قضايا وآراء

فلسطين في أدبيات الإخوان المسلمين.. بين الخدعة والحقيقة

1300x600

هكذا برر إخوان المغرب التطبيع مع المحتل

 

يرى الكثير من العرب على اختلاف توجهاتهم القومية أو اليسارية، لا سيما الإسلامية، أن مشهد توقيع سعد الدين العثماني أمين عام حزب العدالة والتنمية المغربي، المحسوب على تيار الإخوان المسلمين، وإن نفى ذلك على لسان أمين عام الحزب السابق عبد الإله بنكيران، بمثابة خيانة للقضية المحورية للعرب، ومتاجرة بدماء العرب والمسلمين الذين ضحوا من أجل مقدسات العرب والمسلمين في فلسطين منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى يوم الناس هذا.

لكن في المقابل، ترى قيادات العدالة والتنمية أن توقيع سعد الدين العثماني على وثيقة التطبيع، واتفاقيات التبادل الثقافي والتجاري، عمل تاريخي ستذكره الأجيال القادمة، وستكتبه بأحرف من نور، وهو ما أكد عليه عبدالإله بنكيران، رئيس وزراء المغرب وأمين عام الحزب السابق. ففي كلمة له بثها مباشرة عبر صفحته على "فيسبوك"، عبّر عن رفضه مطالبة البعض بإقالة سعد الدين العثماني من منصبي رئيس الحكومة وأمين عام الحزب، عقابا على توقيعه على اتفاق التطبيع. وأكد على أن الحزب جزء من بنية الدولة التي يترأسها الملك محمد السادس المخول باتخاذ القرارات السيادية، كما وصفها، مضيفا أن الحزب لا يمكن أن يخذل الدولة في أمر يتعلق بسيادته!

لكن تبريرات كل من العثماني وبنكيران لم ترق لعقول البسطاء، فطاعة ولي الأمر شماعة، بل وتهمة اتهم بها المداخلة والجامية.

كيف ينظر المحتل الإسرائيلي للإخوان؟

لم تكن حركة الإخوان المسلمين تشكل خطرا كبيرا على الكيان المحتل الناشئ على الأراضي الفلسطينية، وتحول هذا الفكر بعد دخول الإخوان المسلمين على خط الصراع، وإظهارهم بأسا شديدا في قتال عصابات الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، بشهادات قادة العصابات الصهيونية في تلك الفترة، مع ذلك تحول الأمر بعد التغيرات التي طرأت على المنطقة، وعلى رأسها استشهاد المؤسس، ثم تولي العسكر مقاليد الأمور في مصر وعدد من البلدان العربية، والصدامات التي نشبت بين أنظمة الحكم في تلك البلدان والإخوان المسلمين المنهكين بالأساس من كثرة الاعتقالات والملاحقات.

وفي سبعينيات القرن الماضي، نظر المحتل الإسرائيلي للإخوان على أنهم حلفاء ضد الشيوعيين، بسبب الاختلافات الفكرية بين الطرفين، في وقت كانت فيه الحكومات العربية تستكمل صراعها مع الإخوان، ما جعل الاحتلال يرى فيهم حليفا، من غير اتفاق، ضد عدو مشترك.

وتتأرجح هذه الفكرة صعودا وهبوطا حتى دخول حركة حماس على خط المواجهة المباشرة مع الاحتلال، بعد أن كانت مجرد حركة اجتماعية تبني المساجد والمستشفيات، ثم تتحول النظرة بالكلية بعد وصول الإخوان في مصر إلى سدة الحكم، وموقفهم من حرب غزة عام 2012 والذي صورهم على أنهم خطر وجودي على الكيان الغاصب، ما دفع إلى محاربتهم حتى إسقاطهم بانقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013. وقد اعترف بعض قادة الاحتلال بضلوعهم في هذا الانقلاب، ومن هذه الاعترافات ما أدلى به من شهادة في الإذاعة العبرية الرئيسُ الإسرائيلي السابق شمعون بيريز جاء فيها: "أخشى أن يوجه المصريون غضبهم إلى إسرائيل بعدما فضح الإعلام دور نتنياهو الكبير في دعم الانقلاب على مرسي".

فلا يزال الاحتلال يرى في الإخوان المسلمين الخطر الأكبر، رغم إسقاطهم في مصر وملاحقتهم في تونس والسودان وموريتانيا والخليج العربي، واستصدار قرارات سياسية بملاحقتهم في أوروبا. إذ يرى الاحتلال أن الحركات الإسلامية جميعها خرجت من عباءة واحدة، وأنها جميعا حركات عنيفة، وإن بدا بعضها معتدلا، فهذا من باب تحين الفرصة المناسبة فحسب.

توقيع العثماني فخ وقع فيه إخوان المغرب

بنظرة بسيطة على مستوى التمثيل الذي ظهر في توقيع اتفاق التطبيع بين المغرب والكيان المحتل بوساطة أمريكية، كان من الجانب الصهيوني المستشار الخاص لرئيس الوزراء الإسرائيلي مائير بن شبات، ومن الجانب الأمريكي الراعي للاتفاق مستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، مهندس التطبيع العربي والذي ظهر خلف الرئيس ترامب في توقيع الاتفاق مع كل من الإمارات والبحرين، وقد كان حضور ترامب، رغم أن التوقيع كان بين وزراء خارجية كل من الإمارات والبحرين ورئيس وزراء الكيان المحتل، مبررا بروتوكوليا بحضور نتنياهو.. لكن في المغرب، وعلى الرغم من حضور الملك محمد السادس، إلا أن كوشنر وبن شبات أصرا على حضور سعد الدين العثماني، إذ أريد إحراج العثماني والإخوان عامة من خلال حضور رمز من رموز الإسلاميين في العالم العربي، بل والتوقيع بخط يده على اتفاق التطبيع، على الرغم من ثوابت حزبه الرافضة للتطبيع، وهو ما يراه البعض فرصة واتت الملك لضرب الحزب من الداخل لصالح المخزن، ليربح الجميع ويخسر الإخوان في المغرب وخارجه.

القضية الفلسطينية بين مشروع البنا ومشروع الخميني

في دراسة منشورة للمركز الفلسطيني للإعلام بعنوان "الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية" للأستاذ محسن صالح، جاء أن البنا في نظرته للقضية الفلسطينية يحيي معاني الإسلام في النفوس وتخليص البلاد الإسلامية من الاستعمار بكافة أشكاله، ومن ثم فإن قضية فلسطين هي نتاج طبيعي لفهمه للإسلام وتعد من صميم برنامج عمله وجماعته، "بل ومحكّ لاختبار مصداقية وجدّية فكره ودعوته" بحسب تعبير صالح. ويرى صالح أن البنا استطاع أن "يربط طرح الإخوان بشكل مُحكم بين الإسلام وفلسطين، وهو طرح لا يقرّر فقط المكانة الدينية لفلسطين أو الترابط العاطفي والتاريخي معها، ولكنه يعمل لتحمّل مسؤولية العمل والجهاد، ويعدّ التخاذل عن نصرتها تخاذلا عن نصرة الإسلام نفسه.. ولذلك فحسب الإخوان فإن القول "مالي ولفلسطين في هذه الظروف" معناه مالي وللإسلام" (انتهى).

مما تقدم نجد أن البنا ربط بشكل عضوي القضية الفلسطينية بالإسلام، ومن ثم بدعته التي يراها تجديدا لروحه في نفوس المسلمين في زمنه، وهو ما يراه البعض استفادة من الظرف الذي كانت تعيشه الأمة من سلب جزء مهم من أراضيها في فترة عجزت فيها الأنظمة التي حاول البنا أن يملأ فراغها شعبيا بقيادة روحية تعيد الخلافة الإسلامية.

حدد الخميني أسباب ضياع القدس وفلسطين في الكتاب الذي حررته "جمعية مراكز الإمام الخميني الثقافية" بعنوان "القدس في فكر الإمام الخميني" يقتبس المحرر من كلماته: "إن كثيرا من حكومات البلدان الإسلامية ونتيجة للانهزام النفسي أو لعمالتها تنفذ المخططات الخيانية والرغبات المشؤومة الاستعمارية المعادية للإسلام والتي تهدف إلى ترسيخ هذه الأوضاع المأساوية للمجتمع الإسلامي والى تسليط "إسرائيل" على أرواح وأموال وأراضي الأمة الإسلامية". ومن ثم يدعو للجهاد من أجل تخليص الأراضي المقدسة من بين براثن العدو والتخلص من الأنظمة العميلة التي نفذت مخططات تسليم مقدسات المسلمين للصهاينة، وعليه فيجب رفض المعاهدات التي شرعنت وجود المحتل على أراضي فلسطين، فيقول: "إن معاهدة كامب ديفيد وأمثالها تهدف إلى منح الشرعية لاعتداءات "إسرائيل" وقد غيرت الظروف لصالح إسرائيل".

ببساطة يمكن ملاحظة أوجه الشبه بين الخطابين، وكأن قضية فلسطين مطية كل راغب في الوصول إلى قلوب وعقول المسلمين، ولعل القارئ من كل طرف يلعن كاتب هذه السطور لوضع الرجلين في كفة واحدة، ولكن الظاهر يذهب بنا إلى هذه النتيجة، رغم أن الأدلة والبراهين قد تذهب بنا إلى أوزان أخرى.

هل خدع الإخوان أنصارهم بالقضية الفلسطينية؟

إذا كان ظاهر الخطابين يذهبان بنا إلى التسوية بين فكر البنا وفكر الخميني، فإن سؤالا عريضا مفاده: هل خدع الإخوان أنصارهم بالقضية الفلسطيني كما يرى البعض؟ أم أن الدماء التي سالت على أرض فلسطين كفيلة بإثبات أن البنا هو الحق وما دونه إفك؟ وما يهمنا هنا ليس إثبات البطولات ولا ذكر المواقف أو كتابة التاريخ الذي لا يزال بعضه يعيش بيننا، وإنما هو كيف ينظر الاحتلال الصهيوني للإخوان المسلمين؟ وهل ينظرون للإخوان ككتلة واحدة، فإخوان طنجة كإخوان جاكرتا؟

لقد استطاع الصهاينة في شهرين اثنين أن يحققوا ما لم يستطيعوا تحقيقه على مدى تاريخهم حتى بعد اتفاق السلام مع مصر أو ما يسمى مجازا كامب ديفيد، أو في اتفاق وادي عربة مع الأردن. فتغيير الاستراتيجية واستغلال نقاط ضعف كل دولة، وحاجتها والنفاد من خلال ذلك، كان اختراقا كبيرا. فمن جهة استطاع الاحتلال من خلال إدارة ترامب المتماهية مع تل أبيب أن ينفذ رغبته، ومن ناحية استغل حاجة الأنظمة التي طبعت، كل حسب احتياجه؛ الإمارات التي تبحث عن زعامة العرب، والبحرين التي تواجه أزمة داخلية مصدرها إيران، والسودان الذي يعاني من عقوبات بعد وضعه على قائمة الدول الراعية للإرهاب، والمغرب الذي يبحث عن وضع يد هادئة على الصحراء. والكل يخشى إيران بعد أن تغيرت الأيديولوجية بطرق ناعمة ليصبح العدو الحقيقي هو إيران كأولوية أولى بعدما كانت في المرتبة الثانية، كل هذا حدث في فترة يعيش فيها الإخوان المسلمين ما بعد نقطة الانعطاف في منحنى الحياة.

في دراسة للدكتور أحمد الجندي، أستاذ الدراسات اليهودية والصهيونية، بعنوان "الخطاب الرسمي الإسرائيلي عن جماعة الإخوان المسلمين بمصر خلال الفترة من 2010 – 2020"، يقول: "يدرك الإسرائيليون أن طبيعة جماعة الإخوان تختلف في كل بلد عربي عن الآخر بحسب الظروف السياسية وطبيعة نظام الحكم، والظروف الاجتماعية والاقتصادية. فعلى الرغم من الاشتراك في المفهوم الإسلامي الكامن وراء أيديولوجية الإخوان المسلمين منذ نشأتها، فإن كل ممثل للحركة في العالم هو في الحقيقة أسير الواقع السياسي والتحديات المحلية التي عليه التعامل معها" (انتهى).

فإذا كان الإخوان المسلمين يعيشون في نقطة ما بعد الانعطاف لكل ما ذكر من تحليل القادة في تل أبيب لمكونات الإخوان غير المتماثلة، وإذا كانت الظروف قد دفعت إلى توقيع العثماني على اتفاق التطبيع رغم رفضه أيديولوجيا، وإن كانت الجماهير تتوقع رد فعل مغاير، فإن الواقع أو المبرر الذي ساقه بنكيران يشكل قناعة ما لدى إخوان المغرب. ورغم أن بنكيران أكد في حديثه الذي ذكرناه أن حزبه يرفض التطبيع، إلا أن البعض يرى أن ما كان خيانة. والخلل هنا في تعريف الخيانة من منظور كل طرف، وهل الخيانة تنسحب على الفكر أم على الموقف والأشخاص، ومن ثم هل خُدع إخوان المغرب في خطاب البنا، أم أن قادتهم هم من خدعوهم؟