قضايا وآراء

سد كورونا الإثيوبي!!

1300x600

اليوم 23 آذار/ مارس 2020، كل عام والشعب المصري بكل خير بمناسبة مرور 5 سنوات على توقيع عبد الفتاح السيسي اتفاقية مبادئ سد النهضة في مثل هذا اليوم من عام 2015.

على مدار خمسة أعوام والمواطن المصري يكافح ضميره ووجدانه ويربط آماله بما يقوله عمرو أديب، وسيد علي، ونشأت الديهي، وغيرهم من إعلاميين مُهرجين نصبوا فرح العمدة بجميع قنواتهم الفضائية تحت شعار واحد مرسل لهم من تليفون سامسونج بعنوان (السيسي حلّها) End of the text.

مرت 5 سنوات على اتفاقية مبادئ سد النهضة ولا يعلم البرلمان المصري ولا المواطن المصري عنها شيء، ولم يُنفذ منها أي بند؛ فلا سمحت إثيوبيا للمكاتب الاستشارية بتنفيذ أي دراسة فنية عن السد، ولا سمحت بعمل فتحات سفلية في أساسات السد لتمرير المياه للدولة المصرية بعيدا عن فتحات التروبينات مثلما طلب وزير الري السابق حسام مغازي عام 2016، ولا سمحت للدولة المصرية حتى مناقشة الاتفاقيات السابقة التي تعطي لمصر حق الفيتو والإعلان المسبق. ولا حتى اتفاقية عام 1902 التي تُحرّم بناء سدود إثيوبية على مجري النيل الأزرق مقابل تنازل السودان عن مقاطعة بني شنقول، والتي يبني فيها اليوم سد النهضة الذي سيكون سببا لجفاف مصر يوما قريبا.

ومع سكوت الدولة المصرية المحرج وتعاظم (عنجهية وغرور) إثيوبيا صار ممنوعا على المفاوض المصري، وعلى ترامب ذاته، مناقشة السيادة الإثيوبية الكاملة على النيل الأزرق بكل تدفقاته.

ومع اقتراب الوصول لشبه اتفاقية تحقق للدولة المصرية الحصول على (الحد الأدنى) من التدفقات السنوية للنيل الأزرق، جاءت التعليمات ممن هم أكبر من (إثيوبيا ومصر) بقلب طاولة المفاوضات على رأس السيسي ورأس ترامب ورأس البنك الدولي في تحدي عالمي للجميع يؤكد بأن من وراء آبي أحمد والدولة الإثيوبية هم أكبر من (ترامب والبنك الدولي). إنها الصهيونية العالمية، والتي كانت هي السبب في إقناع رئيس وزراء إثيوبيا السابق (ملس زيناوي) بتغيير سعة سد (الحدود) من (14.5 مليار متر مكعب) لسعة تعادل (74 مليار متر مكعب) مع استبدال الاسم من (سد الحدود) لـ (سد النهضة). فإثيوبيا والسيسي ليسا إلا قطعتين على طاولة الشطرنج الدولي يتم تحريكهما ضد بعضهما البعض بهدف أكبر من (سد النهضة) بحد ذاته.

فالهدف الأساسي لسد النهضة اليوم لم يعد (توليد كهرباء) مثلما ظلت تدعي إثيوبيا على مدار الـ (خمس سنوات) الماضية، بل هو (التنمية الزراعية) أيضا بمعني تخزين مياه لزوم مساحات زراعية ضخمة حول سد النهضة تنوي إثيوبيا زراعتها بقصب السكر لتتحول إلى مركز دولي لصناعة (السكر) بعدما خربت هذه الصناعة على مدار العشر سنوات الماضية، حيث كانت راسخة حول بحيرة توركانا بدولة كينيا ولسبب جفاف البحيرة بعد استكمال سد (جيبي 3) اضطر المستثمرون الأوربيون إلى نقل استثماراتهم من حول (بحيرة توركانا الجافة) إلى بحيرات أخرى داخل الدولة الإثيوبية قريبة من (سدود نهر أومو) و(سدود نهر تاكيزي).

حيث أعلنت إثيوبيا صراحة للرئيس (ترامب) والوفود الأخرى بأن من حقها هي أيضا الحصول على (حصة مائية) من تدفقات النيل الأزرق مثلها مثل (مصر والسودان)، مُبرّرة طلبها هذا بأنه من غير المنطقي أن تتقاسم (مصر والسودان) حصة النيل الأزرق السنوية ذات الـ (48 مليار متر مكعب) دون منح إثيوبيا دولة المنبع أي تدفقات.

ومن الوهلة الأولى يبدو أن كلام إثيوبيا (حق)، وأنها يجب أن تحصل على حصة من تدفقات النيل الأزرق، ولكن لو دققنا في الأمر بعض الشيء لعلمنا بأن ما يسقط على وادي النيل الأزرق    سنويا من أمطار تعادل قرابة 500 مليار متر مكعب تذهب لملء الخزانات الجوفية لمعظم الولايات الإثيوبية، وجزء منها يُستخدم في الري الموسمي لمناطق زراعية ضخمة موجودة بوادي النيل الأزرق، وأن ما يتجمع من مياه بمجري النيل الأزرق عند مقطع بناء (سد النهضة) يُعادل فقط 10% من إجمالي حجم الأمطار الساقطة على وادي النيل الأزرق داخل الحدود الإثيوبية.

وعليه، فالمستفيد الأكبر من مياه وادي النيل الأزرق ليست هي (مصر)، بل إثيوبيا، وأن ما تحصل عليه مصر من تلك الـ (48 مليار متر مكعب) لا يزيد أكثر من (36) مليار فقط، حيث تحصل السودان على قرابة 12 مليار من تلك التدفقات كجزء من حصتها المنصوص عليها باتفاقية 1959.

وعلى الرغم من موافقة مصر (مبدئيا) على طلب إثيوبيا باستقطاع حصة من تلك التدفقات تعادل (11 مليار متر مكعب) والسماح بتصريف المتبق من المياه، والتي تعادل قرابة (48-11= 37 مليار متر مكعب)، إلا أن إثيوبيا أصرت في المغالة بتلك الحصة، وأصرت على الحصول على (17 مليار متر مكعب) وترك (31 مليار متر مكعب) للدولة المصرية والسودانية، وهذا هو السبب الذي من أجله تركت المفاوضات ورفضت الانصياع لرغبة الرئيس (ترامب) بسماح مرور (37 مليار متر مكعب).

في واقع الأمر ووفقا لما صرح به وزير الري المصري مؤخرا خلال حديثه مع (عمرو أديب) بأن جوهر الموضوع لم يكن كم هي الحصة العادلة للدولة الإثيوبية؟، وهل هي (11 أو 17)؟، بل أن سبب رفض إثيوبيا حضور حفل توقيع اتفاق سد النهضة بمكتب (ترامب) في نهاية شباط/ فبراير الماضي هو أنها (ببساطة) لا تريد توقيع أي اتفاقية مع (مصر). فلقد اكتفت إثيوبيا بتوقيع (اتفاقية مبادئ سد النهضة) مع السيسي شهر آذار/ مارس 2015، والتي صارت هي أول (اتفاقية دولية في التاريخ الإنساني) يتم التوقيع عليها بدون أي (مفاوضات البتة).

ولماذا توقع (إثيوبيا) على اتفاقية للنيل مع (مصر) وهي لديها اليوم اتفاقية المبادئ لسد النهضة، والتي بها تم (إلغاء) كافة الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية (1902 و1929)، والتي كانت تحفظ للدولة المصرية حصتها من النيل الأزرق وتمنع إثيوبيا من بناء أي سدود على النيل الأزرق. فأي اتفاقية جديدة مع الدولة (المصرية) سوف يقلل من مكاسب الدولة الإثيوبية التي حصلت عليها يوم 23 آذار/ مارس 2015.

 


 

وفقا لتصريحات وزير الري المصري مؤخرا بأن مصر قد وافقت على شراء الكهرباء من (سد النهضة) لإقناع إثيوبيا بـ (حسن نية الدولة المصرية) كما وعدت مصر الدولة الإثيوبية بضخ الكثير من الاستثمارات تحت ما يسمي خطة (تنمية وادي النيل الأزرق)، والذي سوف يزيد من المساحات الزراعية حول النيل الأزرق داخل السودان، بالإضافة للمشاركة المصرية الفعلية في مجال تحسين البنية التحتية للدولة الإثيوبية.

على الجانب الأخر، أعلنت مصادر إثيوبية بأنها قد أوكلت شركة الكهرباء (الإسرائيلية) بتولي (إدارة كهرباء) كامل منظومة السدود التي سوف تبني على نهر النيل الأزرق، والتي تضم (سد النهضة + إخوته الثلاثة العلويين)، حيث سيقدر حجم ما تخزنه تلك المنظومة الهيدروليكية بقرابة (200 مليار متر مكعب) تعادل حجم التخزين في بحيرات السدود مُضاف إليها حجم الفواقد.

وكان من المنتظر الانتهاء من بناء تلك المنظومة بنهاية عام 2024، إلا أن تأخر استكمال (سد النهضة) بسبب الفساد الذي أصاب (الإنشاءات والتركيبات الميكانيكية والكهربائية) تسبب في إزاحة المخطط قرابة 3 سنوات ليكتمل مع نهاية عام 2027.

ولربما كانت رحلات وزير الخارجية المصري (سامح شكري) للعديد من الدول العربية والغربية الأيام الماضية هي بغرض (حشد) دبلوماسي عالمي ضد (إثيوبيا) تمهيدا لحل (عسكري) قد حفز رئيس الدولة الإثيوبية ورئيس وزرائها بالرد على رحلات (سامح شكري) برحلات مكوكية حول العالم وخاصة داخل الدول الإفريقية لإظهار الدولة المصرية بأنها (تتنمر) على إثيوبيا، لأن إثيوبيا تحمل آمال دول حوض النيل الهادفة لإنهاء (سيطرة مصر) على النيل، وأن النيل هو حق لجميع دول الحوض وليس مصر فقط.

ومع تزايد (الحشد الإعلامي) بين الدولتين وظهور الكثير من الفيديوهات المسجلة من قبل إدارة الشؤون المعنوية للجيش المصري عن (القدرات الخارقة) للسلاح الجوي المصري في تدمير ما هو أكبر وأضخم من السدود الإثيوبية يتزايد في نفس التوقيت على الجانب الأخر حشد شعبي (شرس) ضد الدولة المصرية، وكيف أن الجيش الحبشي قد هزم (حملة الخديوي إسماعيل) على إثيوبيا في القرن التاسع عشر، وأن الجيش الإثيوبي هو جيش (لا يُقهر) وأسألوا الإيطاليين عنه فهم خير من ذاقوا بأسنا في معركة (عدوة الكبرى).

والسؤال هنا ومع تزايد الحشد (الشعبوي) بين الطرفين: هل يمكن أن تحدث حرب (مصرية- إثيوبية) حول سد النهضة. الجواب للأسف (ممكن) جدا بشرط موافقة (ترامب)، والسادة الكبار المستفيدون في كل وقت من بيع الأسلحة لشعوب العالم الثالث. وقد تكون الدولة المصرية بما لديها من طائرات رافال فرنسية قادرة على تدمير (سد النهضة)، إلا أن ما نُشر خلال العام الماضي عن رفض أمريكا السماح لفرنسا بيع صواريخ (Storm Shadow) لمصر بسبب حساسية التكنولوجيا الراقية بهذا النوع من الصواريخ، وهذا ما جعل طائرات الرفال التي اشتراها السيسي قبل 5 أعوام غير صالحة لمهمة تدمير سد النهضة وأكتفى بها لتعمل له (شقلباظات جوية) أثناء (زفة السيسي) عند مغادرته أو رجوعه لمصر.

ولربما أيضا ولهذا السبب (تحديدا) زارت وزير الصحة المصرية (هاله زايد) دولة الصين في بداية شهر آذار/ مارس بعد اجتماعها مع السيسي قبل مغادرتها للصين بعدة ساعات ليتخفى في زياراتها (وفد عسكري) وصل للصين ضمن المرافقين بهدف (التفاوض) مع فريق عسكري قادم من (كوريا الشمالية) بغرض شراء مصر لصواريخ تكافأ صواريخ Storm Shadow . حيث طلب السيسي من وزير دفاعه زيارة باكستان في نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي طلبا لوساطة (باكستان) لدي الصين بوضع (ضغوط) على (كوريا الشمالية).



 

فالعلاقات الدبلوماسية بين (مصر وكوريا الشمالية) منقطعة منذ عام 2016 بسبب القبض على سفينة (كمبودية) تحمل صفقة (صواريخ) كان اشتراها السيسي من (كوريا الشمالية) لحل مشكلة صواريخ Storm Shadow، إلا أن جريدة نيويورك تايمز نشرت أخبارا قبل وصول الصفقة لقناة السويس بيوم تتهم السيسي في شراء تلك الصواريخ من (كوريا الشمالية) فحلف السيسي 1000 يمين لـ (ترامب) بأنه لم يشتر أي صواريخ من (كوريا الشمالية)، وأعلن قطع العلاقات معها في نفس التوقيت. ولهذا ترفض دولة (كوريا الشمالية) أي تعاون عسكري مع (مصر)، ولهذا تطلب وضع ضغط (صيني) عليها لتمويل السيسي بالصواريخ التي تحتاجها (الرفال) لربما يحتاجها في أي عمل عسكري ضد (سد النهضة).

بكل صدق لا أعلم (حقا)، هل من (حظي) أو من (سوء حظي) أن يرتبط اسمي بفاعليات (سد النهضة) وذلك من خلال ظهوري المتكرر على شاشات القنوات الفضائية، وأيضا على صفحات الجرائد. 
وقد يتوقع (البعض) مني أن (أدعم) السيسي والدولة المصرية في أي رد فعل (عنيف) على (إيقاف مفاوضات سد النهضة)، وأنه من (الخيانة للوطن) أن لا أساند (السيسي وجيش خير جنود الأرض) في حالة أي (هجوم) على سد النهضة، ولكني للأسف كــ (محمد حافظ) أستاذ هندسة السدود بجامعة (يونتين- بماليزيا) لا يمكنني دعم هذا التوجه أو التشجيع عليه لعدة أسباب، ولكن أهمها هو (سبب فني بحت).

فتدمير (سد النهضة) باستخدام (القنابل الفراغية) مثل قنبلة (نصر 9000)، والتي صمّمها وزير الدفاع السابق عبد الحليم أبو غزالة، وتم (تجربتها) شهر تموز/ يوليو وأيلول/ سبتمبر الماضي بمكان على بعد 60 كم (شرق القاهرة)، وأحدثت هزة أرضية بقوة (2.7 و 4.4 ريختر) لن يحل مشكلة (مصر) في الحصول على ما كانت تحصل عليه قبل بناء (سد النهضة)، وذلك لأن (تدمير سد النهضة عن طريق الدك) سيحول قرابة 10 مليون متر مكعب من الخرسانة الـ (غير مسلحة) لغبار وتراب يغطي منطقة سد النهضة بالكامل بطبقة من (الغبار والتراب) يزيد ارتفاعها عن (15 متر)، وهذا (الردم) كافي جدا بسد مجرى النيل الأزرق عند موقع سد النهضة، حيث سيتكلس هذا الغبار مرة أخرى مشكّلا عقبة (خرسانية) منتشرة على كامل الموقع، والتي (حتما) ستغلق مجري النيل الأزرق، مما سيؤدي لنشر المياه بالمناطق المنخفضة عن منسوب قاع (سد النهضة)، ومع تزايد تدفقات النهر بحلول موسم الربيع سوف تتزايد ضغوط الماء تدريجيا لتحفر لنفسها مجرى إلى حيث الطبوغرافية (المنخفضة) في اتجاه دولة (جنوب السودان)، والتي هي أصلا غارقة في مستنقعات النيل الأبيض وليست في حاجة بتاتا ليفيض عليها النيل الأزرق بأكثر من ضعف ما يأتي به النيل الأبيض.

فالهجوم الجوي المصري على (سد النهضة) لن يكون بمثابة (نزهة) للسلاح الجوي المصري، بل سيكون تحدي (حياة أو موت) تحت فوهات سلاح الدفاع الجوي الإسرائيلي الذي تم تنصيبه حول السد لصد أي هجوم عسكري مُحتمل من الدولة المصرية. وأن الأمر لن يكون (مجرد) معركة جوية، بل حرب طويلة بين البلدين ولنا في بدايات الحرب (العراقية- الإيرانية) عام 1980 خير مثال في كيفية تطور الحرب من (نزهة) إلى خراب شامل ضرب البلدين لمدة (8 سنوات).