شئنا أم أبينا فإن قاطرة السياسة لمعارضين
مصرية يقودها الإعلام، ظهر الأمر
على استحياء وبدرجات منذ الأول من نيسان/ أبريل 2012م حين إعلان ترشح الجماعة للرئاسة،
في خطوة مفاجئة آلمتْ وما تزال كل مخلص. فالجماعة التي نفت مراراً نيتها الترشح
على لسان مرشدها الحالي والسابق -رحم الله الأخير وخفف عن الأول- لم تلبث أن سحبت
نفيها، ولم تبرر موقفها الجديد رغم أن أسباب النفي ما تزال مستمرة وعلى رأسها أن
الجماعة تعي جيداً أن حكمها مصر وقتها يعد فخاً محكماً، إذ تحتاج البلاد لسنوات من
الإصلاح وتهيئة الأرض لحكم الجماعة، وبعد أشهر قليلة من تأكيد القول أعلنت نفس
الجماعة ترشحها للحكم.
مر الأول من نيسان/ أبريل الماضي ومرت الذكرى الحادية عشر لذلك الترشح الذي
شكل بداية المأساة وطرف الخيط الذي مثل تدحرجه مأساة من العسير التآمها، وما تزال
مستمرة ولمدى يعلمه الله تعالى، ويبدو أن نهايتها -في ظل الأجواء الحالية- لن تكون
دفعة واحدة بل سيتكفل الزمان بهذا عبر سنوات طوال، سواء بسواء كما كانت مأساة
الجماعة نفسها الأولى مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 1954م. الشاهد أن ترشح
الجماعة جاء إعلامياً بدرجة ما، إذ استكان أغلب أعضائها في المدن الممتدة في الجمهورية
وكذلك القرى والكفور والنجوع إلى أن "إخوانهم الذين فوق يعرفون كل شيء"،
فيتفهمون بالمقولة سبب عدم الترشح الأول؛ وكذلك سبب اتخاذ قرار بالنقيض تماماً بعد
أشهر قليلة.
وفي إطار قيادة إعلاميين ودعاة للمشهد المعارض بالمنافي، صرح المهندس مدحت
الحداد، عضو مجلس شورى الجماعة ورئيس -حيناً- وعضو مجلس إدارة إحدى الفضائيات أخرى،
ورئيس مكتب إسطنبول الإداري لفترة، بالسبب قائلاً إن الراحل رئيس الوزراء كمال
الجنزوري أعلن قبلها أن قرار حل مجلس الشعب (أول مجلس منتخب بعد الثورة وبعامها
التالي) في درج مكتبه، ولأن الجماعة قدمت تضحيات كبرى في الثوة فلم يكن من الممكن
أن تصمت عن مثل هذا الأمر، أو عن إصرار الجنزوري على عدم رئاستها الوزارة أو تولي
وزارة مهمة. ولاحقاً وفي 2020م أعد أحد المواقع التابعة للجماعة دراسة لعلها لم تخرج
عما أعلنه الحداد قبلها بسنوات قليلة، وإن كان الأخير قدم تفصيلة عدم جواز خروج
الجماعة من المشهد السياسي بعدما قدمت من تضحيات. وتصريحه لم نقف عليه على الشبكة
العنكبوتية -الإنترنت- حالياً!
جاء التصريح بعد سنوات من الترشح وما جره على البلاد والعباد وفي القلب
منهم الجماعة نفسها والتيار الإسلامي كله، والمدقق فيه يعتقد تماماً أنه جزء كبير
من المأساة وإن كان يغلب على اعتقاده أن هناك أسباباً أخرى، فمن قال إن تضحيات
الجماعة في أيام الثورة كان يلزمها مقابلاً سياسياً فورياً؟ وهل جاء الترشح
للانتخابات للتضحيات، أم لأن دعوة الجماعة بلغت أشدها وصارت تستحق أن تحكم مصر وفق
نظرية مؤسسها -رحمه الله- وإعلان الجماعة بعد حكمها؟ وإن كانت هذه الكلمات صحيحة
في سياق معين، فلماذا لم يتم الإعلان عنها في وقتها؟ وهل يدل عدم الإعلان عن أن
الجماعة نفسها تضمر ما لا تعلن عنه؛ وأن أفرادها الذين يدفعون دماءهم دفاعاً عن
هذه القرارات -وقد كانوا وما يزالون- يبعدون عن فهم دوافعها الحقيقية فضلاً عن
مناقشة نفس الدوافع والأهداف والتصويت عليها؟
أثيرت لاحقاً حول القرار إشكاليات كبرى حول صحة اتخاذه واضطرار مجلس شورى
عام الجماعة للانعقاد لثلاث مرات للوصول إليه والتصويت في كل مرة، وصولاً لاتخاذه
بأغلبية بسيطة وصلت إلى 4 أصوات فحسب (52 مقابل 48)، للمرة الأولى بتاريخ الجماعة،
وكان في الجانب المعترض مرشدها الحالي والسابق، لكن جناحاً في الجماعة آثر الإكمال
والضغط بكل ما يملك، وكان قد اتخذ قراره من قبل وأنشأ مكتباً موازياً لمكتبها في إحدى
المحافظات غير البعيدة عن العاصمة ليستطيع التحكم في القرار، مع حسن إعداده لإفهام
الآخرين مراده.
وفي سياق نقد السياسة نفسها خرج القيادي في الجماعة وعضو مجلس شوراها، الدكتور
جمال حشمت، في بداية 2017م ليعلن بوضوح أن قرار الترشح للانتخابات الرئاسية كان
خطأ واضحاً، فلم يكن من المفترض أن يجيء بالأغلبية النسبية بل بأغلبية مطلقة (ثلثي
عدد أعضاء المجلس على الأقل) نظراً لما مثله القرار من خطورة كان يجب تبينها
عندها، مع ما ترتب عليه لاحقاً.
ما يحزن أكثر فيما سبق أن الجماعة التي ليس في آلياتها أو أعرافها المعلنة
الثورة وفق منهج مؤسسها -رحمه الله- وهو النهج الذي اجتذب مئات الآلاف للانضواء
تحت أهدافها رغبة في خدمة دينهم، تغير ذاك النهج غفلة، وإن كان الأمر له ضرورة في
25 يناير فماذا كانت ضرورته الحقيقية في الأول من نيسان/ أبريل منذ 11 سنة كبيسة
للأسف المرير؟
ليت العقلاء المخلصين من جميع أطياف المعارضة المصرية يفكرون بهدوء في مثل
هذه المفاصل البالغة الخطورة والدقة من تاريخها؛ لا ليقفوا أمامها بل ليتخذوا دروساً
للمستقبل، وكفى ما كان من تكرار لأخطاء بالغة الوضوح!