كتاب عربي 21

التحالف في موقع الدفاع عن النفس ضد السلطة الشرعية!!

1300x600
التطورات الخطيرة التي يشهدها اليمن أعادت توجيه الحرب في هذا البلد نحو مسار مختلف كلية عن ذلك المسار الذي اجتهدت الرياض في رسمه، وحاولت من خلاله إقناع اليمنيين والعالم بأنه سينتهي بدحر الانقلاب الحوثي في صنعاء وإعادة الشرعية فهي حرب لتقسيم اليمن وتحويل شرعيته وجيشه إلى مجاميع إرهابية وأهداف مشروعة لطيران التحالف.

لقد حدث ذلك عندما قام الفرع الإماراتي في هذا التحالف، في 29 آب/ أغسطس المنصرم، بتوجيه أقوى الضربات الجوية ضد أرتال الجيش الوطني التي كان تتأهب للدخول إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن لاستعادة نفوذ الشرعية هناك، ولتجمعات لهذا الجيش في محافظة أبين، بعد أن تمكن هذا الجيش من فرض القانون واستعادة الاستقرار في محافظتي شبوة وأبين وعدن، وإلحاق الهزيمة بالعدد الأكبر من القوات التي أنشأتها الإمارات بقوام يصل إلى نحو 90 ألف مقاتل خارج نفوذ السلطة الشرعية، والتي كانت تنتشر في المحافظات الثلاث.

أكثر من 300 شهيد وجريح من الجيش الوطني سقطوا نتيجة أكثر من 13 ضربة جوية وجهها الطيران الإماراتي على أرتال الجيش في مشارف مدينة عدن وفي محافظة أبين، في ظل ما يمكن وصفه بصمت القبور من جانب السعودية التي تقود هذا التحالف وتشرف على حركة الطيران الحربي في سماء اليمن من غرفة عمليات مركزية في الرياض.

استدعت هذه الهجمات أقوى تصعيد من جانب السلطة الشرعية، رئيساً وحكومة، كان اللافت فيه البيان الرئاسي الذي طالب السعودية بإيقاف التدخل الإماراتي ودعمها للمليشيات الانفصالية، في ما يشبه الرفض الصريح للوجود الإماراتي في التحالف.

لم تكترث الإمارات للبيانات القوية الصادرة عن السلطة الشرعية، وأعلنت عبر بيان لخارجيتها أنها إنما استهدفت مجاميع إرهابية كانت تهدد وجود التحالف في عدن، وأدرجت المجزرة البشعة التي ارتكبتها ضد الجيش الوطني اليمني في إطار الدفاع عن النفس.

أثار الرد الإماراتي موجة من ردود الفعل القوية والمنددة بالسلوك الإماراتي العدواني، حتى من الشخصيات التي كانت تهادن الموقف الخطير لأبو ظبي، أملاً في الحصول على مكاسب سياسية مستقبلية على حساب القوى الأساسية ضمن معسكر الشرعية، وفي مقدمتها الإصلاح.

التحالف، وفقاً للرواية الإماراتية، أعاد تموضعه في الساحة اليمنية؛ من دعم السلطة الشرعية استناداً إلى قوته الجوية الضاربة وإمكانياته العسكرية الهائلة والصلاحيات المفتوحة للتصرف في الجغرافيا اليمنية كما يشاء، إلى موقع الدفاع عن النفس أمام الجيش الوطني الذي صُنِّف على أنه إرهابي؛ وفقاً للرواية الإماراتية التي لم تدحضها السعودية حتى الآن.

الصمت السعودي يدفع إلى الاعتقاد بأن الرياض لا تكترث إلى نتائج القصف، بل تباركها، إذ يتسق ذلك مع الموقف الاستراتيجي المشترك مع أبو ظبي، والهادف إلى إضعاف الدولة اليمنية وتفكيكها كمحصلة نهائية لهذه الحرب.

لكن قائدة تحالف دعم الشرعية ربما أربكتها الجرأة الإماراتية على كشف الأوراق في لحظة حرجة تتعاظم فيها مخاطر الغرق في المستنقع اليمني، وتتزايد فيها التهديدات المباشرة التي يوجهها الحوثيون للعمق السعودي ومنشآته الحيوية، مع إمكانية أن تتجه الأمور نتيجة لهذا السلوك العدواني؛ نحو إعادة بناء تحالفات يمنية يمكن أن تصبح السعودية والإمارات معها في مواجهة موقف موحد للشعب اليمني ضد حربهما العدوانية على أراضيه وجيشه.

لذا لجأت الرياض إلى الاستفادة من السلطة الشرعية المرتهنة  لديها، في محاولة لتبييض الموقف السعودي، عبر التغاضي عن المواقف المتشددة التي أظهرها الرئيس وحكومته تجاه الإمارات؛ التي لا تزال جزء من الشراكة الملتبسة ومتناقضة الأهداف ضمن التحالف المتآكلـ والمعبر عن الأجندتين السعودية والإماراتية غير المتسقتين مع مصالح الأمة والمتصادمتين مع هويتها.

التدخل العسكري الإماراتي ضمن ما يسمى تحالف الشرعية، استقل منذ اللحظة الأولى بغرفة عمليات مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية مقرها مطار الريان في المكلا بمحافظة حضرموت، وتوسل مكافحة الإرهاب الذي يشكل أولوية أمريكية، وهذا الذي يفسر كيف استطاعت الإمارات ارتكاب سلسلة لا محدودة من الجرائم والانتهاكات ضد حقوق الإنسان في المحافظات الجنوبية، والقيام بعشرات الضربات الجوية ضد الجيش الوطني والمقاومة في شمال البلاد.

لقد استغلت الإمارات السقف المرفوع الأمريكي، والصلاحيات المفتوحة الممنوحة لها من التحالف، في تكريس ما يمكن وصفه بإرهاب الدولة، وفي تعطيل دور مدينة عدن كعاصمة مؤقتة لجميع اليمنيين، وحولتها وغيرها من المدن في جنوب اليمن إلى مناطق مسكونة بالخوف من المداهمات والاعتقالات الليلية؛ المحمولة على سمعة سيئة عن السجون والمعتقلات السرية والتعذيب حتى القتل.

بل إن الإمارات مضت أبعد من ذلك وقامت بتوظيف تحالفها مع أمريكا ودورها في التحالف، في التخطيط للسيطرة على محافظة أرخبيل سقطرى والموانئ والمطارات والمواقع الاستراتيجية الأخرى، وكان سبيلها لتحقيق هذه الأهداف هو إضعاف الدولة اليمنية وتفكيكها، والدفع بمطالب الانفصال إلى مستويات خطيرة تسلح معها فصيل انفصالي رديء وغير مرغوب في الجنوب، بإمكانيات عسكرية لا تتوفر لدى الحكومة الشرعية، واندفع هذا الفصيل، تحت إشراف الإمارات، نحو خوض حرب  مفتوحة ضد السلطة الشرعية انتهت بانقلاب العاشر من آب/ أغسطس في مدينة عدن.

يبدو المأزق السعودي حاداً بعد أن غامرت الإمارات في اتهام الجيش الوطني الذي دعمته السعودية بالإرهاب، في حين أن الفصائل السلفية الجهادية التي شكت قوام الأحزمة الأمنية والنخب المدعومة من الإمارات، هي بالفعل عناصر إرهابية متحولة جرى إعادة توظيفها في تحقيق هدف تقسيم اليمن.

إذ كيف ستواصل الرياض حربها في اليمن بعد أن أصبح أهم شركائها مدرجين في خانة الإرهاب الإماراتية، في حين تعيد أبو ظبي تموضعها في سياق هذه الحرب كطرف خارجي مهتم بمكافحة الإرهاب ومتحلل من الاستحقاقات والأولويات السعودية لهذه الحرب؟!