سياسة دولية

في عيد ميلاده الـ100.. هكذا قرأ كيسنجر المشهد الدولي

قدّم كيسنجر مقارنات بين طرق تفكير الدول الكبرى في السياسة الخارجية- جيتي
أجرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، مقابلة مع وزير الخارجية الأمريكي السابق ومستشار الأمن القومي، هنري كيسنجر، أحد أبرز خبراء السياسة المعاصرين.

المقابلة التي أجريت بمناسبة عيد ميلاد كيسنجر الـ100، والذي يصادف اليوم السبت، تحدث خلالها السياسي المخضرم عن المشهد الدولي، في ظل تنامي الصراع بين الولايات المتحدة والصين.

وقال كيسنجر إن التنافس بين واشنطن وبكين من شأنه "تمزيق الكرة الأرضية"، محذرا من لجوء الطرفين إلى تصنيع أسلحة جديدة "مخيفة".

كيسنجر الذي تقلد مناصب حكومية في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، في ستينيات وسبعينات القرن الماضي، تحدث عن أن نظرته للمتغيرات في العالم، تختلف عن نظرة الاقتصادي البارز والوزير السابق جورج شولتز، الذي توفي في 2021 بعد أن عاش 100 سنة كاملة.

وقال كيسنجر إن الخلاف بين نظرته السياسية ونظرة شولتز، هو أن دوافع تقييمه لأي قضية تنبع من السجل التاريخي والأخلاقي للمعنيين، فيما كان شولتز يقيم كل الأمور بناء على الدوافع الاقتصادية المطلقة فقط.

"فوضى"
بحسب كيسنجر، فإن الكلمة التي تصف الواقع في العالم اليوم هي "الفوضى"، مضيفا أن "جميع الدول الكبرى تقريبًا تسأل نفسها عن توجهاتها الأساسية. معظمهم ليس لديهم توجه داخلي، وهم في طور التغيير أو التكيف مع الظروف الجديدة".

وأضاف: "هو ما يعني أنه عالم تمزقه المنافسة بين الولايات المتحدة والصين. البلدان الكبيرة مثل الهند، وكذلك الكثير من الدول "التابعة"، ليس لديها وجهة نظر سائدة حول ما يريدون تحقيقه في العالم، إنهم يتساءلون عن ما إذا كان ينبغي عليهم "تعديل" تصرفات القوى العظمى، أو السعي لتحقيق "درجة من الاستقلالية".

ولفت إلى أن بعض الدول الكبرى تصارع مع هذه الخيارات منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بينما اختارت بريطانيا التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة بعد ذلك، واختارت فرنسا الحكم الذاتي الاستراتيجي، ولكن من النوع "الذي كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالولايات المتحدة الأمريكية. الأمور التي أثرت على التوازن العالمي ".

أدت الرغبة الفرنسية في تحديد سياستها العالمية إلى إثارة الارتباك مع زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الأخيرة إلى بكين. بينما يقول النقاد إنه قوّض الصينيين، فإن كيسنجر يرى مثالا على الحكم الذاتي الاستراتيجي الفرنسي في العمل، أنه "من حيث المبدأ، إذا كان عليك إدارة السياسة الغربية، فأنت تريد أن يسألك الحلفاء فقط عن المساهمة التي يمكنهم تقديمها لك تجاهها. لكن هذه ليست الطريقة التي تشكلت بها الدول، ولذا فأنا متعاطف مع نهج ماكرون ".

مقارنات
قدم كيسنجر مقارنات بين نهج تفكير دول كبرى، ضاربا مثالا بفرنسا وبريطانيا، إذ يقول إنه لا تزعجه دعوة ماكرون، لدى عودته من بكين، زملاءه الأوروبيين إلى أن يكونوا أكثر من مجرد "أتباع لأمريكا".

ويضيف أنه "لا يأخذ الأمر بالمعنى الحرفي للكلمة"، ويقول: "أنا لست هنا كمدافع عن السياسة الفرنسية" ، مشيرا إلى أن كلام ماكرون نابع من عوامل ثقافية.

وتابع بأن "النهج الفرنسي في المناقشة هو إقناع خصمهم أو نظيرهم بغبائه"، بينما البريطانيون "يحاولون جذبك إلى إطارهم الفكري وإقناعك. يحاول الفرنسيون إقناعك بعدم كفاية تفكيرك ".

وحول الطريق الأمريكية، يقول كيسنجر: "النظرة الأمريكية هي الاستقامة، نعتقد أننا غير أنانيين، وليس لدينا أهداف وطنية بحتة، وأيضًا أن أهدافنا الوطنية يتم تحقيقها في السياسة الخارجية بصعوبة كبيرة لدرجة أننا عندما نعرضها للتعديل من خلال المناقشة، فإننا نشعر بالاستياء من المعارضين".

وأضاف: "نتوقع أن تستمر آرائنا، ليس لأننا نعتقد أننا متفوقون فكريا، ولكن لأننا نعتقد أن الآراء في حد ذاتها يجب أن تكون هي المهيمنة. إنه تعبير عن المشاعر الأخلاقية القوية مقترنة بالقوة العظيمة. لكنه عادة لا يتم طرحه كموقع قوة ".

العلاقة مع الصين
حول العلاقة مع الصين، قال كيسنجر إنه يعتقد أن "الفن هو تقديم العلاقات مع الصين على أنها مصدر قلق مشترك، يتم من خلاله إبرام الاتفاقيات لأن كلا الطرفين يعتقد أنه الأفضل بالنسبة لهما. هذا هو أسلوب الدبلوماسية الذي أفضله ".

وبحسب تقديراته، فإن "سياسة جو بايدن تجاه الصين ليست أفضل من سياسة دونالد ترامب"، مضيفا "لقد كانت متشابهة إلى حد كبير. تتمثل السياسة في إعلان الصين كخصم، ثم انتزاع التنازلات من الخصم الذي نعتقد أنها ستمنعه من تنفيذ رغباته الاستبدادية ".

وحول توصيفه لموقع الصين بنظره كأمريكي، قال كيسنجر: "أرى أن الصين في القوة التي تمثلها، خصم محتمل خطير".

وبرغم ذلك، يرفض كيسنجر اللجوء إلى خيار المواجهة مع الصين، مذكرا بأن "الحربين العالميتين كان يجب أن تعلّما أن السعر الذي يدفعه المرء حتى مع التكنولوجيا التقليدية لا يتناسب مع معظم الأهداف التي يمكن تحقيقها".

وأضاف: "لكن مع أسلحة اليوم، ومع النمو داخل كل مجتمع من خلال الإنترنت والبيولوجيا للتدخل في أراضي الآخر، فإن هذا النوع من الحرب سيدمر الحضارة".

وأضاف أن "أهم محادثة يمكن أن تحدث الآن هي بين الزعيمين، حيث إنهما يتفقان على أن لديهما أخطر القدرات في العالم وأنهما سيديران سياستهما بطريقة تقلل الصراع العسكري معهما".

وقال كيسنجر إن مسألة تايوان لا حل لها سوى الوقت، وأن تتوقف بالإضافة إلى الصين عن نشر التهديدات.

وأضاف بعد سؤاله عن طموحات الصين خارجيا: "لا أعتقد أنهم يرغبون في نشر الثقافة الصينية في جميع أنحاء العالم، إنهم يسعون إلى الأمن، وليس الهيمنة على العالم، لكنهم يتوقعون أن يكونوا القوة المهيمنة في آسيا".

رؤية مغايرة لحرب أوكرانيا
يؤيد كيسنجر أوكرانيا ضد الغزو الروسي، كما أنه يؤيد الموقف الأمريكي في دعم كييف دون التدخل العسكري.

ويرى أنه من الضروري قبول طلب أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو، بيد أنه قدم رؤية مختلفة لنتائج الحرب، معتبرا أن الدول المعادية لروسيا كسبت، عبر منع موسكو من جر الحرب إلى دول أخرى محيطة بأوكرانيا.

وأضاف: "هناك أخطار أخرى يمكن أن تبرز من روسيا. بينما ننهي الحرب، فإننا يجب أن نضع في اعتبارنا أن روسيا كان لها تأثير كبير على المنطقة لمئات السنين، وهي عالقة في تناقضها بين الإعجاب ومشاعر الدونية أو الخطر القادم من أوروبا".

ورغم تأييده انضمام أوكرانيا إلى الناتو اليوم، يرى كيسنجر أن طلب كييف الانضمام إلى دول حلف شمال الأطلسي سابقا كان "خطأ فادحا" وهو ما أدى إلى هذه الحرب.

للاطلاع على النص الأصلي (هنا)