جُرّت الاتفاقية التي وقعتها حكومة الوحدة الوطنية مع الحكومة التركية مؤخرا إلى عمق الصراع السياسي الليبي ما بين مهلل بنصر تحقق ومكسب كبير تم تحصيله وآخر يندب سيادة ليبيا التي تعرضت لمزيد من الانتهاك والبلد الذي تم بيعه بأرخص الأثمان للأتراك، وبينهما مساحة للمواقف المتناقضة لكنها أقل حدة وعدائية.
قليل من بين المتنازعين من أخضع الاتفاقية للنقاش بحيادية وموضوعية، والغالب كانت مواقف رسم ملامحها الاصطفاف السياسي، غير أن تأثير العامل الإقليمي بدا واضحا في توجيه الأحداث، حيث نزع حلفاء مصر إلى موقف الحليف، بينما اعتبر من يرون في تركيا ضمانة ضد تغول المشروع العسكري الانقلابي الاتفاقية تعزيزا للدور التركي على ساحة التدافع والصراع.
عليه يمكن القول إن المصالح بالمفهوم السياسي كانت بوصلة توجيه مواقف مختلف الأطراف المحلية والخارجية، فأنقرة لأسباب تتعلق بتقوية موقفها في الصراع بمنطقة شرق المتوسط وتعزيز نفوذها الإقليمي تحتاج أن تتقدم خطوة ضمن اتفاق النفوذ الاقتصادي البحري الذي سبق توقيعه مع الحكومة الشرعية منذ عامين، والاتفاقية الجديدة تحقق لها ذلك من خلال الانتقال من ترسيم الحدود وتحديد إطار قانوني لها عبر الاتفاقية الأولى إلى الأدوات التنفيذية من خلال الاتفاقية الثانية. وهي من جهة ثانية محتاجة إلى مراكمة ما يمكن اعتباره إنجازات مهمة بالنسبة للناخب التركي حيث يخطو البلد حثيثا إلى الانتخابات الرئاسية.
حكومة الوحدة الوطنية، من جهتها، تحتاج إلى ترضية الحليف الذي يعترف بها كحكومة شرعية وساندها في مواجهة جبهة طبرق ـ الرجمة وكان له دوره الحيوي في إفشال خطة تثبيت حكومة باشاغا في العاصمة، وهذا يعني لها الكثير في هذه المرحلة، ولأنها في وضع لا خيار لها فيه فقد اتجهت إلى منطق التبرير الذي رأت أنه يسعفها في مواجهة حملة التخوين كون الاتفاقية الجديدة تحصيل حاصل بالنظر إلى اتفاق النفوذ الاقتصادي والبحري الذي التزمت بتوقعيه مع الطرف التركي حكومة الوفاق الوطني في نوفمبر 2019م.
الوضع السياسي الملغوم والمرحلة الحرجة التي تمر بها البلد يساعد في قبول آراء من انتقدوا الاتفاقية مرتكزين على أنها تخالف مقاربة الأولويات لحل النزاع، فالبلد ليس من أولوياته التنقيب على النفط والغاز، بل هو في أمس الحاجة إلى التفاهم على التسوية السياسية وما فيه لملمة الليبيين الذين تشعب بهم النزاع في طرق ومسارات نهاياتها أبعد ما تكون عن التوافق.
إن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين لا يريدون لأنقرة أن تواصل خطة تمددها وتعزيز نفوذها وتعظيم مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، ويرغبون في أن تستمر تركيا في لعب دور المساند للسياسة الأمريكية المدعومة أوروبيا في المنطقة كما كانت عليه في الماضي دون خروج عن النص، ويتبرمون من استغلال تركيا لحاجة الغرب لها لتمرير أجندتها.
بالمقابل، فإن ما وقع لا يستلزم ردة الفعل المحمومة، وحتى اضطراب الأولويات، الذي سبقت الإشارة إليه، لا يبرر الموقف العدائي للاتفاقية، ولأن مضامين الاتفاقية لا تشكل في المجمل انتهاكا للسيادة الليبية أو تسليم البلد للأتراك، كما يقول المعترضون، بل إنها تحقق للبلد مكاسب كانت في مهب الريح، فإن أقصى الآراء تشددا يعكس درجة التوتر بين الأطراف المتنازعة واستعدادها للسير قدما في مواقفها ولو ضيعت تلك المواقف مصالح عامة أو قادت إلى مفاسد ظاهرة.
أقليميا ودوليا كانت ردود الفعل مفهومة وتعزز حالة التدافع بين أنقرة من جهة وأثينا والقاهرة وإسرائيل في الجهة المقابلة، ولأن مواقف الطرفين كانت واضحة عند توقيع اتفاق النفوذ الاقتصادي البحري بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق الوطني، فها هي المواقف تكرر كون الاتفاقية الجديدة تعزز الاتفاقية الأساس وتنقلها إلى مرحلة التنفيذ.
الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين الذين تحفظوا على الاتفاقية انطلقوا من محركين في تحديد موقفهم، الأول وهو الاعتقاد بأن الاتفاقية تذكي حالة العداء الليبي في حين أن الجهود تتجه إلى تخفيفه للوصول إلى اتفاق بخصوص استحقاقات الانتخابات.
علاوة على ما سبق، فإن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين لا يريدون لأنقرة أن تواصل خطة تمددها وتعزيز نفوذها وتعظيم مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، ويرغبون في أن تستمر تركيا في لعب دور المساند للسياسة الأمريكية المدعومة أوروبيا في المنطقة كما كانت عليه في الماضي دون خروج عن النص، ويتبرمون من استغلال تركيا لحاجة الغرب لها لتمرير أجندتها.
اتفاقيات جديدة بين أنقرة وطرابلس
ليبيا.. حول بعض ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة