الحسية والمعنوية فضلا عن الاجتهاد في الذكر، والغاية من ذلك تطهير المريد من الرعونات وتزكية القلب من الآفات وإيصال المريد إلى درجة اليقظة والحضور مع الله". 

ويعرّف العجيلي في كتابه "الطرق الصوفيّة والاستعمار الفرنسي بالبلاد التونسية" التصوّف بكونه ظاهرة دينيّة، قوامه فلسفة روحيّة ترتكز على الذكر، والاعتكاف وفق أساليب تربويّة مرهقة للنفس لحملها على الطاعة حتى ترتقي إلى مراتب عليا من الإيمان.

عماد صولة، أستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية بالجامعة التونسية وخبير معتمد لدى اليونسكو، في تصريح لـ "عربي21"، يعتبر أنّ الدّارس لنشأة وتطوّر الحركات الصوفيّة منذ سنين نشأتها الأولى في فضاء الحضارة العربيّة الإسلاميّة يقف بلا مواربة على وجود ردّة كبيرة عن الفكرة الجنينية وفلسفة التصوّف الرّوحاني الأولى، إذ أنّ منطلقات التصّوف الأولى كانت ردة فعل مباشرة على الطابع "الشكلاني" الذي تجسّم مع فقهاء البلاط والمؤسسات الرسمية لدولة الخلافة، وهو ما جعل الحركة الصوفية في مواجهة مبكّرة مع المؤسسة العلميّة الرّسميّة.

 


 
كما بيّن الرزقي في كتابه "التصوف الإسلامي واتجاهاته الكبرى" أنّ رواد الصوفيّة ميّزوا كثيرا بين أهل السلوك والمتشبهين بالقوم، مستدلاّ بالحملة العنيفة التي شنّها الحارث المحاسبي (توفي سنة 243 هـ)، في كتابه الرّعاية، على أصحاب الانحرافات والذين تشبهوا بالصوفية من جهة المظهر الخارجي دون أن يتحققوا بمعاني التصوف بغية نيل أغراضهم الدنيوية الفانية، بل وجدوا في التصوّف وسيلة لاصطياد الدنيا. ونفس الشيء بالنسبة للجنيد وأبو حامد الغزالي، اللّذان قاوما البدع والانحرافات.

في ذات السياق أكّد الرزقي لـ "عربي21"، أنه لم يعرف قط على مشائخ التربية الصوفيّة الانعزال، ويكفي العودة لسيرة سيدي أبو الحسن الشاذلي (1197م ـ 1258م) في تونس والحارث المحاسبي في البصرة (781م ـ 857م). 

وأضاف: "لا يجب أنّ ننسى أنّ الشيخ المجاهد عمر المختار كان شيخ زاوية القصور السنونسيّة بالجبل الأخضر، والأمير عبد القادر الجزائري كان شيخ الزاوية الشاذلية".

عادل بالكحلة، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسيّة، أبان لـ "عربي21"، أنّه على عكس الثقافة الطرقيّة السائدة، فقد استطاعت الطريقة الصوفية بإفريقية "أن تكوّن حركة اجتماعية تقدمية مكّنها من صنع مجتمع موازي لمجتمع الدولة واقتصادا اجتماعيا عادلا". كما استطاعت حركة أبي مدين الغوث في القرن الثاني عشر الميلادي مواجهة الخطر الهلالي والنرماني، وأقامت السلم الأهلي بين بني هلال الغازين المخربين وبين البربر الهاربين في الجبال، وبنت الأمة المغربية الحديثة المختلطة بين العنصرين وبذلك ظهرت اللهجات المغربية العربية، ونظمت الاقتصاد الريفي واخترعت الاحبأس، وفق بالكحلة. 

وتأكيدا لما أشار له محمد الرزقي من جهاديّة أبي الحسن الشاذلي، ذكّر بالكحلة بأنّ الحركة الاجتماعية الشاذلية كانت السبب الحقيقي في انتصار صلاح الدين الأيوبي بعد أن كانت السلطة في مصر قد تنصّلت من واجبها الدفاعي ضدّ الصّليبيين، مشيرا كذلك إلى دور الشيخ علي بن غذاهم، الشيخ الأكبر للتيجانية في تونس، في "تحريك الثورة الشاملة من الشمال إلى الجنوب ضد الإستبداد والتبعية للإمبريالية الغربية (1864 ـ 1867) والتي انتهت باجتثاث السلطة للتصوف التقدمي الإجتماعي. ورغم ذلك وجدنا متصوفين ضد الغزو الفرنسي مثل سيدي علي بن خليفة". 

تزكية السالكين أم صناعة الدراويش؟

تهكّم الكاتب والصحفي الجزائري الطيب ابن عيسى، في نص عنوانه "البدع والإسراف" كان نشر بصحيفة "الوزير" التونسية سنة 1922 على ما كان يأتيه أتباع الطرق من رقص وتصفيق. كما تهجّم على مشائخ بعض الطّرق الذين يقال عنهم، فيهم الكثير من الدجّالة والمتحيّلين، والمحتالين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويستفيدون من الإعانات والنذور والأوقاف والوصايا والهبات.

في المقابل شدّد المدرس محمد البشير البرّاح، من أهل الطريقة الطاهرية المدنية ( مقرها زاويتها صفاقس)، على أهمية التربية الروحية التي توفرها الطرق الصوفية لمريديها (السالكين)، مضيفا أنّ وصف البعض لحركات الرّقص الصوفية (آداب الاهتزاز) وحضرة بالإسم الصدري (تأوّهات متتالية) والتواجد (الوجد) بالدّروشة فيه تجنّ كبير، فالتواجد، وفق رأيه، تفاعل بسيط يشعر المريد بالحضور مع الله.
في ذات السياق، شدد على دور "التواجد" في غرس التربية الروحية الإيمانية عند مريدي الطرق الصّوفيّة والتي صارت تعتمد وتندرج ضمن علوم التنمية البشرية المحتفى بها كعلوم جديدة في مناهج التعليم الحديثة. 

وأضاف: "إنّ ما يسميه أعداء الصوفية بالدروشة، ماهي إلا حلقات ذكر وبديل تربوي وروحي لغياب أو فقر المناهج الدينية في البرامج التعليمية التي لا تزال تقتصر على بعض السور القرآنية".

ويضيف بن عيسى قائلا: "إنّ بعض المشائخ لا يقومون بعمل صالح ينفع العباد أو يرقى بالبلاد، سوى بث فكر الزّهد والتواكل والانقطاع لخدمة أولئك الأولياء الأموات، ومشائخ الزوايا الأحياء".

ولفت البرّاح الانتباه إلى النقلة النوعية التي باتت تشهدها الزوايا الصوفية بعد الثورة، حيث طوّرت أساليب تنظّمها إلى جمعيات مدنيّة وعلميّة قصد استيعاب شرائح جديدة من المريدين ذوي المستويات الثقافية والعلميّة المتقدّمة كالمحامين والأطباء وبعض الإطارات العليا. وتشمل أنشطة (سياحة) الطرق الصوفيّة الندوات العلميّة والتربوية وحتى حملات النظافة وفق رأيه.

التوظيف السياسي للزوايا

عماد صولة صرّح لـ "عربي21"، أنّه تمّ إخضاع معظم الطرق الصوفية والزوايا في تونس وإفراغها من مضمونها الروحاني الصوفي الأصيل المعروف في الأدبيات الصوفية الكلاسيكية وتحويلها إلى جزء من دواليب النظام السياسي ثمّ توظيفها بطرق مختلفة.

وأضاف: "إن عودة الاهتمام بالجانب الطرقي منذ بداية التسعينات وتحويل العروض الصّوفيّة (الحضرة) إلى مهرجانات وطنية، كان جزءا من أدوات السلطة لمحاربة ما يسمى بالإسلام السياسي. منبّها إلى أنّ التماهي الحاصل اليوم مع النشاط الطرقي، فضلا عن هبّة وتعاطف شرائح ليبرالية واسعة مع حادثة حرق زاوية السيدة المنوبية في تشرين أول (أكتوبر) 2012 وحرق زاوية سيدي بوسعيد الباجي في 12 كانون ثاني (يناير) 2012، لا يمكن أن يفهم خارج سياق التوظيف السياسي، ولا أدلّ على ذلك من اللاّمبالاة والصمت الإعلامي مع ما يحصل اليوم من طمس وغلق لعشرات الزوايا التي تدمر وتطمس داخل المدن العتيقة وتحول إلى دكاكين وبيوت للسكنى.

 


 
ويرى صولة أنه: "من المريب أن تدافع النخب الليبرالية التي حاربت النشاط الطرقي في بداية دولة الاستقلال ودفعت نحو القرار العلي بإلغاء نظام الأحباس في 18 تموز (يوليو) 1957، واصفة إياها بعناوين التخلّف، هي من تدافع اليوم على النشاط الطرقي وتحتفي به". 

تعليقا على قرار الطريقة البوبكرية بتزكية نبيل القروي، المترشح لرئاسية 2019، أبانَ البشير البرّاح أنّ عديد القوى السياسية تسعى لاستمالة الطرق الصوفيّة مقابل وعدها بترميم زواياها أو إغرائها بدعم مادي وأدبي لمختلف مناشطهم التربوية والإاجتماعيّة. 

وفيما يتعلّق بقرار الزاوية المدنية (مقرها قصيبة المديوني بالمنستير) دعم الرئيس السابق الباجي قائد السبسي في انتخابات 2014، أكّد البراح لـ "عربي21"، أنّه بلغ لمسامعه حينها "رشّحنا فلان وإن شاء الله ولدنا سيصبح وزيرا"، في إشارة لوعد شيخ الطريقة المدنية وقتها بتنصيب ابنه وزيرا للشؤون الدّينية. 

وفي نفس الإطار ذكّر بالكحلة بحصول نفس الزاوية المدنيّة على وسام الافتخار من رئيس الجمهورية الفرنسية سنة 1948 (وقد تحصلت عليه الطريقة العلاوية قبلها في القرن التاسع عشر) لضربها العنيف للحزبين  الدستوريين.

وبسؤاله عن سبب تورّط مشائخ بعض الطرق في اللعبة الانتخابية، أرجع البراح ذلك إلى صيغة التوارث المعتمدة لدى بعض الطرق بدل الكفاءة الدينية والروحية.

التليلي العجيلي بيّن في كتابه أنّ توارث "الولاية والصّلاح" في صلب الطرق، عند موت المشائخ الأوائل، مكّن الكثير من الأدعياء والسخفاء البسطاء من تبوّؤ القيادة الروحيّة بانتسابهم للزوايا والطرق، منحرفين بذلك عن الوظائف السامية للزوايا.

نفس الخلاصة انتهت إليها الباحثة لطيفة الأخضر، حيث خلصت إلى أن السبب الأساسي لتوارث "المشيخة" هو توارث المصالح والامتيازات الهامة التي يحظى بها الشيوخ نظير وظيفتهم الدّينيّة، فانتقال المشيخة هو انتقال الثروات الطّائلة.

ويرجع البرّاح رغبة السياسيين في نيل دعم الزوايا الصوفيّة إلى المكانة الرّوحية التي تحتلها هذه الزوايا، فضلا عن أهمية الكتلة الانتخابية التي تمثّلها. ويقدّر البرّاح عدد المريدين منتظمي النشاط داخل مختلف الطرق الصوفية الأصلية وتفرّعاتها بمليون ونصف المليون مريد.

 



جماع قول عماد صولة أنّ تحوّل الصوفية من مجال الفكرة والروحانيّة إلى مجال الزوايا، قد حوّلها بالضرورة إلى مشاريع دنيوية ورهانات ماديّة واقتصاديّة، ومن أجل ذلك جرى احتكار بعض العائلات للزوايا ولمفاهيم البركة لأغراض دنيوية بحتة. هذا التحوّل هو الذي يجعل الزوايا فريسة للتوظيف الانتخابي  باعتبار الخطاب السياسي ميال للمخاتلة وتوظيف كل خزّان انتخابي ممكن.

لئن حفل تاريخ العديد من الزوايا الصوفيّة بالمكابدة النفسية والانتصار لقيم المجتمع واستقلال الأوطان ضدّ نير الاحتلال والغزاة، فإنّ محاولات الأنظمة الحاكمة استثمار سلطة الزوايا الروحيّة وتوظيفها لمغانم سياسية مقابل قابليّة أغلبها للاستلاب هو الذي حاد بدورها التربوي والروحي نحو ما أسماه ابن تيمية بتصوّف بالأرزاق. 

 

*صحفي وإعلامي تونسي