قضايا وآراء

فلسطين في السياسة البريطانية بعد النجاح الكبير للمحافظين بانتخابات 2019

1300x600
بالنظر إلى مدى الأغلبية التي فاز بها المحافظون في بريطانيا، يمكن للفلسطينيين في أفضل الأحوال توقع تكرار الوضع الراهن في ما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه قضية فلسطين والمبني على مبدأ حل الدولتين، والذي من الأرجح أنه سينطوي في تفاصيله على إدانة التوسع الاستيطاني والتحركات التي تتعارض مع القانون الدولي، دون أي إجراء عملي وملموس لدعم مثل هذه الإدانة.

من المرجح أيضا أن تتضمن السياسة البريطانية إعادة صياغة المقولة المعهودة بأن إسرائيل لها "الحق المطلق في الدفاع عن نفسها" ضد "التهديدات الأمنية"، واستمرار موقف المحافظين المتمثل في عدم الاعتراف بالنكبة والفشل في دعم الحق الفلسطيني بالعودة وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
 
بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أيضا أن فوز حزب المحافظين سوف يمنح إسرائيل نفوذا داخل الحكومة أكثر مما تتمتع به في الوقت الراهن، سواء من خلال الروابط التجارية المتزايدة، أو من خلال التأثير في مجلس العموم، أو من خلال تدابير وتشريعات جديدة لقمع النشطاء المؤيدين لفلسطين؛ الذين يسعون إلى موقف أكثر عدالة للمملكة المتحدة تجاه القضية والحقوق الفلسطينية.
 
وبهذا الخصوص، هناك سياسة مؤكدة ستسعى إلى تضييق حرية التعبير عندما يتعلق الأمر بفلسطين، وهذه السياسة في طور الممارسة بالفعل من قبل حزب المحافظين.

ففي خطاب الملكة الناظم لسياسة الحكومة والذي يكتبه عادة رئيس الحزب الفائز في الانتخابات وتلقيه الملكة في افتتاح البرلمان، قالت بأن الحكومة ستمنع الجامعات والمجالس المحلية من ممارسة المقاطعة والعقوبات وسحب الاستثمارات ضد البلدان الأخرى، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة لإغلاق حرية التعبير عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. هذا القانون، إذا تم إقراره كما هو متوقع، سيكون له تأثير على منع مجالس البلدية ذات الأغلبية العمالية والنقابات الطلابية من فرض المقاطعة على إسرائيل.

من المهم الإشارة إلى أن مساعي التشريع خدمة لدولة الاحتلال ليست جديدة على السياسة البريطانية في عهد المحافظين، فقد سبق لهم تغيير القانون من أجل حماية إسرائيل. والمثال الأكثر بروزا في هذا السبق هو قانون الولاية القضائية العالمي، الذي تم تغييره لحماية الزعماء والعسكريين الإسرائيليين من أوامر الاعتقال المحتملة، مثل ذلك القرار الذي صدر بحق تسيبي ليفني عام 2009.

الصورة ليست قاتمة السواد

خلال فترة جيرمي كوربين ومع تناقص عدد النواب الذين يوصفون بـ"المعتدلين" او أولئك المحسوبين على "توني بلير"، فقد أصبح الحزب الآن، وإلى حد كبير، يميل بشدة إلى اليسار. وبعبارة أخرى، فإن مقاليد حزب العمل تقع في يد أنصار كوربين. كما أن انتخاب عدد من النواب الجدد المؤيدين لفلسطين لعضوية مجلس العموم، والمعروفين بعملهم الإيجابي والداعم لفلسطين، بالإضافة لمجموعة من قدامى أصدقاء فلسطين الذين تم إعادة انتخابهم، سيترك مجالا للتفاؤل لأولئك الذين يشعرون بالفزع من فوز المحافظين. يضاف لذلك عدد من النواب المؤيدين لإسرائيل، سواء من حزب العمل أو المحافظين، الذين فقدوا مقاعدهم أو لم يترشحوا لإعادة انتخابهم.
 
وبشكل عام، فإن فوز المحافظين الساحق سيؤدي إلى تعزيز السياسة الخارجية الحالية للحكومة البريطانية، وربما الى زيادة تأثير القوى الموالية للصهيونية في الحكومة والبرلمان. ومع وجود مجلس الوزراء الذي يضم في أهم وزاراته سيئي السمعة بريتي باتل وساجيد جافيد، فإن هناك احتمالا قويا بأن العلاقات البريطانية الإسرائيلية في جميع المجالات ستتطور بشكل كبير على مدى السنوات الخمس المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، وعلى خلفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فلن يكون مفاجئا إذا قامت حكومة بوريس جونسون، بضغط من إدارة ترامب، بنقل سفارتها إلى القدس في مقابل إعطائها أولوية وامتيازات خلال المفاوضات التجارية.
 
وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة لفلسطين، وعلى الرغم من هزيمته الكبيرة في الانتخابات، إلا أن حزب العمال أصبح "أكثر يسارا" مما كان عليه في السابق. ويظهر هذا الواقع الجديد بوضوح في التركيبة الجديدة للحزب بعد فشل النواب الموالين لإسرائيل أو عدم ترشحهم. وهذا سيبقي الدعم للقضية الفلسطينية حاضرا في البرلمان وفي المجتمع البريطاني. ولكن من المؤكد أن استمرارية هذه التركيبة اليسارية ستعتمد إلى حد كبير على الزعيم القادم للحزب (الذي سيتم الإعلان عنه وعن نائبه في 4 نيسان/ أبريل المقبل)، وما إذا كان عازما على الانفصال عما بات يعرف بظاهرة الكوربينية أو القيام بتعزيزها.

وأظهر استطلاع للرأي داخل الحزب أجراه مركز "يو جوف" لاستطلاعات الرأي ونشر في الأسبوع الماضي؛ أن كير ستارمر سيكون في المقدمة، فقد حصل أصوات على 36 في المئة من المشاركين في الاستطلاع، بفارق مريح عن أقرب ملاحقيه، وهي ريبيكا لونغ بيلي، التي ينظر إليها على أنها تحظى بدعم زعيم الحزب الحالي كوربين ومؤيديه.

أما أبرز المرشحين لخلافة جيرمي كوربين فهم:

كير ستارمر
 
هو وزير شؤون بريكست بحكومة الظل، ويُنظر إليه على أنه مرشح يميل بصورة أكبر نحو الوسط. ويعرف عنه بأنه يشارك في نشاطات ومناسبات الجالية اليهودية، بما في ذلك يوم ميتزفاه، وكان من أوائل الداعين إلى طرد عمدة لندن الأسبق كين ليفينجستون. وأيد لاحقا المطالبات بتغيير النظام الداخلي للحزب للسماح بالطرد التلقائي للأعضاء الذين يتبين أنهم معادون للسامية.

يعارض ستارمر بشدة مقاطعة إسرائيل، ويتبنى التعريف الجديد الكامل لمعاداة السامية. وقد دفع شخصيا لعدة أشهر لعقد جلسة خاصة لحكومة الظل الخاصة حول معاداة السامية، لكن البعض يعتقد أنه لم يكن كثير الظهور والتعليق على هذا الموضوع.
 
ريبيكا لونغ بيلي

تعتبر ربيكا لونغ بيلي وزيرة الدولة للتجارة في حكومة الظل مرشحة قوية للفوز بزعامة الحزب، وهي تنتمي لتيار اليسار المتشدد في الحزب. وهي عضو في البرلمان عن دائرة فيها نسبة يهودية كبيرة في مدينة سالفورد شمال بريطانيا، ويعرف عنها تأييدها للتعريف الجديد للعداء للسامية، وهي التي أضافت عبارة حرية التعبير فيما يتعلق بالحديث عن إسرائيل إلى المسودة التي نظرت فيها اللجنة التنفيذية الوطنية لحزب العمل، بتأييد ومشاركة مع المؤسس المشارك لمجموعة "Momentum"، جون لانسمان.

وهي مدعومة من الدائرة المقربة لكوربين، بما في ذلك جون ماكدونيل وريتشارد بورغون، لأنها تعتبر من يسار الحزب، لكنها مع ذلك انتقدت طريقة تعامل القيادة مع أزمة معاداة السامية.

قابلت مجموعة "الحركة العمالية اليهودية" صيف 2019 وأبدت المجموعة إعجابها بصدقها، وأعجبت بموقفها الداعي لطرد النائب كريس ويليامسون من الحزب، والذي كان قد أثار جدلا في أوساط الحزب، وفاز كريس لاحقا بدعوى رفعها ضد قرار الحزب..
 
ليزا ناندي

ليزا ناندي، المكلفة بشؤون الطاقة في الحزب، مرشحة "يسارية" غير راديكالية، على نمط إد ميليباند، الزعيم الأسبق للحزب. في نهاية عام 2018 تولت رئاسة مجموعة أصدقاء فلسطين في الحزب خلفا لجراهام موريس، ولها مواقف واضحة في دعم الحقوق الفلسطينية، وسبق لها أن زارت الضفة الغربية وتحدثت أكثر من مرة عن تلك الزيارة، واستذكرت رؤية اطفال فلسطينيين يبلغون من العمر 15 عاما مقيدون بالسجون الإسرائيلية.

وطالبت ليزا بضمانات من الحكومة في شهر تموز/ يوليو 2019 بأن منتجات المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية لن تكون جزءا من أي صفقات تجارية مستقبلية بين المملكة المتحدة وإسرائيل، وتحدثت في أيلول/ سبتمبر، إلى جانب النائب ديانا أبوت وزعيم النقابة لين مكلوسكي، في نشاط نظمته حملة التضامن مع فلسطين على هامش مؤتمر حزب العمال الأخير.

ومع ذلك، فهي سريعة أيضا في انتقاد وتوبيخ أولئك الذين ينكرون حق إسرائيل في الوجود، كما يتضح من بعض المشاركات الإعلامية الاجتماعية الحادة لها، وتحدثت في نشاطات لحركة العمال اليهود (JLM) أكثر من مرة.
 
إميلي ثورنبيري
 
هي وزيرة الخارجية في حكومة الظل، وعضو في مجموعة أصدقاء فلسطين، وفي ذات الوقت عضو في مجموعة أصدقاء إسرائيل داخل الحزب. وخلال وجودها في منصبها كانت لها مواقف سياسية داعمة للحقوق الفلسطينية تتماشى مع سياسات الحزب، فقد حثت الحكومة على الاعتراف بدولة فلسطين "بينما لا يزال هناك دولة باقية للاعتراف بها".

كما عارضت قرار المملكة المتحدة باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار لمجلس حقوق الإنسان بشأن إسرائيل بموجب البند السابع، معتبرة أن المملكة المتحدة سبق وأن استخدمت حق النقض ضد جميع قرارات مجلس حقوق الإنسان حول الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وتشيلي تحت حكم الجنرال بينوشيه.

تتحدث إيميلي بحرارة عن إسرائيل، لكنها تكره بشدة حكومة نتنياهو. ففي أيلول/ سبتمبر الماضي، اتهمت نتنياهو "بمحاولة تحويل إسرائيل إلى دولة عنصرية". بالإضافة إلى ذلك، نقلت جريدة "تايمز أوف إسرائيل" بتاريخ 8 كانون الثاني/ يناير 2020 عن إيميلي استياءها من مساواة حزب العمال بقيادة كوبين في برنامجه الانتخابي؛ بين هجمات الجماعات الفلسطينية ضد إسرائيل والهجمات التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين.