سياسة عربية

بعد تنامي أصوات المعارضة.. هل مصر على موعد مع حراك نخبوي؟

هل يرشح السيسي نفسه لولاية جديدة؟ - جيتي
 ارتفعت مؤخرا الأصوات المعارضة لرئيس النظام في مصر، عبدالفتاح السيسي، بشكل مثير للتساؤلات، مع تفاقم أزمات البلاد السياسية والاقتصادية ومواصلة الحكومة ضغوطها على المصريين، واستمرارها في سياساتها التي وصفها خبراء بالفاشلة.

وبلغت ديون مصر الخارجية 163 مليار دولار حتى الربع الثاني من العام المالي الحالي، مسجلة ارتفاعا بمعدل 5 أضعاف في 10 سنوات، فيما لامس معدل التضخم أعلى مستوى تاريخي له مسجلا 41 بالمئة في حزيران/ يونيو الماضي.

 ويعيش المصريون في ظل موجة حرارة غير مسبوقة بلغت نحو 45 درجة مئوية في بعض محافظات مصر، وهو ما قابلته الحكومة بتخفيف أحمال التيار الكهربائي، ما زاد الغضب الشعبي، والحراك النخبوي.

"رسالة أبوالغار"

أبرز الانتقادات جاءت على لسان رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، محمد أبوالغار، الذي طالب السيسي، في 21 تموز/ يوليو الجاري، بالاعتذار للشعب المصري.

وتحت عنوان "مخاطر تفكك الدولة"، قال أبوالغار، إن "ما يقوم به النظام المصري هو السير بخطوات سريعة لتفكك الدولة وانهيارها".

 ودعا قيادة الدولة لإعلان أنها أخطأت في سياسة القروض، وبناء العاصمة الإدارية، وقوانين الاعتقال والمحاكمات، وحبس عشرات آلاف لم يحملوا سلاحا ولم يحرضوا على العنف.

وطالب السيسي، بالاعتراف بأنه أخطأ في ملف مياه نهر النيل، وفي سياسته مع الدول العربية، وفي الاستعانة بأهل الثقة وإهمال أهل الخبرة.



ووجه الحقوقي بهي الدين حسن، انتقادا صريحا ومباشرا للسيسي، في الذكرى العاشرة لحصول الأخير، على تفويض مؤيديه في 25 تموز/ يوليو 2013، لمواجهة ما أسماه بـ"الإرهاب المحتمل".


 وكتب يقول: "هي اللحظة التأسيسية الحقيقية لكل بشاعة نظام الحكم التي أدركها المصريون بعد 10 أعوام"، مضيفا أنه "بزعم مكافحة الإرهاب انتزع السيسي لنفسه شخصيا تفويضا إلهيا بأن يفعل ما يشاء بثروات البلاد وحياة المصريين دون رقيب أو حساب".


 "جدل العوضي"

وبرغم عضويته بـ"لجنة العفو الرئاسي" التي شكلها السيسي، في نيسان/ أبريل 2022، إلا أن المحامي طارق العوضي، أثار الجدل والتساؤلات بقوله عبر تويتر: "هناك شيء ما يحدث"، ما اعتبره مراقبون إشارة إلى أن هناك ما يحدث بالغرف المغلقة.


لم يكتف العوضي، بذلك بل إنه دافع بشدة عن فتاة السويس التي رفعت لافتة قبل أيام وكتبت عليها: "مصر منورة بأهلها وإسرائيل بغازنا"، وتم تداول أنباء اعتقال الأمن المصري لها.

وقال العوضي: "ما فعلته هذه الفتاة حق مقرر قانونيا ودستوريا، فعلها احتجاج سلمي راق وتعبير عن الرأي بشكل قانوني متحضر، إذا صحت رواية أنه تم القبض عليها فإن من قام بهذا ارتكب جريمة القبض والاحتجاز دون وجه حق".



"رئيس حسيس"

وبرغم الانتقادات السابقة إلا أن الانتقادات الساخرة من الأكاديمي والإعلامي المصري المؤيد للسيسي، معتز عبدالفتاح، من منصة "المشهد" الإماراتية، كانت الأكثر جدلا، خاصة أنه قارن بين اقتراب السيسي من الفترة الرئاسية الثالثة وبين قرار الرئيس السنغالي ماكي سال، عدم الترشح لدورة ثالثة.

وأنهى حديثه بإهانة مباشرة للسيسي، بقوله: "اللهم رئيس حسيس زي الرئيس السنغالي"، وهو الحديث الذي حاول عبدالفتاح التراجع عنه لاحقا.

 "الانسحاب من الحوار"

والأسبوع الماضي، هدد عدد من أعضاء الحركة المدنية الديمقراطية المصرية (أكبر كيان معارض داخل البلاد بالانسحاب من الحوار الوطني، فيما أكد القيادي بالحركة سمير عليش، لـ"عربي21" الأحد الماضي، أن "الحوار الوطني لم يؤت ثماره المأمولة"، مشيرا إلى احتمال انسحاب أحزاب وشخصيات الحركة من الحوار.

وفي 21 تموز/ يوليو الجاري، تداول نشطاء مقطع فيديو لعضو مجلس النواب المصري، عبدالعليم داود، يشن فيه هجوما على حكومة السيسي، واصفا الواقع المصري بأنه "مؤلم ومفجع"، منتقدا استمرار سياسة الاقتراض الخارجي والمشروعات الوهمية مقابل تجويع المصريين.

وقال: "لنا أن نبكي عما يحدث في مصر من قروض وضرائب وتجويع الناس".




"إلهام.. والقهر"

وفي هذا الإطار، وجهت الكاتبة المصرية إلهام عبدالعال التي تقيم خارج البلاد، للسيسي الانتقادات بموقع المشهد المصري، تحت عنوان "الرسالة التي لن تصل إلى الرئيس"، تحدثت فيها عن المعاناة والقهر الذي يعيشه المصريون، موجهة سؤالها للسيسي: "هل شعرت يوما بالقهر؟ لا أظن. شعبك يشعر الآن بالقهر".

 "قلق أنصار السيسي"

وإزاء تلك الانتقادات بدا القلق واضحا على أنصار السيسي، وهو ما يؤكده وثيقة كشف عنها الصحفي المصري المعارض بلال فضل، ووصفها مراقبون بالخطيرة، وهي تدعو المصريين للتوقيع عليها مطالبة إياهم بتفويض السيسي للحكم لمدة رئاسية ثالثة.

الوثيقة جاءت بعنوان "صوت مصر"، وتدعو لتعديل دستوري لإنشاء ما أطلقوا عليه اسم "اللجنة العليا للتخطيط والإدارة"، والتي وصفها البعض بالسلطة الرابعة التي ستهيمن على كل شيء وتكون فوق الحكومة.

 بعض مؤيدي النظام، وتخوفا من حدوث منافسة قوية للسيسي في انتخابات الرئاسة المحتملة نهاية العام الجاري وخاصة من جمال مبارك، وعن احتمالات دعم أجهزة أمنية له، تقدموا بدعوى تطالب بمنع نجلي مبارك من الترشح لأي منصب رفيع.

مدير المركز القومي لدعم المواطنة وحقوق الإنسان المحامي عبدالسلام إبراهيم إسماعيل، أقام دعوى قضائية يطالب فيها بإحالة جمال وعلاء مبارك للنيابة العامة لاتهامهما بالكسب غير المشروع، واسترداد الأموال المهربة، ومنعهما من الترشح لأي منصب بالدولة.

"مرحلة الفوران"

وفي قراءته لمشهد ارتفاع الأصوات المعارضة لنظام السيسي، ودلالات تنامي أصوات المعارضة في مصر، وما قد يتبع ذلك من حراك نخبوي قوي قد يتبعه دعم شعبي، قال السياسي المصري والبرلماني السابق الدكتور ثروت نافع: "في تقديري أن ما يحدث الآن هو نتاج حالة الغليان التي أشرت إليها في أحاديث سابقة مع عربي21".

مؤسس "الحركة الليبرالية المصرية"، أضاف لـ"عربي21"، أن تفويت النظام تلك الانتقادات مفاده "ألا تصل هذه الحالة إلى الفوران ليس أكثر، ولا أعتقد أنه سمح بالنقد نتيجة تغير في سياساته القمعية، بدليل أنه قبض على فتاة السويس لحملها لافتة".
 
وأكد أن النظام "يعتقد أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي شعر بها حتى مؤيدوه والمستفيدون من حكمه قد تمر  لو حدثت تغيرات بسياسات الخليج أو حدثت تغيرات خارجية".

وهو هنا، وفق رؤية السياسي المصري، "يحاول ألا يصل إلى مرحلة الفوران فيسمح بأحد التعليقات أو النقد حتى من داخل النظام لتفويت الفرصة على الفوران، لكنه لم ولن يغير سياساته لأنه قائم على فكرة الردع والقمع".

ولا يعتقد نافع، أن تلك الانتقادات مقدمة لحراك نخبوي قوي كما حدث في يناير 2011، مبينا أنه "إذا وصلت الحالة للفوران للأسف الشديد -هو ما لا نتمنى حدوثه- فإن القادم لن يكون نخبويا".

 واستدرك: "ولكن انفجارات في أماكن متفرقة وانفجارات عشوائية لا هدف سياسيا لها ولكنها ذات طابع اقتصادي أكثر منه سياسيا، وهذا يؤدي في النهاية إلى صدامات عنيفة جدا بالبلاد".

 وختم بالقول: "لا أتصور أن هذه مقدمة لحراك نخبوي ولكنها مؤشر على ازدياد درجة الغليان، والنظام يحاول ألا تصل الأمور لدرجة الفوران، وأي مراقب للوضع يمكنه أن يستشعر الأمر مع تفاقم الأزمة الاقتصادية الطاحنة".

 "نحو الهاوية"

من جانبه، قال الكاتب الصحفي المعارض أحمد حسن بكر: "كل الشواهد تؤكد أن السيسي ونظامه يندفعان بسرعة الصاروخ نحو الهاوية، والعد التنازلي لنهاية حكمه بدأ".

بكر، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "الضغوط الاقتصادية تزداد شدتها، والغضب الخليجي من سياساته أصبح واضحا للعيان وصارت قناعة الخليج -داعمه الأكبر- أن استمرار السيسي بالحكم قد يؤدي لفوضى وثورة، حتما ستؤثر على استقرار دوله، لذا فقد بدأ الخليج يفكر في بديل مدني يكون طوع اليمين".

 وأضاف: "ثم جاءت أزمة انقطاع الكهرباء لتزيد من لهيب الأسعار وسخونة الصيف، وتقضي على أحلام السيسي، وأوهامه، بأن يجري مسرحية هزلية لانتخابات رئاسية".

وتحدث الكاتب الصحفي عن تسريبات متواترة "مفادها أن هناك غضبا وتذمرا وقلقا لدى قيادات الأمن الوطني، والمخابرات العامة، بسبب تنامي الغضب الشعبي ووصوله للحالة الحرجة، التي تؤشر لإمكانية حدوث انفجار بأي لحظة"، وفق قوله.


وعلى الجانب الآخر، قال بكر، إنه "في الوقت نفسه مازال السيسي، وبعض أركان نظامه، الذين ارتبط مستقبلهم به يدفعون نحو المسرحية الهزلية لما يسمى انتخابات رئاسية".

 ولفت إلى أن "قيادات الأمن الوطني وأغلب ضباطه، يعلمون أن الأجهزة الأمنية هي التي ستدفع فاتورة ما اقترفه السيسي، بحق مصر، كما حدث بثورة 25 يناير 2011".

 وأشار إلى أنه "لذلك بدأت القبضة الأمنية تخف قليلا، وهناك غض للطرف عن الأصوات المعارضة، بل وتتمنى هذه الأجهزة أن ترتفع الأصوات المعارضة بوتيرة أسرع، لتكون أحد أهم وسائل الضغط على السيسي، ليرحل طوعا، ويعلن عدم الترشح".

" الحل الآمن.. والبديل المدني"

وقال بكر، إن "التسريبات الصادرة عن أجهزة أمنية سيادية تؤكد، أن اقتلاع السيسي سيكون من مؤسسات سيادية، وأن المعضلة أنهم يريدون بديلا عسكريا، لكنهم يعلمون أن الشارع يرفض، وأن دولا خليجية ترفض، لذلك فالأمور بالمستويات العليا لتلك المؤسسات تسير في تخبط وعشوائية وقلق".

 وعن الوثيقة المسربة من قبل الكاتب بلال فضل، يعتقد بكر، أن "هذا أمر تخطاه الزمن، ولن يكون بمقدور جهة من الجهات النزول للشارع لجمع توقيعات تأييد، أو مطالبة للسيسي للترشح مرة ثالثة".

 وعاد للتأكيد مجددا على أن "حالة خوف وقلق تسيطر على المستويات العليا لمؤسسات الدولة السيادية، وأن الجميع لدية قناعة وتأكيدات من تقارير الرأي والمعلومات، بأن انفجارا وشيكا قد يحدث بشكل عفوي، سيكون من الصعب السيطرة عليه"، بحسب قول بكر.

وأضاف: "ولو تصدى الجيش له ستكون الكارثة، وأن الشرطة لن تصمد أكثر من ساعات قليلة، وسيصب الشارع غضبه بقوة على قوات الأمن، وستعم حالات فوضى وتخريب كبيرة".

 وأشار إلى وجود "اقتراحات بإعلان السيسي عدم الترشح"، مبينا أن "تلك المستويات ترى أن الحل الآمن هو إعلان السيسي عدم الترشح، ودفع المؤسسة العسكرية بمرشح لها، لمنافسة بعض المرشحين المدنيين".

 ولفت إلى أن "البعض الآخر من تلك المؤسسات لا يرى غضاضة في عدم ترشح أي عسكري بسبب الرفض الشعبي الكبير، والبحث عن مرشح مدني مقبول يكون ملك اليمين، أي تحت السيطرة، للحفاظ على دولة العسكر، وأموالهم".


وأجمل القول، في أن "نظام السيسي يحتضر، وكل مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادية بحالة ارتباك وترقب بسبب تزايد الغضب الشعبي، وبسبب رفع بعض الدول الخليجية حمايتها ودعمها عن السيسي".

"ضوء أخضر"

ويعتقد أن "الكتابات التي ظهرت مؤخرا وتلك الشجاعة التي كانت غائبة مردها ضعف القبضة الأمنية، والضوء الأخضر من داخل النظام، وتأكيد أن صافرة النهاية لحكم السيسي انطلقت".

 وقال إن "الإدارة الأمريكية لديها معلومات من سفارتها بالقاهرة، تؤكد تنامي الغضب الشعبي، وأن أي حراك سيكون عفويا وفوضويا، وسيؤثر سلبا على استقرار المنطقة برمتها، وأن استمرار السيسي، صار مرفوض تماما، حتى من مؤسسات الدولة، وكذلك ترى إسرائيل أنه يتوجب تغيير رأس النظام".

ويعتقد بكر، أن "مصر على موعد مع حراك خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة، وسيبدي السيسي عنادا ورفضا -ليس في صالح مصر- للتخلي هو وأركان نظامه طوعا عن سدة الحكم".

وختم بالقول إن "الحراك والغضب الشعبي بدأ ولن يتوقفا إلا بانتخاب رئيس مدني جديد ينقذ ما يمكن إنقاذه من مصر التي ضاعت، وتقزمت"، وهو ما يقابله "خوف السيسي وأركان نظامه من المحاكمات، ومن بركان الغضب القادم".