مقالات مختارة

دعاية نتنياهو الانتخابية من أرضنا ولحمنا..

1300x600

اعتاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقديم عروض ملفتة للانتباه كلما كان واقعا في مشكلة أو يطمح لتحسين صورته أمام ناخبيه، ودائما ما يزج بالملف الفلسطيني ويستثمره أيما استثمار لتحقيق إنجازات شخصية.


قبل موعد الانتخابات بأسبوع، تعهد نتنياهو بضم غور الأردن إذا ما أعيد انتخابه، وهي رسالة لرأيه العام أن عليه النظر في انتخاب نتنياهو الذي يتطلع قدما إلى شطب مصطلح حل الدولتين والإجهاز التام على ما تبقى للفلسطينيين من حلم بشأن قيام دولتهم المستقلة.


قبل هذا التعهد، تحدث رئيس الحكومة عن تعهد آخر بشأن ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية عبر فرض السيادة عليها، وتعكس مثل هذه التصريحات الموقف الإسرائيلي الذي واظب منذ اتفاق أوسلو على إفشال خطط الفلسطينيين بقيام دولتهم.


يشكل ملف الاستيطان وسياسات الضم الإسرائيلي اليافطة الانتخابية الأهم التي يمكن لنتنياهو عبرها حصد أصوات الناخبين، لأن إسرائيل قامت على سياسة الاحتلال الاستيطاني الإحلالي، وترسخت هذه السياسة بين القيادات والنخب السياسية، وحتى بين مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي.


ثمة من يعتقد من المتابعين أن نتنياهو يحمل يافطة الاستيطان معه في كل لقاء مع ناخبيه بهدف الحصول على أصواتهم، وتصريحاته لا تتجاوز حدود الدعاية الانتخابية لضمان كسب الانتخابات والعودة من جديد لقيادة الحكومة.


في واقع الأمر يحاول زعيم حزب "الليكود" المزايدة على كل خصومه، حتى على أولئك المتطرفين من أقصى اليمين من أمثال زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، ويسعى نتنياهو من خطبه وتصريحاته لفت انتباه الرأي العام والتأكيد أنه لم يحد يوما عن كونه أبا اليمين.


وعدا عن أن تصريحاته حول الاستيطان وضم الأراضي تلقى رواجا كبيرا بين المستوطنين ومعسكر اليمين في إسرائيل وهي بلا شك تخدم حملته الانتخابية، لكنها تعبر بالضبط عن عقيدة إسرائيل التي تربط بين وجودها وتوسيع نطاقيها الجغرافي والديمغرافي.


ليس بعيدا عن شخص مثل نتنياهو أن يترجم أقواله إلى أفعال، فهو يرى في الضعف العربي وعدم الاكتراث الدولي لكثرة الأجندات والملفات الكبرى، فرصة مناسبة لضم المستوطنات الإسرائيلية وفرض السيادة على غور الأردن.


هناك شواهد كثيرة على قيام الرجل بخطوات استفزازية لم تؤثر سلبا على إسرائيل لا من قريب ولا من بعيد. نتنياهو هو الذي حضّ صديقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.


أيضا في ملف الجولان المحتل، حصل على اعتراف رسمي من الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، ويسابق الزمن من أجل تهويد الضفة الغربية، في حين يستنفر في القدس تحديدا ويغير معالمها الدينية والتاريخية والديمغرافية تكريسا لواقع احتلالها.


أغلب الظن أن زعيم حزب "الليكود" لا يشعر بالضغط من تصريحاته واحتمالات نقلها إلى الواقع، فهو مدعوم من أقوى دولة في العالم وعلاقاته بالمحيط الدولي والإقليمي جيدة، ولا يلتفت أبدا إلى "الحرد" الفلسطيني الذي يعتقد أنه لا يتجاوز "الضرب الجامد تحت الحزام".


على يمينه الصديق المقرب إلى قلبه ترامب وعلى يساره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تربط بلاده بإسرائيل علاقات منفعة ومصالح مشتركة، وطالما أنه كسب ودهما فلا يهمه الباقي، لأنه حينذاك سيصل إلى ما يريد و"يجني من الشوك العنب".


إن فاز نتنياهو في الانتخابات وعاد إلى قيادة الحكومة، فإنه سيكمل مخططاته الاستيطانية لابتلاع الضفة الغربية، وإذا لم يفز فسيأتي شخص آخر يعبر عن السياسة الإسرائيلية نفسها في مسألة مواصلة الاستيطان وهضم حقوق الشعب الفلسطيني.


ربما يحالف الحظ نتنياهو فيكسب الانتخابات التي ستجري بعد  أيام، ومن المرجح أنه ينوي بالفعل ضم غور الأردن لكن ليس سريعا، وإنما قد يستخدم هذا الملف في أوقات الذروة التي تتنوع من مشكلات تتعلق بعودة ملاحقته في قضايا الرشاوى والفساد، أو خبو نجمه وتصدع صورته وضعف حزبه.


نتنياهو سيغامر بالاستيطان إلى أبعد نقطة ممكنة، مستفيدا من ضعف السلطة الفلسطينية وضعف العرب وعدم قدرتهم على دعم الفلسطينيين بالشكل الكافي، ومستفيدا من حالة الحب من طرفين، التي تجمع بلاده بالولايات المتحدة الأمريكية.


واشنطن التي عكفت على إعداد صفقة تناسب الاحتياجات الإسرائيلية السياسية والأمنية، أجلت الكشف عنها إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، ومن السهولة استنتاج ربط الكشف عنها بفوز نتنياهو في الانتخابات، بدليل أنها تأجلت في أكثر من مناسبة.


ما جاء في تفاصيل عن بنود الصفقة خدم نتنياهو ومعركته الانتخابية الحالية ضد منافسيه، كون أن صفقة القرن "دسمة" بالنسبة لإسرائيل وتخدم مشروعها الاستيطاني الإحلالي، في حين أنها منزوعة "الدسم" عن الفلسطينيين، اللهم أن ترامب فضّل الإعلان عنها بعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، حتى يقطف نتنياهو ثمارها.


في حقيقة الأمر يمكن القول إن نتنياهو ليس استثناء في إسرائيل. صحيح أنه ضاعف الاستيطان وخدم سياسة الدولة العبرية وحقق مصالحها، لكن هناك في الأخيرة طوابير من الشخصيات التي تشبه نتنياهو، سواء أكانت نخبوية أو تنتمي إلى شريحة القاعدة المجتمعية.


حينما تحدث عن سعيه إلى ضم غور الأردن وتسمين المستوطنات وضمها، إنما كان يعبر عن لسان حال غالبية الرأي العام الإسرائيلي، الذي ربما لم يعد يرى في السلام طريقا لحل الدولتين بفضل السياسات التي تنتهجها دولة الاحتلال.


ليس هناك من قناعة راسخة في إسرائيل بأن السلام والمفاوضات الجادة مع الفلسطينيين يحققان الأمن والاستقرار، إذ إن هذا المفهوم غائب ولم يكن موجودا في الأساس، وإنما هناك منطق توظيف القوة الأمنية في فرض السلام على الفلسطينيين بمختلف السياسات، وعلى رأسها حصارهم وخنقهم أكثر فأكثر.


نتنياهو يتعامل مع الفلسطينيين على أنهم أعداء، وتحت هذا البند سيكمل هو أو من يصل إلى موقعه سياسة إضعاف الفلسطينيين ومركزية قضيتهم من الأجندة الدولية، والاستيطان وضم غور الأردن يشكلان واحدة من الأدوات التي تهدف إلى طمس الهوية والقضية الفلسطينية عن الوجود. 

 

عن صحيفة الأيام الفلسطينية