تراجع المخزون
الرئيسي من السلع الاستراتيجية في
مصر إلى مستويات متدنية على رأسها القمح، فيما
انخفض الاحتياطي في عدد من السلع الأساسية الأخرى في مؤشر على تراجع قدرات الحكومة
المصرية على الحفاظ على حجم الاحتياطي من تلك السلع بسبب أزمة
الاقتصاد المصري.
وكشف وزير التموين والتجارة الداخلية المصري،
علي المصيلحي، في آخر تصريح له، عن تراجع مخزون القمح إلى أدنى مستوى له، وأصبح
المخزون لا يكفي حاجة الاستهلاك المحلي إلا 70 يوما فقط بدلا من متوسط 6 أشهر.
وتستورد مصر
نحو 12 مليون طن من القمح سنويا، وتستهلك قرابة الـ18 مليون طن، من بينها نحو 9
ملايين طن لإنتاج الخبز المدعوم الذي يُصرف على البطاقات التموينية لإنتاج ما يقرب
من 270 مليون رغيف يوميا.
وواجهت مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، صدمات
سعرية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية حيث أن نحو 80% من وارداتها تأتي عادة من
روسيا 50% وأوكرانيا 30%، ما اضطرها إلى التوجه إلى أسواق جديدة بأسعار أكثر
ارتفاعا لزيادة مخزونها.
وأدى ارتفاع
أسعار القمح العالمية إلى ارتفاع فاتورة واردات مصر من القمح إلى نحو 4 مليارات
دولار خلال الـ11 شهرا الأولى من 2022، وذلك وفقا لنشرة
التجارة الخارجية لشهر
نوفمبر الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وانخفض رصيد
الأرز إلى 3.5 شهر، مقارنة بـ 6.5 شهر قبل نحو 3 أشهر، وارتفعت أسعاره بأكثر
من 100% في أقل من عام، ولامس الـ30 جنيها بدلا من نحو 14 جنيها رغم تحقيق الاكتفاء
الذاتي من إنتاج الأرز بنسبة 90%.
وفي ما يتعلق
بباقي السلع الاستراتيجية مثل السكر والزيت فقد تراجع مخزونها بوتيرة أقل وظلت عند
مستويات معقولة؛ إذ يغطي رصيد السكر 4 أشهر، والزيت نحو 4.3 شهر، والمكرونة تكفي
استهلاك نحو 7.5 شهر.
ورغم التراجع الكبير في الاحتياطي الاستراتيجي
من مختلف السلع الأساسية إلا أن وزير التموين اعتبره مطمئنا، مشيرا إلى استمرار
توافر هذه السلع بتخفيضات من 20% إلى 30% بمنافذ الوزارة ومعارض أهلا رمضان، على
حد قوله.
ما دلالات
تراجع احتياطي السلع؟
يرى مستشار
وزير التموين سابقا، الدكتور عبد التواب بركات، أن "تصريحات الحكومة بشأن
الاحتياطي الاستراتيجي من السلع جاء كاشفا عن الحجم الحقيقي عن المخزون في بعض
السلع رغم أن النظام اعتاد أن يروج لوجود مخزون استراتيجي كاف من السلع يتراوح من
ستة أشهر إلى سنة"، مشيرا إلى أن "وزير التموين المصري صرح بحضور
السيسي
نهاية العام الماضي، بأن المخزون الاستراتيجي لكلٍ من القمح والسكر والذرة والزيت
والأرز، يكفي لمدة من 4 إلى 6 أشهر، فضلاً عن المتوفر من اللحوم الطازجة والدواجن،
والذي يكفي لمدة عام كامل".
وأضاف لـ"عربي21": "لكن الكشف عن
تراجع المخزون له عدة دلالات؛ الأولى هو عجز الاحتياطي الأجنبي عن تأمين شراء
السلع الأساسية، والثاني هو استرعاء انتباه الدول الداعمة، لا سيما الخليجية، لدفع
الدولارات اللازمة لاستيراد القمح والذرة وزيت الطعام".
وحذر بركات من
"تداعيات استمرار خفض المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية على الأمن
الغذائي المصري، والاستقرار المجتمعي؛ وتوفرها يعد صمام أمان في بلد يضم أكثر من
104 ملايين نسمة أكثر من 60% منهم فقراء بسبب سياسات النظام التي أفقرت
الشعب".
ماذا وراء نقص
السلع؟
وتسببت أزمة
نقص النقد الأجنبي وصعوبة توفير الدولار وتعويم المحلة المحلية التي انخفضت إلى
مستويات تاريخية بتكدس البضائع في الموانئ المصرية ما أدى إلى نقص البضائع واختفاء
بعض السلع وتوفيرها بكميات أقل في الأسواق للمستهلكين.
ولجأت
المتاجر والسلاسل التجارية الكبيرة إلى وضع لافتات تحدد الحد المسموح به لشراء سلع
معينة، بعبوة واحدة، أو عبوتين أحيانا، في ظل أزمة نقص المعروض في بعض السلع
الاستراتيجية مثل الزيوت والسكر والدقيق والأرز.
وفي آخر
تقرير للبنك الدولي توقع تباطؤ نمو اقتصاد مصر إلى 4% في 2023 و 2024 مقابل 6.6%
العام الماضي، كما توقع أن ينخفض معدل نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي
الحقيقي من 5.2% في 2022 إلى 2.2% خلال العامين الحالي والقادم.
ما هي خيارات
مصر؟
وعن أسباب هذا
التراجع في المخزون، يقول استشاري تمويل وتطوير المشروعات والأوقاف الاستثمارية،
الدكتور علاء السيد، إن "أزمة عدم توافر الدولار وأزمة الرصيد بالسالب لصافي
الأصول الأجنبية في الجهاز المصرفي وأزمة تراجع مصادر الحصول على القروض الأجنبية
وهروب رأس المال الساخن والاستثمارات الأجنبية المباشرة وتريث الصناديق السيادية
الخليجية عن ضخ الدولارات مقابل استحواذهم على أصول وشركات مصر، كل ذلك أثر على
قدرة الحكومة المصرية على تدبير الدولارات من أجل استيراد المواد الغذائية
الأساسية وعلى رأسها القمح".
مضيفا لـ"عربي21": "كل تلك
الأزمات الطاحنة التي صنعها فشل الحكومة في إدارة ملف الاقتصاد المصري ساهمت في العجز
الحكومي في تدبير مخزون مناسب من السلع الغذائية الاستراتيجية، هذا التراجع يعني
أن الحكومة المصرية أمام تحدي كبير للغاية لتدبير تدفقات النقد الأجنبي بأي صورة
ومن أي مصدر وبأي وسيلة وفي وقت قصير جدا مما يجعل شروط الحصول على هذا النقد
الأجنبي المطلوب قاسية ومجحفة وموجعة للمواطنين".
واستدرك
قائلا: "لكنني أتوقع أن يتدخل صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي
والشركاء الدوليين والإقليميين في الوقت المناسب لإنقاذ مصر وأمنها الغذائي
واستقرار نظام الحكم فيها لكن المقابل سيكون باهظا للغاية في تقديري وربما لن يعلن
عن كثير من شروط هذا الإنقاذ لأنها لن تكون مقبولة بأي حال من المواطنين أو على
الأقل من الخبراء الاقتصاديين لخطورتها على اقتصاد البلاد واستقلالها".