قضايا وآراء

الجزائر.. شرعية انتخابية أم استكمال الثورة؟

1300x600

يوم الخميس المقبل (12 كانون الأول/ ديسمبر) يحسم الجزائريون الوضع المعلق في البلاد منذ الثاني والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، حيث عمت البلاد منذ ذلك التاريخ موجة ثورية ممتدة حتى الآن، رفعت شعارا بسيطا: "يتنحوا قاع"، أي استقالة كل رموز العهد السابق بلا استثناء. كما أكد هذا الحراك رفضه لإجراء انتخابات رئاسية في ظل وجود بقايا من نظام بوتفليقة؛ هي التي رتبت تفاصيل العملية الانتخابية.

وفي المقابل، تؤكد السلطة الحاكمة حاليا والمعززة من قيادة الجيش أن الحل هو بالرجوع إلى الشعب ليقول كلمته في استحقاق انتخابي نزيه تحت رقابة صارمة. وها قد وصل الجزائريون إلى هذا الاستحاق، وستكون نسبة حضورهم هي الحاسمة، فإما أنها ستضفي شرعية على الانتخابات وما ستفرزه في حال المشاركة الواسعة، وإما أنها ستسقط العملية الانتخابية جذريا، وتعيد الحيوية للحراك الثوري في الشارع ليكمل طريقه للخلاص ممن تبقى من رجال حكم بوتفليقة، بمن فيهم قائد الجيش نفسه قايد صالح.

 

ها قد وصل الجزائريون إلى هذا الاستحاق، وستكون نسبة حضورهم هي الحاسمة، فإما أنها ستضفي شرعية على الانتخابات وما ستفرزه في حال المشاركة الواسعة، وإما أنها ستسقط العملية الانتخابية جذريا، وتعيد الحيوية للحراك الثوري في الشارع

مساء الجمعة الماضية نظمت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مناظرة بين المرشحين الخمسة، وكانت تلك المناظرة حدثا فريدا في الجزائر التي لم تشهد مثيلا لها من قبل، بغض النظر عن تقييمنا لأداء المرشحين في المناظرة، أو حتى ضعف الأسئلة التي وجهت إليهم وتجنبت الخوض في المسائل الشائكة، مثل دور الجيش في الحياة السياسية مستقبلا. كما سبق المناظرة توقيع المرشحين على ميثاق شرف انتخابي يلتزمون بمقتضاه بعدم الطعن في بعضهم البعض، وبإدارة حملة دعائية عصرية نظيفة. ومنحت اللجنة حقوقا متساوية للمرشحين في وسائل الإعلام العمومية، وكل ذلك كان محاولات من تلك اللجنة لإقناع الجزائريين بجدوى الانتخابات التي سيدلون فيما بأصواتهم بكل حرية، ودون أن يتعرض هذا الصوت للتزييف كما كان الحال من قبل.

ويبدو أن المناظرة الانتخابية رغم حداثتها وفرادتها في الجزائر، إلا أنها لم تسهم في إحداث تغييرات جذرية في قناعات الجزائريين المترددين والمقاطعين، حسبما ظهر من تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي لاحقا، لكننا لا نستطيع الجزم بأن تلك التعليقات تمثل حقيقة الموقف العام للشعب الجزائري، ولذا فإن الجميع ينتظرون يوم الخميس ليعرفوا الموقف الشعبي الحقيقي.

حتى الآن نجح الحراك الثوري الجزائري في إنهاء العهدة الخامسة وإجبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على عدم الترشح، كما نجح الحراك في جلب عدد كبير من رموز نظام بوتفليقة، بينهم شقيقه الذي كان يوصف بأنه الحاكم الفعلي، إلى ساحات القضاء لمحاكتهم على ما ارتكبوه بحق الشعب خلال السنوات الماضية. ونجح الحراك أيضا في دفع سلطة الأمر الواقع لإسناد مهمة الانتخابات إلى لجنة وطنية مستقلة، وتوفير ضمانات لنزاهتها، لكن هذه الضمانات لا تزال تحت الاختبار ولا يمكن الوثوق بها إلا بعد تنفيذها فعلا.

 

وفقا للتحليل السياسي المستند لخبرة موجتي الربيع العربي الأولى والثانية، فإن الحراك الثوري لم يستطع في أي بلد أن يحقق مبتغاه ومطالبه بشكل كامل

الشعارات المرفوعة في الحراك حتى الآن هي "لا انتخابات" و"مكاش انتخابات مع العصابة"، أي لن ننتخب في وجود العصابة والمقصود بها عصابة بوتفليقة، ويبرهنون على بقاء تأثير العصابة بوجود رئيس الحكومة الحالي الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في عهد بوتفليقة، والذي زور انتخابات 2017 ومنح الأغلبية لحزبي السلطة (جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي).

وفقا للتحليل السياسي المستند لخبرة موجتي الربيع العربي الأولى والثانية، فإن الحراك الثوري لم يستطع في أي بلد أن يحقق مبتغاه ومطالبه بشكل كامل.. حدث هذا في مصر وفي ليبيا، وفي السودان مثلا (الحالة التونسية هي الاستثناء)، واضطر الثوار في تللك الدول إلى قبول حلول وتسويات تلبي جزءا من مطالبهم، وتحفظ لمركز القوة والتأثير الظاهرة أو الخفية مكاسبها.

وعلى هذا الأساس، فمن المحتمل أن يتكرر هذا الوضع في الجزائر، حيث لا تزال قيادة الجيش ممسكة بمفاتيح القرار، وقد نجحت في تمرير العملية الانتخابية حتى الآن، رغم الضغوط الشعبية المتواصلة على مدار الشهور الماضية لإلغاء الانتخابات. ويسند قيادة الجيش في موقفها بعضُ النخب السياسية التي تعتبر الانتخابات حلا لحالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد حاليا.

تعتبر الثورة الجزائرية الحالية هي الأطول ضمن الموجة الثانية للربيع العربي حتى الآن، إذ أنها تجاوزت الشهور التسعة. ورغم تراجع كثافة الحراك نسبيا، إلا أنه لا يزال محافظا على حضوره في الشارع، متمسكا بمطالبه. ورغم حدوث اعتقالات في صفوف المتظاهرين، ورغم محاولات وزارة الداخلية تشويه صورة الحراك والإيحاء بوجود دور خارجي فيه، إلا أن الحراك حافظ بشكل عام على سلميته، ولم ينجرف إلى العنف، رغم وقوع بعض الاشتباكات مع الشرطة ووقوع إصابات، لكنها ظلت في السياق الطبيعي.

 

تعتبر الثورة الجزائرية الحالية هي الأطول ضمن الموجة الثانية للربيع العربي حتى الآن، إذ أنها تجاوزت الشهور التسعة. ورغم تراجع كثافة الحراك نسبيا، إلا أنه لا يزال محافظا على حضوره في الشارع، متمسكا بمطالبه

ومن الواضح أن الجميع، سواء المتظاهرين او السلطات الأمنية والعسكرية، يستحضرون مآسي العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر عقب إلغاء نتيجة الانتخابات البرلمانية عام 1991، وسقط خلالها 200 ألف قتيل بخلاف الإصابات والمشردين، وخسر فيها الاقتصاد الجزائري المليارات. وقد كان نظام بوتفليقة يراهن أن الشعب الجزائري يعيش في عقدة هذه العشرية المؤلمة، وبالتالي فإنه سيقبل الضيم تجنبا لتكرار المآسي الساببقة، إلا أن الشعب فاجأ الجميع بنزوله واستمراره في الشارع وتمسكه بمطالبه حتى الآن.

إذا نجح دعاة المقاطعة في إقناع الشعب بمقاطعة الانتخابات، فإن هذا سيعني نهاية اللعبة الانتخابية، وسيعود الزخم الثوري إلى الشارع، وسيتمكن من فرض بقية مطالب الثورة، وتنظيف الجزائر من بقايا العصابة، وصياغة دستور جديد على مقاس الشعب لا الحاكم. وحتى إذا تمت الانتخابات، وأسفرت عن فوز أحد المترشيحين برئاسة الجزائر، سواء من الجولة الأولى أو الثانية، فإن استمرار حضور الشارع هو الضمان الأكبر لالتزام هذا الرئيس الجديد بالوعود التي قطعها على نفسه من ناحية، ولضمان تحقيق بقية مطالب الثورة وتنظيف الحياة السياسية من بقايا النظام البائد من ناحية أخرى.