دعا السياسي المصري البارز، محمد البرادعي، إلى وضع حد لما وصفها بالحروب العبثية، وعمليات "سفك الدماء"، التي قال إنها تسحق الشعوب العربية، داعيا إلى تأجيل الخلافات الإقليمية، ولا سيما مع تركيا وإيران.
وفي مقال له، طالب البرادعي، مدير وكالة الطاقة الذرية الدولية السابق، بالسعي لحل الخلافات من خلال الحوار والتعايش المشترك، مؤكدا أن "هذه الحروب ما زالت وصمة عار على ضميرنا الجمعي".
وقال البرادعي: "في العالم العربي اليوم ظاهرة خطيرة لتصنيف هويات البشر من خلال بُعد واحد، سواء كانت دينية أم طائفية أم عرقية أم قومية. وكثيرا ما نسمع أصواتا تقول إنه لا يوجد ما يسمى بالعالم العربي أو إن الدين الإسلامي هو هويتنا الوحيدة أو إن الاضطهاد الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني لا يخصنا".
وأضاف البرادعي، في مقاله الذي نشره موقع "الجزيرة مباشر"، أن "هذا الاضطراب وعدم اليقين بشأن هويتنا هو رد فعل ونتيجة لعقود من سوء إدارة مقدراتنا من قِبل حكام مستبدين، كثيرا ما انغمسوا في صراعات على السلطة من أجل مصالحهم الشخصية وعلى حساب المصلحة العامة".
"تآكل التماسك المجتمعي"
وتابع: "لقد ساهم هذا التوجه الخطير في النظر إلى الهوية في تآكل التماسك المجتمعي وتشرذم العالم العربي. كما أنه زج بمناطق كثيرة منه في دوامة من العنف والبؤس. وللأسف فإن هذا التوجه مخالف تماما لواقع عالمنا اليوم، والذي يتسم بالحركة الدائمة للأشخاص والبضائع والأفكار والتبادل الحيوي بين الثقافات".
وأشار البرادعي إلى أن "الهوية أصبحت متعددة الأبعاد ومركبة بشكل أكبر من ذي قبل"، وأن "هناك جهودا حثيثة لإبراز القواسم المشتركة بين البشر والتقليل من أهمية الاختلافات، وذلك بهدف تعزيز التعايش السلمي بين الشعوب والأمم".
واستطرد السياسي المصري البارز، قائلا: "من المهم في هذه اللحظة العصيبة التي يعيشها العالم بسبب الجائحة أن نبدأ في التفكير في إعادة ضبط مسارنا الحالي، وتحديد اختياراتنا التي ستكون ذات أهمية جوهرية في رسم مستقبلنا".
وأضاف: "إذا انتهينا، كما آمل، إلى أن من مصلحتنا التقارب والعمل المشترك، فإنه يجب علينا أولا أن نتوقف عن التستر على عيوبنا أو إلقاء اللوم على الآخرين. وبعدها نبدأ في حوار عميق ورصين تشارك فيه النخب المثقفة عبر العالم العربي سواء في الداخل أو الخارج، وهي النخب التي تم تهميشها إلى حد كبير. ومن أجل أن يكون لهذا الحوار جدوى وتأثير، فإنه يجب أن يشارك فيه كذلك المجتمع المدني الذي استبعد وقمع لفترات طويلة وذلك بهدف أن تكون الشعوب حاضرة في هذا الحوار".
اقرأ أيضا: محمد علي بشر.. رجل "إطفاء الأزمات" حبيس سجون السيسي
عقد اجتماعي جديد
وتابع البرادعي: "إننا في مناطق كثيرة من العالم العربي لم نتمكن حتى من التوافق على العقد الاجتماعي المطلوب الذي يحدد القيم والمبادئ الأساسية اللازمة لضمان التماسك الاجتماعي. إن العلاقة الملتبسة في بعض الأحيان والمثيرة للجدل في أحيان أخرى بين الدين والأخلاق والقانون والتي تسببت في إثارة العديد من النزاعات والخلافات هي مثال واضح على هذا الأمر".
ولفت إلى أن "مثل هذا الحوار سيؤكد لنا أن الجامعة العربية، التي اعتبرت تجسيدا لهويتنا الرئيسية، قد أصبحت ميتة إكلينيكيا. كما سيوضح لنا أيضا أن نظام أمننا الإقليمي قد انقلب رأسا على عقب وأصبح يعتمد على الاستعانة بقوى خارجية في كثير من الأحيان. هذا بالإضافة بالطبع لما أظهره الربيع العربي من وجود حاجة ملحة لإصلاح أنظمة الحكم من حيث سيادة القانون والمشاركة السياسية وحقوق الإنسان".
ورأى أن العالم العربي بحاجة ماسة إلى "نظام ديمقراطي للحكم يتسم بالشفافية والمحاسبة يدعمه مجتمع مدني نشط. كما أننا بحاجة ماسة إلى أن نتعلم العيش معا داخل وعبر الحدود كأمة واحدة تقبل التعدد وتحترم الأقليات".
وشدّد البرادعي على أن "هناك أهمية قصوى لوجود نظام أمن إقليمي قائم بذاته يعتمد على أعضائه ويمكن الوثوق في قدراته لحمايتنا وحماية مصالحنا. ويجب أن يكون هذا النظام قادرا على المبادرة في التعامل مع العلاقات المعقدة مع جيراننا".
العلاقة مع إيران وتركيا
وشدد البرادعي على ضرورة "الحوار مع إيران وتركيا اللتين نتشارك معهما في الكثير، ونختلف معهما في الكثير، هو أمر لا يحتمل التأجيل"، مؤكدا أن "من الأولويات الحيوية وجود استراتيجية موحدة وواضحة بشأن كيفية التعامل مع إنكار إسرائيل السافر للحقوق الفلسطينية".
وأردف: "نحن بحاجة إلى اللحاق بالعالم الحديث عن طريق الاستثمار في مراكز التكنولوجيا المتقدمة وجامعات الصف الأول على مستوى العالم ومراكز الدراسات، وذلك لكي نصبح مساهما فعالا في الحضارة وليس مجرد مشاهدا سلبيا".
واختتم البرادعي بقوله: "إنها بلا شك مهمة شاقة، لكن آمل أن يكون لدينا الشجاعة والحكمة للبدء في اتخاذ الخطوات الأولى. إن عملية الإصلاح التدريجي والشامل أمر لا مفر منه والوقت ليس في صالحنا إذا أردنا أن نتجنب المزيد من التدهور وخطر اندلاع قلاقل واضطرابات لا يمكن التحكم فيها".
روسيا تدعو العراق للمشاركة بـ"أستانا".. و"الدستورية" حاضرة