اقتصاد عربي

كيف انعكست الحرب الروسية الأوكرانية اقتصاديا على العراق؟

يعتمد العراق بشكل شبه كامل على الاستيراد الخارجي لتوفير المواد الغذائية الأساسية - جيتي

لم يكن العراق بعيدا عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ولا سيما من الناحية الاقتصادية، كونه بلدا يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد الخارجي لسد حاجته من المواد الغذائية الأساسية، حيث تشهد الأسواق المحلية ارتفاعا غير مسبوق في الأسعار.


وقبل أسبوع، أعلنت الحكومة العراقية على لسان المتحدث باسمها وزير الثقافة حسن ناظم، أن "الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى ارتفاع الأسعار، لكن الحكومة مستمرة بإجراءات تخفيف تداعيات الأزمة الاقتصادية".


وأضاف أن "وزير المالية أكد لمجلس الوزراء استخدام أموال الطوارئ لمواجهة الأزمة الاقتصادية وخدمة المواطنين"، مشيرا إلى أن "الاستعمال الرشيد لأموال الطوارئ مكّن الحكومة من مواجهة التحديات خلال المدة الماضية، ونحن نناقش التحديات التي تواجه الحكومة، بينها ارتفاع الأسعار".


تداعيات كبيرة


من جهته، قال الخبير الاقتصادي العراقي، مختار الخطيب لـ"عربي21" إن "تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية كبيرة في العراق، فقد تسببت بأزمة ارتفاع المواد الأساسية من سكر وأرز وزيت، وهذه تتفاعل يوميا".


وأوضح الخطيب أن "تداعيات ارتفاع أسعار هذه المواد في الأسواق العراقية، انعكست على مصانع إنتاج العصائر والحلويات ومعامل شيبس البطاطا وكذلك المطاعم المحلية".


وأضاف أن "هذه الجهات هي أكثر من تستخدم الزيت والسكر والأرز كونها تعتبر مواد أولية في إنتاجها، فرغم ارتفاع الأسعار إلى الضعف لكن أصحاب المطاعم لا يستطيعون رفع قيمة الوجبة بشكل كبير لأن عملهم سيتوقف، لكنهم حاليا فضلوا تحمل تدني الأرباح على رفع الأسعار".


ولفت الخطيب إلى أن" هناك خشية كبيرة من إغلاق بعض المعامل الصغيرة أبوابها في قادم الأيام إذا استمرت أزمة ارتفاع أسعار هذه السلع وهذا سيؤدي إلى ارتفاع أعداد البطالة في البلد، وضرر الكثير من العائلات العراقية".


ونوه إلى أن "الخطوات التي اتخذتها الحكومة لن تعالج المشكلة، فهي أعلنت تخصيص منحة مقطوعة لمدة شهر واحد أسمتها منحة غلاء المعيشة قيمتها 69 دولارا للموظفين والمتقاعدين الذين لا تزيد مرتباتهم عن 350 دولارا، وهذه لا تشكل شيئا أمام ارتفاع الأسعار".


وشدد الخطيب على أن "الحكومة تتحمل مسؤولية ارتفاع الأسعار لأنها لم تتعظ من أزمة فيروس كورونا، وتحدثت كثيرا عن دور الإنتاج المحلي، لكن ذلك لم يكن سوى حديث في الإعلام أكثر منه على أرض الواقع".


وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "العراق تجاوز عدد سكانه في عام 2022 الـ40 مليون نسمة، ولا يزال يعتمد بشكل كلي على المستورد في الغذاء، هل يعقل بلد بهذا العدد البشري لا يزع ولا يصنع شيئا وتتوفر لديه كل مقومات الزراعة والصناعة؟".


وشدد الخطيب على أن "جميع العراقيين تأثروا بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ولا سيما الطبقة المتوسطة والفقيرة من أصحاب الدخل المحدود، وهؤلاء يشكلون نسبة عظمى في المجتمع العراقي".


أسعار جنونية


وعلى الصعيد ذاته، قال علي السعد، مندوب إحدى شركات استيراد المواد الغذائية ببغداد، لـ"عربي21" إن "أسعار السلع الغذائية أصبحت جنونية في العراق منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، والأزمة قابلة للتصاعد في ظل استمرار الحرب بين البلدين ونفاد المخزون محليا".


وأوضح السعد أن "السلع الأساسية تشهد حاليا ارتفاعا غير مسبوق في الأسواق العراقية، ولا سيما السكر والزيت والدقيق والأرز، رغم توزيع هذه المواد ضمن مفردات البطاقة التموينية التي توزعها الحكومة للأسر العراقية شهريا".


ولفت المندوب إلى أن "العراق يعتمد كليا على استيراد هذه المواد، فعلى سبيل المثال ارتفع سعر زيت الطعام إلى الضعف في الأسواق فبعدما كان سعر القنينة ذات اللتر الواحد تقريبا دولارا ونصف الدولار، أصبحت اليوم تباع بأكثر من ثلاثة دولارات".


وأكد السعد أن "رؤوس أموال عراقية كبيرة افتتحت في السابق معامل لإنتاج الزيت في أوكرانيا وهذه توقفت حاليا بسبب الحرب، وكذلك الآن المخزون في الأسواق بدأ ينفد، لذلك نحن مقبلون على أزمة ارتفاع أسعار بشكل أكبر من الأيام التي مضت".


وعن إجراءات الحكومة للحد من ارتفاع الأسعار، قال السعد إن "الدولة لن تستطيع ضبط الأسعار في ظل وجود أزمة عالمية، إضافة إلى احتكار بعض التجار لهذه المواد لطرحها بأسعار أعلى، لذلك على الدولة إيجاد سوق دولية أخرى للاستيراد منها".


ولفت السعد إلى أن "انعدام الإنتاج المحلي والاعتماد بشكل كلي على المستورد يعرض البلد لمخاطر كبيرة في كل أزمة دولية، ففي أزمة فيروس كورونا كان العراق من أكثر البلدان تأثرا بها كونه يستورد سلعه الغذائية الأساسية ولا ينتجها".

 

اقرأ أيضا: الأمم المتحدة: دجلة والفرات تأثرا بنسبة 73% من قلة الأمطار

ورأى المندوب أن "مهمة الحكومات هي أن توجد بيئة خصبة للمستثمرين لإنعاش قطاع الزراعة والصناعة المحلية، لكن هذا لم يحصل بفعل الفساد المالي المستشري في البلد، حتى يبقى التجار يستوردون هذه المواد وتذهب نسب منها للجهات المتنفذة في البلد، ولا سيما في المنافذ الحدودية".


ويُعد العراق من أغنى بلدان العالم بالنفط وأكثرها دعما لأسعار السلع الغذائية الأساسية، لكن حتى هذا البلد الغني تتسع فيه الاحتجاجات ويزداد الغضب والسخط على الحكومة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.


وقد عبر الناس عن غضبهم على ذلك بمدينة الناصرية ومدن ومناطق أخرى جنوب العراق في 9 آذار/ مارس الجاري، داعين إلى وضع حد لمشكلة ارتفاع أسعار الخبز والمواد الغذائية الأخرى، حيث يرى قسم كبير من العراقيين أنها تتفاقم وتجعلهم بالكاد يتدبرون أمورهم.