تشهد الساحة الشمالية لسوريا، حراكا واسعا من الأطراف والجهات الفاعلة مع تلميح تركيا عن عملية عسكرية محتملة ضد الوحدات الكردية المسلحة.
وتواصل القوات التركية تعزيزاتها وتموضعها في شمال سوريا، في الوقت الذي تؤكد فيه الأوساط التركية أن العملية العسكرية قد تكون في أي لحظة، وسط حراك دبلوماسي مع روسيا والولايات المتحدة.
وأمام الحراك التركي، استأنف نظام الأسد محادثاته مع مسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي، وسط تحركات ميدانية بين الطرفين لمواجهة العملية العسكرية التركية المحتملة.
والخميس الماضي، أنهت وحدات حماية الشعب الكردية، حصارا كان مفروضا على قوات النظام السوري في مدينة قامشلي شمال شرق سوريا، بعد نحو خمسة أشهر من فرضه.
وذكرت وكالة الأناضول، أن عناصر التنظيم الكردي أزالوا حاجزي "القوتلي" و"مدينة الشباب" من محيط المربع الأمني وسط المدينة الذي يضم مقرات للقوى الأمنية التابعة للنظام.
والأربعاء الماضي، صرح ألدار خليل، أحد قادة التنظيم لقناة "روسيا اليوم"، بأن "ي ب ك" مستعد للحوار مع النظام السوري دون شروط.
الكاتب التركي أتشيتينار أتشيتين، في مقال على صحيفة "خبر ترك"، ذكر أنه مع بداية الحرب الأهلية عام 2011، وتحركات المعارضة عبر تركيا، فقد فتحت دمشق بطاقة منظمة العمال الكردستاني، والتي من شأنها أن تشعل توترا إقليميا في المنطقة، حيث يرى النظام السوري أن تأثيراتها على تركيا أكبر من تأثيرها على دمشق.
اقرأ أيضا: ناشونال إنترست: القوات الأمريكية في سوريا دون هدف واضح ومحدد
إقالة مظلوم عبدي
وتطرق الكاتب إلى الأنباء المتواردة حول إقالة القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي، من منصبه، والذي يعتبر مهما جدا للولايات المتحدة والغرب، وتعيين محمود الرش بديلا عنه وهو من أحد الشخصيات المقربة من الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني جميل بايك.
وذكر أن القرار الجديد غير مريح بالنسبة للولايات المتحدة، لافتا إلى أن إدارة قنديل تحاول تطوير استراتيجية جديدة، بعد تكبد منظمة العمال الكردستاني خسائر فادحة في السنوات الخمس الماضية في منطقة غارا وزاب وهفتانين في شمال العراق، حيث تحاول قياة المنظمة تفعيل هذا الخط من جديد، وتعيين الرش خطوة رائدة بهذا الاتجاه.
وتسعى المنظمة لنقل 450 من أصل 560 مسلحا من عناصر "الفرقة" في سوريا إلى تلك المناطق في شمال العراق، في الوقت الذي تعزز فيه القوات التركية من تواجدها هناك.
قوات النظام تعزز مواقعها.. ولقاءات مع الأكراد
وحول الحراك في الشمال السوري، فإنه في الوقت الذي عززت فيه قوات النظام السوري مواقعها في ريف الرقة الشمالي، بدأت القوات الروسية ببناء قاعدة عسكرية في منبج وإرسال تعزيزات، وسط تقارير تشير إلى اشتباكات متكررة بين الجيش الوطني السوري، والوحدات الكردية المسلحة في تل رفعت.
وأشار الكاتب التركي إلى أن قادة حزب الاتحاد الديمقراطي، الذين يواصلون لقاءاتهم مع دمشق، تلقوا ضمانات روسية أمريكية لضمان حمايتهم، وهذا صحيح جزئيا.
ويجري الحديث عن إرسال قوات النظام السوري المتواجدة في المطار العسكري في بلدة الطبقة، قاذفات صواريخ وتعزيزات عسكرية وذخيرة إلى منطقة عين عيسى، كما أن قوات الأسد تعزز من تمركزها في جنوب الباب وتل تمر، على خطوط التماس مع الجيش الوطني السوري المتواجد في منطقة الباب.
وفي الوقت ذاته وصلت تعزيزات مكثفة للوحدات الكردية المسلحة إلى منطقة عين عيسى وتل تمر، ما يدل على تعاون فعلي بين "قسد" ونظام الأسد في الشمال السوري.
هل تنجح تحركات النظام والوحدات الكردية؟
ورأى الكاتب أن المنظمة قد لجأت إلى مظلة دمشق وموسكو كما تقعل دائما، في الوقت الذي تضغط فيه تركيا على الولايات المتحدة.
ونقل عن مصادر، أن الوحدات الكردية المسلحة طلبت من روسيا ضمانات لمنع العملية العسكرية التركية مقابل الابتعاد عن الحدود التركية إلى عمق 32 كم، وتسليم المناطق إلى قوات النظام السوري خلال اجتماع عقدوه مع ممثلين روس.
واللافت في وثيقة مقدمة، هو التنفيذ التدريجي لقانون "الإدارة المحلية"، والاعتراف باللغة الكردية، ومشاركة الأكراد في الإدارة ومنح حقوقهم الاجتماعية والثقافية، كما أن نسبة معينة من عائدات النفط ستستخدم لتطوير المناطق التي يعيش فيها الأكراد.
وأشار الكاتب، إلى أن هناك شروطا من شأنها تعقيد تقدم المفاوضات بين حزب الاتحاد الديمقراطي، وروسيا ودمشق، أبرزها أن دمشق مستعدة لمناقشة قانون "الإدارة المحلية" مع إصلاحات، لكنها تصر على رفض طلبات الامتيازات الإدارية أو السياسية في المناطق الكردية.
اقرأ أيضا: حصري.. حشد كبير لتركيا والمعارضة السورية لبدء عملية ضد قسد
وتعترض دمشق على احتفاظ قوات سوريا الديمقراطية بطابعها العسكري، أو استخدام علم غير العلم الرسمي، وتصر على أن إدارة النفط يجب أن تكون في أيدي الدولة فقط.
ونقل الكاتب عن مصادر سياسية، أنه تم اتخاذ قرار في دمشق "بتحويل القوافل العسكرية بسرعة إلى المنطقة، وخاصة إلى القامشلي والحسكة"، بما يفسر نية التوصل إلى اتفاق، واتخاذ موقف مشترك ضد العملية العسكرية التركية المحتملة.
الحقائق الميدانية معقدة جدا
الكاتب التركي أكدوغان أوزكان، في مقال على موقع "T24" التركي، أشار إلى أن الهدف الرئيس لأنقرة في العملية المحتملة، فصل المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية قدر الإمكان، أو ربط المناطق الخاضغة لسيطرتها في الشمال السوري.
وأضاف أنه رغم رسائل التصميم من أنقرة، فإن الحقائق الميدانية أكثر تعقيدا من ذي قبل بالنسبة لأي عملية عسكرية للقوات التركية.
وأشار إلى أنه خلال عام 2021، فقد أصبح للولايات المتحدة 33 قاعدة عسكرية ومراكز مراقبة في المنطقة، 19 منها في الحسكة، و10 في دير الزور.
ولفت إلى أن أنقرة تعتقد أنه إذا قام الأمريكيون بإخلاء هذه القواعد، فإن المنظمات التي تدعمها واشنطن ستتعرض لعزلة، وعليه فإنها ركزت عملياتها في الفترة الماضية على شمال العراق.
وأوضح أن هناك عقبات عدة أمام تركيا؛ فمن ناحية تقوم موسكو بشن غارات تستهدف المناطق القريبة من الحدود التركية، ومن ناحية أخرى تؤكد واشنطن أنها لن تسحب قواتها من سوريا في المستقبل القريب.
ورأى أن الأمريكيين إما ينتظرون الأتراك للانسحاب من الشمال السوري أولا، أو أنهم يحاولون إعداد بيئة تفاوض مشروطة لتسليم المناطق للروس وليس للأتراك.
وتابع، بأن فرص قيام أنقرة بعملية في سوريا دون إعطاء روسيا أو الولايات المتحدة "ضوءا أخضر" ضئيلة للغاية، وإذا قامت بعملية عسكرية فإنها ستقوم بها في إطار ما يسمح لها بإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة وروسيا.
وأشار إلى أنه من الممكن أن تعطي روسيا لأنقرة الضوء الأخضر لعملية عسكرية إذا كانت ستؤدي إلى انسحاب جديد للقوات الأمريكية، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة على ما يبدو تنوي الانسحاب أكثر وتعارض بشكل قطعي أي تدخل من القوات التركية في المنطقة، وعليه فإنه من غير المحتمل أن تحاول أنقرة إجراء عملية في مناطق شرق سوريا حيث تتواجد نقاط المراقبة الأمريكية.
تعقيدات روسية
وبالنسبة للروس الذي يتواجدون على طول الخط من تل رفعت إلى تل تمر، لا يريدون على الإطلاق أي تواجد دائم للقوات التركية في أي نقطة على الطريق الدولي "أم4"، وهذا يعني أن احتمالية شن عملية عسكرية من عين عيسى إلى تل تمر صعب للغاية.
وأضاف أن روسيا تطالب تركيا بالوفاء بواجباتها نحو إزالة الجماعات الإرهابية من جنوب الطريق الدولي "أم4"، وجبل الزاوية في إدلب وإخلاء مدينة أريحا، وعليه فلا "ضوء أخضر" لعملية جديدة من موسكو دون الوفاء بالوعود في إدلب.
اقرأ أيضا: هل تنفذ تركيا عملية برية بسوريا دون الاتفاق مع روسيا؟
ولفت إلى أنه نظرًا لأن عملية عسكرية من عين عيسى إلى تل تمر صعبة للغاية، فإن تل رفعت ومنبج وكوباني تظل أهدافا محتملة للعملية، ولكن يوجد قوات وقواعد عسكرية روسية هناك، وعليه فإن أنقرة غير مستعدة لفتح صراع مع موسكو وحلفائها في تلك المنطقة.
وتساءل: "هل من الممكن تطويق تلك المناطق دون قتال؟"، و"هل يمكن الحصول على ضوء أخضر في تل رفعت مقابل إزالة الجماعات المتطرفة من جنوب الطريق الدولي أم4؟".
ورأى أن الروس لن يرغبوا أيضا في إزعاج حلفائهم من المليشيات الإيرانية المتواجدة إلى الجنوب من تل رفعت، كما أن موسكو غير مستعدة للتنازل عن منبج التي تبني فيها قاعدة عسكرية جديدة، وعليه فإن منطقة كوباني تبقى هي الخيار الوحيد.
هل تبقى كوباني الخيار الوحيد لعملية عسكرية؟
وأوضح أن روسيا لديها 83 نقطة عسكرية في جميع أنحاء المنطقة، وتحاول توسيع المطار في القامشلي وتحويله إلى قاعدة، ولديها فقط نقطة مراقبة عسكرية واحدة في محيط كوباني.
وأضاف أن أنقرة قد ترغب في رسم خط من من جرابلس إلى تل أبي دون الوصول إلى الطريق الدولي "أم4"، أي لربط شرقي الفرات بغربيّه، وقد تحيط بالقاعدة الروسية من الجنوب، والتخطيط لعملية تهدف إلى التحكم في الطرق المؤدية إلى كوباني من اتجاهات مختلفة دون الدخول إلى وسطها.
ولكن لكي لا يتفاعل الروس بحدة مع مثل هذه الخطوة، فستحتاج أنقرة على الأرجح إلى إثبات أنها بدأت بالوفاء بوعودها في إدلب.
واستدرك الكاتب، بأن موسكو تبذل جهدا مكثفا لتفكيك الاختلافات في المواقف بين النظام السوري والواحدات الكردية المسلحة، وعليه فقد تمنح تركيا "ضوءا أخضر" محدودا بما يخدم مصالحها.
مسؤول أمريكي سابق يتحدث عن دور أردوغان القوي بالمنطقة
هل تنفذ تركيا عملية برية بسوريا دون الاتفاق مع روسيا؟
ما شكل العملية العسكرية التي قد تشنها تركيا شمال سوريا؟