دفعت الأزمة الاقتصادية وشح النقد الأجنبي في البلاد الحكومة
المصرية إلى إجراء تعديلات جديدة على قرار منح
الجنسية للأجانب، مقابل ودائع أقل بالدولار الأمريكي، أو عبر الاستثمار وشراء العقارات أو التجارة.
ويعود قرار إتاحة الحصول على الجنسية المصرية للأجانب، مقابل ودائع بالدولار، أو عبر الاستثمار العقاري إلى العام 2019، ومع التعديلات الأخيرة، فقد باتت القيمة الأقل من أجل الحصول على الجنسية تبلغ 250 ألف دولار للوديعة غير المستردة، لكن مع السماح بتقسيط المبلغ.
ووفقا لتعديلات القرار، فإنه بات يمكن الحصول على الجنسية، لحالة شراء عقار تملكه الدولة، أو لغيرها من الشخصيات الاعتبارية العامة، بتخفيض المبلغ من 500 ألف دولار، إلى 300 ألف دولار.
وقلل خبراء ومختصون من أهمية التعديلات التي تضمنت تسهيلات جديدة للحصول على الجنسية المصرية؛ لأن جواز السفر المصري يحتل المرتبة 92 وفقا لمؤشر جايد Guide لترتيب جوازات السفر، ويتيح لحامليه إمكانية السفر بدون تأشيرة، أو الحصول على تأشيرة عند الوصول إلى 48 دولة فقط.
تعديلات غير مجدية ومزايا مفقودة
وقال خبير في الإدارة الاستراتيجية وإدارة الأزمات، الدكتور مراد علي؛ إن: "جواز السفر المصري لا يتمتع بأي نوع من الإغراء لأسباب عديدة، منها أن المواطن المصري لا يحصل على الحد الأدنى من التعليم والصحة والعمل، وهي الأسباب التي تدفع البعض للحصول على جنسيات دول أخرى؛ من أجل تأمين مستقبل جيد له ولأولاده".
وتساءل في حديثه لـ"عربي21": "من هذا الذي سوف ينفق مئات آلاف الدولارات من أجل الحصول على جنسية لا تتيح الحد الأدنى مما سبق، ولا تتيح لصاحبها السفر والتنقل إلى الكثير من دول العالم دون تأشيرة مسببة ومكلفة ماديا، بل إن حقوق المواطنين مهدرة بما فيهم رجال الأعمال والنشطاء والسياسيون وغيرهم، ما يجعل جواز السفر المصري غير ذي جدوى اقتصادية أو مادية".
ورأى مراد أن "ما يحدث هو العكس؛ الكثير من المصريين المقتدرين يسعون للحصول على جنسيات أخرى؛ من أجل التمتع بمزايا تعليمية واستثمارية وصحية غير متوفرة في بلده الأم، كما أنها تشكل لهم نوعا من الحماية داخل بلادهم الأصلية".
الإصلاح السياسي والحقوقي قبل كل شيء
بدوره، قلل رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى سابقا، الدكتور عز الدين الكومي من تعديلات القرار لعدة أسباب: "أولا؛ أن الجنسية المصرية لا أحد يطمع بها لأنها لا تعطي أي ميزة لحاملها، والجواز المصري من أسوأ الجوازات، ويمكن بذات المبلغ شراء جوازات سفر أكثر فائدة، لكنها قد تفتح الباب أمام الصهاينة للتجنس لأسباب سياسية". وفق قوله.
وأكد في حديثه لـ"عربي21": أن "مصر التي تمر بأزمة اقتصادية ويتحكم في اقتصادها الجيش، لا يمكن أن تكون وجهة للباحثين عن الاستثمار، خاصة أن كل قطاعات البلاد الاقتصادية تعاني، وتعتمد الدولة على الهبات والقروض وبيع الأصول. وطرح الجنسية للبيع لا يمكن أن يحل
أزمة الدولار بحال، خاصة أن هناك توقعات أن الدولار سيتخطى حاجز 37 جنيها مع نهاية العام".
ورهن الكومي حدوث استقرار اقتصادي بوجود استقرار سياسي، متسائلا: "كيف للمستثمر أن يأتي إلى مصر وهو يشاهد بأم عينه التنكيل برجال الأعمال والاستيلاء على مشروعاتهم، والأهم من هذا كله ملف حقوق الإنسان، الذي أصبح مثار انتقاد ليس فقط من المنظمات الحقوقية، بل حتى الدول وآخرها دولة بلجيكا التي أصدر برلمانها قبل أيام قرارا يدين فيه انتهاكات حقوق الإنسان في مصر".
من تنازلوا عن الجنسية المصرية أكثر ممن اكتسبوها
خلال الشهور القليلة الماضية منحت الحكومة المصرية الجنسية لعدد من مواطني الدول العربية أغلبهم من سوريا والعراق، كان آخرها الموافقة على منح الجنسية لعدد 11 سوريا بعد الإطلاع على قوانين الجنسية المصرية والاستثمار.
في المقابل، تنازل المئات عن الجنسية المصرية، خلال الفترة ذاتها مقابل حصولهم على جنسيات أجنبية أخرى، من بينهم تخلي أكثر من 60 مصريا عن الجنسية المصرية بعد تجنيسهم بجنسيات أجنبية، وتنازل بعض المعتقلين السابقين في السجون المصرية عن جنسياتهم مقابل إخلاء سبيلهم.
وفقا لتصنيف "جايد"، يعد جواز سفر مصر ضمن فئة الجوازات التي تحتل النطاق الأدنى في تصنيف جوازات السفر من حيث حرية السفر والتنقل حول العالم، بل إن جواز السفر المصري يحتل المرتبة العاشرة على مستوى الدول العربية.
"أنا لو ينفع اتباع لأتباع"
وإذا ما كانت أزمة الحاجة للدولار قد أجبرت نظام
السيسي على إتاحة كل شيء للبيع، قال الكاتب والمحلل السياسي، عزت النمر، "الجميع يذكر تصريح السيسي الشهير (أنا لو ينفع أتباع أتباع)، لا شك أن السيسي والعسكر قد دمروا الدولة المصرية، وانهار الاقتصاد المصري تماما وبات شبح الإفلاس يخيم على واقعنا المعاصر، خاصة بعدما أوصل السيسي الدولة إلى شفا الانهيار بالتوسع في الاقتراض، حتى أصبحت فائدة وتكلفة الديون أكبر من الناتج المحلي".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21"؛ أن "التعديلات الجديدة تؤكد أن إتاحة الجنسية المصرية للمستثمرين لم تجد أي قبول يذكر، ولذلك قاموا بتعديلها كما قاموا بتعديل الكثير من القوانين لتسهيل بيع أصول البلاد"، مشيرا إلى أن "الأوضاع الأمنية المخيفة والخروج عن القانون، لا يشجع أي عاقل للحصول على الجنسية المصرية، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية الهشة، واستشراء الفساد الذي لا يأمن معه المستثمر على نفسه أو ماله أو مشروعه".
حقيقة أخرى معروفة ويؤيدها الواقع، وفق النمر، هي أن كثيرا من المستثمرين الأجانب عرفوا "الفولة"، واستطاعوا من خلال الفساد في أركان النظام أن ينعموا بفرص ذهبية أكثر مئات المرات من المواطن المصري، وهناك مصانع ومزارع بيعت لمستثمرين أجانب بأسعار بخسة لا يستطيع المصري أن يحصل على مثل هذه الفرص.
ورأى أن "الأفضل للمستثمر الأجنبي أن يظل بجنسيته أيا ما كانت؛ لأنها ستوفر له حدّا أدنى من الكرامة، وربما الحصانة التي سيفقدها فورا إن عومل كمصري في أي مؤسسة رسمية، نحن نعلم أن الفشل الاقتصادي وأزمة الدولار هي السبب في إعادة عرض ملف بيع الجنسية مرة أخرى، لكن لا بد من التحذير من أن النظام المصري الحالي وشخص عبد الفتاح السيسي، لا يؤتمن على الأمن القومي المصري، ويخشى أن يكون مسلسل بيع الجنسية هو مقدمة كذلك لمساومات ما، أو ضمن مخططات ما دولية وإقليمية؛ كصفقة القرن أو أي اتفاقيات مشبوهة هنا أو هناك".