قضايا وآراء

اسرق كأنك فنان

1300x600
سرقت عنوان مقالي "اسرق كأنك فنان" من عنوان كتاب أوستن كليون (مواليد 1983)، أحد الكتب الأكثر مبيعا حسب تقييم نيويورك تايمز! ولم تأت السرقة من فراغ أو سوء نية؛ ولكن بعد تشجيع المؤلف نفسه لي على ذلك؛ حيث يرى أن المصدر الوحيد للإبداع في العالم هو السرقة! ويستلهم ذلك من عبارة لبيكاسو قال فيها: الفنان الجيد هو من يقلد، أما الفنان العظيم فهو من يسرق.

والسرقة هنا ليست مقصودة بشكلها البغيض أو المحرم، وإنما يمكن تسميتها الاستلهام أو المحاكاة؛ حيث يجتهد المرء في تقليد أفكار غيره من المبدعين والمتميزين ويحرص على التعلم منهم ثم بعد إتقان تقليد أفكارهم يبني عليها، فهو يأخذ عشرات الأفكار من الآخرين ثم يضيف عليها قيمة مضافة منه، وهذا يأتي بالضرورة لا بالاختيار حسب رأي كليون.

ودليل ذلك برأيه يتحقق بمثال عن لاعب هاو في كرة قدم يقلد حركات لاعب متميز محاولا الوصول لمستواه، مع إدراكنا جميعا أن هذا اللاعب مهما اجتهد فلن يستطيع استنساخ الآخر حرفيا لاختلاف البنية الجسدية وأمور أخرى بينهما. وهنا يكون الهاوي قد قام فعلا من وجهة نظر كليون بسرقة الحركة، والبناء عليها تعديلا وتحويرا ضمن قدراته وإمكاناته لتصبح مناسبة له.

كليون في كتابه "اسرق كأنك فنان" يتحدث عن أشياء لم يخبرك بها أحد عن الإبداع ومنها:

أن السرقة تشكل مصدر الإبداع الوحيد! ويطلب من القارئ عدم تصديق من يقول خلاف ذلك، ويرى أن جميع الإبداعات البشرية الماثلة أمامنا مبنية على أفكار سابقة وليست أصيلة، بمعنى آخر مسروقة، داعيا بنفس الوقت لنسبة الأفكار لأصحابها الحقيقيين ثم البناء عليها، فهو يروج لسرقة لا تبرر اختلاس جهد الغير دون الإشارة له، وإنما يقول الشخص (السارق) أنه طور فكرته مستفيدا من فكرة فلان وتجربة علان.. الخ.

ويضيف كليون في كتابه "اسرق كأنك فنان": إن المهارة الشخصية تكمن في تجميع الأفكار الأكثر جودة وتمييز المناسب منها وتحصيله، وترك غير المناسب وإهماله.

ويجب على من يسعى لاستلهام أفكار مبدعة أن يهتم بخلق بيئة مناسبة يوجد نفسه بها، والمرء يكتسب موهبته بقدر إحاطة نفسه بشخصيات مبدعة.. "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" (حديث نبوي). وعلى قدر ما كان إيجاد البيئة المناسبة صعبا في الماضي أصبح الأمر سهلا ومتاحا بيسر في واقعنا المعاصر؛ حيث تستطيع خلق بيئة مناسبة لك عبر عالم الإنترنت الافتراضي إن لم تجدها في العالم الحقيقي المحيط بك.

وينصح في هذا المجال بالتحلي بالثقة واليقين بأن ما يتمتع بِه المحيطون بِك من حولك ليس بالضرورة حقيقيا، فكثيرون يتظاهرون بقدرتهم وكفاءتهم رغم اعتقادهم بأنهم أقل من ذلك حقيقة، وهذا يساعدهم كثيرا في عالمنا (هم في الحقيقة ليسوا أقل قدرة، ولكن ضعف ثقتهم بأنفسهم جعلهم يعتقدون ذلك).

ولا صحة لمقولة أنك محتاج لتعرف نفسك أين تقف حتى تعرف كيف تتحرك وتصل لما تريد، كل ما في القصة أن عليك أن تتحرك بأي تجاه وأي طريقة ممكنة وستكتشف مهاراتك بالطريق، لأن الوقت قد يضيع منك وأنت تبحث عبثا عن نفسك.

الاختلافات الفردية تمنع الناس من إنتاج نسخ طبق الأصل، وهذا يساعد برأي كولين الأشخاص على اكتشاف قدراتهم الفردية ومواهبهم الخاصة.

وإذا كنت متأثرا بشخص معين فابحث في العوامل التي ساعدت على إبراز قدرات ذلك الشخص والوصول لما وصل إليه، واذهب واغرف من نفس تلك المصادر. وهنا يدعو كولين للحفظ في طريق الفهم، بمعنى أنك إذا كنت تريد تعلم شيء فاحفظه حتى تسهل على نفسك فهمه لاحقا، وهذا من وجهة نظري يساعد في تعزيز الثقة بالنفس، حيث تشعر بامتلاكك شيئا ما تبرز به نفسك وتعزز ثقتك بذاتك. والثقة بالنفس هنا مسألة في غاية الأهمية لمن يريد التقدم بحياته.

تعالوا، أفرادا وجماعات، ننظر لمن تقدموا في تجاربهم من المحيطين بِنَا ونسرق ما لديهم من أفكار، ونبحث عن المصادر التي استقوا منها جوانب نجاحهم ونتحرك ونستعجل، فنحن في عصر السرعة وفِي زمن لم تعد فيه الأسماك الكبيرة تأكل الأسماك الصغيرة فحسب، وإنما غدت فيه الأسماك السريعة وفقط السريعة قادرة على سبق الكبيرة مهما كانت ضخمة ومفترسة.