كتاب عربي 21

جماعات ترمي داءها على القاعدة و"داعش"

1300x600

ليس صحيحا أن تنظيم القاعدة ومن بعده تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" هما المسؤولان عن ظهور جماعات متطرفة مسلحة في أوروبا والولايات المتحدة، باعتبار أنها نشأت كرد فعل على العنف المفرط الذي مارسه التنظيمان، فباستثناءات قليلة جدا، فإن العنف الأهوج الذي مارسته القاعدة و"داعش" كان موجها ضد عدو مفترض، هو الغربيون عموما، ثم طال العنف المسلمين المحسوبين في تقدير التنظيمين على الغربيين.

 

العنف متأصل في الثقافة الأمريكية

وفي المقابل فإن العنف متأصل في الثقافة الأمريكية، بدليل أنها الدولة الوحيدة التي يعارض غالبية أهلها حظر امتلاك الأسلحة، ورغم الجعجعة والتباهي المتكررين من المسؤولين والمواطنين الأمريكان بأن السيادة في بلادهم للقانون، وأنهم سدنة القانون الدولي، ومكلفون بمحاسبة الدول الأخرى "الخارجة على القانون"، إلا أن الولايات المتحدة تبقى من أكثر أماكن العالم خطرا على السلامة، عندما يقرر معتوه مدجج بالسلاح حصد بعض الأرواح عشوائيا، لشيء في نفسه.

ومع وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في واشنطن نشطت جماعات الاستعلاء العرقي بتشجيع منه، لأنه لا يني يذكر الأمريكان ذوي الأصول القوقازية (البيض) بأنهم الجنس الأكثر رقيا وتحضرا، وبأن بلادهم معرضة للاجتياح من قبل مهاجرين ذوي سحنات عليها غبرة، بدرجة أنه دعا ثلاث عضوات في الكونغرس من أصول غير بيضاء إلى العودة إلى بلدانهن الأصلية، ويفوت على ترامب على الدوام أنه متزوج بـ "مهاجرة" دخلت الأراضي الأمريكية بأوراق مزورة.

 

إذا كانت حيازة السلاح "مرجلة" عند بدو العرب، فإن استخدام السلاح هو المرجلة الحقيقية عند كثير من الأمريكيين


قبل مولد القاعدة و"داعش" بقرن كانت جماعة كوكلاكس كلان الأمريكية تمارس أبشع ألون التقتيل والتنكيل بالأمريكيين السود، وما بين عامي 1868 ـ 1871 قام الجماعة بإعدام أكثر من أربعمائة من السود الأمريكيين، والتمثيل بجثثهم بالأسلوب المعروف بـ lynching، وكانت من وسائل الإعدام العلني المفضلة لديهم توثيق أي أسود يقع في أيدهم وحشره في إطار سيارة مشتعل وتركه يموت ببطء، وجمهور الولايات الجنوبية يصفق طربا للمشهد.

 

حادثة مسجد نيوزيلندا

عندما شرع الأسترالي برينتون هاريسون في قتل المصلين في مسجدين في كرايستشيرش في نيوزيلندا في آذار (مارس) من هذا العام، وحرص على تسجيل فعلته بالفيديو، قال إن ملهمه لتلك العملية هو النرويجي أندريس بريفيك الذي صرع العديد من مواطني بلاده المسيحيين، إلى جانب ديلان روف الأمريكي الاستعلائي (الأبيض) المسيحي الذي قتل تسعة من الأمريكيين السود في كنيسة في تسعينات القرن الماضي؛ والشاهد هنا هو أن غاية هاريسون من اختيار مكاني عبادة للمسلمين، كان لضمان قتل أكبر عدد من الناس قبل أن يكون لكرهه للمسلمين.

وفي الثالث من آب (أغسطس) الماضي دخل باتريك كروسياس البالغ من العمر 22 عاما متجر وول مارت في مدينة الباسو في تكساس، وقتل خلال دقائق قصار 22 شخصا من المكسيكيين وذوي الأصول اللاتينية، ويتغذى أمثال هذا القاتل بأدبيات منظمات يمينية متطرفة تنادي بضرورة الحفاظ على نقاء الجنس الأبيض من التلوث، وكثير من تلك المنظمات تعلن ولاءها الصريح للفكر النازي، ولك أن تعجب لأمر بلاد يعتبر فيها انتقاد إسرائيل جريمة عقوبتها "مفتوحة"، وتسمح بنشوء عشرات الجمعيات التي تحمل الفكر الذي كانت دعامته الأساسية القضاء على بني إسرائيل.

 

قبل مولد القاعدة و"داعش" بقرن كانت جماعة كوكلاكس كلان الأمريكية تمارس أبشع ألون التقتيل والتنكيل بالأمريكيين السود


فالحزب النازي الأمريكي يتبنى صراحة سياسات هتلر المعادية للسامية، وينكر حدوث المحرقة (الهولوكوست)، وعندما أعلن محمود أحمدي نجاد خلال رئاسته لإيران حدوث المحرقة، اعتبرت بلاده وليس هو فحسب بؤرة للشر، وتم تشديد العقوبات عليها، بل وهناك تنظيمان هما رابطة الأخوة الآرية، والشعوب الآرية، يعملان على تمكين فكر هتلر المتمثل في أن الشعوب الآرية التي ينتمي إليها الألمان هي الأكثر رقيا بين شعوب العالم ومن حقها استعباد الشعوب الأخرى.

خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري شهدت الولايات المتحدة 336 عملية قتل جماعي، بمعدل 1.24 عملية يوميا، راح ضحيتها 1687 شخصا، من بينهم 379 سقطوا قتلى إلى جانب 1308 جريح، وليس من بين القتلى والجرحى مسلم واحد.

والشاهد: على بشاعة الجرائم التي ارتكبها تنظيما القاعدة و"داعش" بحق آلاف الأبرياء، إلا أن العنف الذي صار سمة للحياة اليومية في الولايات المتحدة، لا يستلهم التنظيمين ولا يستهدف في غالب الأحوال المسلمين، بل هو وليد ثقافة تمجد القوة القاهرة، وإذا كانت حيازة السلاح "مرجلة" عند بدو العرب، فإن استخدام السلاح هو المرجلة الحقيقية عند كثير من الأمريكيين، وطالما أن رب بيتهم (حكومتهم) تضرب الدف (السلاح) بوصفها شرطي العالم، فلا غرابة في أن يرقصوا كمواطنين على إيقاع  ذلك الدف بالعزف المنفرد أو الجماعي.