كتاب عربي 21

دائرة الطباشير الحديدية

1300x600
شاهدت عشرات الأفلام الإخبارية عن عزل السوسيال السويدي الأطفال عن ذويهم، أو ولاية الدولة على المواليد المعرضين للأذى، وقرأت مقالات لمقيمين في السويد، ولآخرين يكتبون عن بعد مثلي، ومقالات أخرى لدعاة دعوا إلى العقل والحكمة ونبذ المظاهرات لأنها ستؤذي المسلمين، ويتخذها اليمين المتطرف ذريعة للإضرار بهم، وهي مظاهرات سلمية تبيحها الدول الأوروبية. وبعضهم لام اللاجئين لأنهم هاجروا من بلادهم، وبعضهم لامهم لأنهم قرعوا أبواب السوسيال فجاءتهم منها الريح. اتصلت بصديق كان في السوسيال، علّي آتيكم بشهاب قبس أو أجد على النار هدى.

لا بأس من بعض التاريخ لفهم ما يحدث في "دائرة الطباشير"، وهو اسم مسرحية شهيرة لبرتولد بريخت استعاد فيها قصة للنبي داود عليه السلام؛ إذ جاءته امرأتان قد أكل الذئب أحد ابنيهما فتختصمان على الباقي، وجعل بريخت الخصومة بين ملكة وخادمة.

فشا خبر مقبرتين للأطفال من سكان كندا الأصليين غير النازحين قبل فترة، مقبرة بلغ عدد أطفالها المقتولين والمدفونين فيها 215 طفلا، ومقبرة أخرى بلغ عددهم ألفاً، لا نعرف كيف قتلوا، خنقاً أم ضرباً، لكنهم قتلوا.

وتُظهر الصور في الكنائس الكندية إبان نزع الأطفال من ذويهم؛ مربيات شاركن في قتل الأطفال بالزي الكنسيّ. وقرأت في كتاب "تاريخ أوروبا في العصور الوسطى" لموريس بيشوب، أنّ الأمهات في العصور الوسطى كن حريصات على أطفالهن، ويحذرنهم من اللعب بعيداً عنهن خوفاً من خطف القساوسة لهم ليصيروا رهباناً في بيوت الرب. وقرأت أن نسبة الأطفال اللقطاء الذين تربيهم مؤسسات الكنيسة في أوروبا كبيرة جداً، ويتصل بهذا دراسة نشرت في العربي الجديد أن نسبة الولادات خارج الزواج هي الأعلى في فرنسا، والأدنى في اليونان. وبيّنت أن ستة مواليد من كل عشرة أطفال ولدوا لأبوين غير متزوجين في فرنسا عام 2016، وهي النسبة الأعلى في دول الاتحاد الأوروبي.

وأشارت إلى أن بلغاريا وسلوفينيا حلّتا بعد فرنسا في "المركز الفضي"، وبلغت نسبة الولادات خارج إطار الزواج 58.6 في المائة. وأوضحت أن أكثر من نصف الولادات خارج الزواج حصلت في كل من إستونيا بنسبة 56.1 في المائة، والسويد بنسبة 54.9 في المائة، والدنمارك بنسبة 54 في المائة، والبرتغال بنسبة 52.8 في المائة، وهولندا بنسبة 50.4 في المائة، وهي نسب مروّعة.

يُخشى أن يكون سبب نزع الأطفال بلا رحمة هو أن النازعين هم أطفال رُبّوا في المزارع الجماعية، وكبروا وأمسوا موظفين، فلا ينزع الأطفال من أمهاتهم إلا من كان قلبه خالياً من الرحمة وحب الأرحام. أحياناً اليتم يكون سبباً لرقة القلب وشدة العاطفة، فالسوسيال يزعم أنه ينزعهم لرعايتهم أحسن رعاية.

التعقيم شكل من أشكال الخطف المبكر والوأد الخفي. في مقال بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية كتب ستيفن مور، وهو أستاذ مساعد بجامعة وسيليان الأمريكية: إن التعقيم القسري الذي قامت به السلطات الأمريكية مؤخراً يذكِّر بتاريخٍ طويل من استخدام الولايات المتحدة لهذه الممارسة، لمنع نساء المجموعات الموصومة الأصلية من إنجاب الأطفال. وتوصّلت دراسة الكاتب البحثية إلى أن كثيراً من الأمريكيين ما زالوا يدعمون تعقيم السجينات. إذ تواجدت مجالس لتحسين النسل تتمتّع بسلطة طلب التعقيم في 33 ولاية أمريكية، وقد وافق مجلس تحسين النسل بولاية أوريغون على آخر عمليات التعقيم التي أقرّها في عام 1981. واستهدفت تلك المجالس الأشخاص ذوي الإعاقة أكثر من غيرهم، وهي ممارسة أيّدتها المحكمة العليا في عام 1927. وهي إجراءات تذكّر بالنازية والستالينية التي ما تزال حية في دول رأسمالية.

سمعت مرة طيب تيزيني أكثر من مرة يثني على ألمانيا الديمقراطية الشعبية بشأن تربية الأبناء في "رياض الأطفال"، وأظنه كان يرى باصات الأطفال الملونة فينبهر بها من غير أن يسمع شيئاً عن الحرمان من الأمومة والأبوة!

ذكرنا ألواناً من الخطف في الغرب، ولنلتفت إلى ديار العرب، فنجد كثرة في قصص الخطف في العراق وسوريا. وكان الخطف قبل الحروب الأهلية وقفاً على النظام، يخطف الآباء وييتم الأبناء، ويرتهن الآباء إما لقتلهم أو طلبا للفدية.. الأوطان نفسها مخطوفة.

أما في التاريخ فنجد قصة من القصص المشهورة في التاريخ الإسلامي، وهي أن صلاح الدين الأيوبي سخّر جيشه كله بحثاً عن طفل امرأة إفرنجية، سفك زوجها دماء أهلها، ولم ينم حتى عاد إليها طفلها.

قد يقول قائل إن المسلمين كانت لديهم جيوش مثل جيوش الانكشارية وجيوش المماليك، وهم أبناء الأرقّاء المحررين، والجواب أنهم تولوا أرفع المناصب على الإطلاق في الممالك الإسلامية، فأصبحوا سلاطين، ودُرّسوا أحسن تدريس في الفروسية والفضائل والعفة، ويتباهى المسلمون بقطز وبيبرس وموسى بن نصير وغيرهم كثير.

ويمكن أن نذهب أبعد في استقصاء حسن الرعاية إلى صدر الإسلام، وقصة زيد بن حارثة، وهو مولى اشتراه حكيم بن خزام في مكة من تجار، وأهداه لعمته خديجة بنت خويلد، فأهدته للنبي عليه الصلاة والسلام، وبلغ نبأه أهله، فجاء والده لفدائه مع عمه، فخيّره النبي بينه وبين أهله من غير فداء، فاختار النبي، فخرج النبي به إلى الحِجْر، وقال: "يا من حضر اشهدوا أن زيداً ابني أرثه ويرثني". فلما رأى ذلك أبوه وعمه اطمأنا وانصرفا، فصار زيد يُدعى "زيد بن محمد".

وكان التبني في الجاهلية كما هو في أوروبا الآن، وهو أن ينسب الطفل للمتبني، فنزلت آية التبني، وعوّضه الله عن بنوّة النبي بأن جعله الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن يُتعبد باسمه في الصلوات.

نعود إلى الغرب ونذكر فيلمين روائيين قد يجلوان بعض الغبش عن الرؤية، وأبطالهما بيض، أما أفلام السود فهي شديدة القسوة، مثل ذلك فيلم "12 سنة من العبودية".

أحد الفيلمين أمريكي كوميدي حاز على جائزة أوسكار للماكياج، بعنوان السيد "دوت فاير" (1993)، وفيه تنتزع زوجة دانيال منه حق حضانة الأطفال بحكم ظالم من المحكمة، فلا يجد سبيلاً غير التنكر في شخصية مدبرة منزل ليعمل لدى زوجته حتى يستطيع رؤية أطفاله، ويطلب من شقيقه فرانك الذي يعمل في فنون التجميل أن يساعده في تنكره لتحقيق مراده.

في أحد المشاهد المهمة في الفيلم، ينظر بحنق إلى صديق زوجته الجديد الشاب الوسيم "ستو"، الذي سيتزوج من طليقته، فيقول في سره: إنه أوسم مني وأكثر شباباً وليس له كرش، لكن هذا لا يمنح الحق للوقواق أن يستولي على أبنائي وأنا أحق بهم منه. يخطب في المحكمة خطبة مؤثرة في حب الأولاد والأبوة، لكن القاضي يشتبه في أنه يمثل ويحكم عليه مرة ثانية بالعزل عن أولاده، لكن الزوجة تعود أخيرا إلى زوجها الذي يحب أبناءه ويحبون أباهم.

الفيلم الثاني هو فيلم "الجلد الذي أعيش فيه"، لأنطونيو باندرياس (2011)، وحاصل على جوائز أيضا. وهو عن جراح تجميل اغتُصبت ابنته، فيخطف الجاني للانتقام منه، ويقوم بتحويله إلى أنثى، ثم يحاول أن يغشاه فتقتله، وتعود إلى أمها بعد غياب دام سنوات، وكانت قد آيست من ابنها الغائب، وتخبرها أنها ابنها، وقد صار بنتاً، ولم تتعرف إليها!

أفلام الأرحام والأسرة الغربية هي غالبا أفلام انتقام من خاطف، ومن أسف أننا لا نجد في الكتاب المقدس حب المسيح لأمه، بينما يكون أول فعل لعيسى بن مريم في القرآن هو الذود عن أمه بعد طاعة ربه وهو في المهد: "وَبَراً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِياً".

في أحد الأخبار تقول سيدة عراقية عن ابنتها التي نزعت منها وكبرت وعادت إليها بعد بلوغ سن الرشد، بعد أربع سنوات: هذه ليست ابنتي.

أشهر أنبياء الحداثة الغربية رجلان؛ أحدهما سيغموند فرويد الذي وجد عقدة قتل الأب فبنى عليها نظرية نفسية شهيرة بنى بها الغربيون حضارتهم اللامعة، والثاني هو نيتشه الذي أعلن قتل الرب!

ينتصر القضاء في مسرحية برتولد بريخت للخادمة على الملكة، على خلاف حكم النبي داود في القصة الأصلية الذي ينتصر لأمها الحقيقية التي أنجبتها.

twitter.com/OmarImaromar