ملفات وتقارير

"عربي21" ترصد أجواء العودة إلى المدارس في المغرب.. غلاء الأسعار يثقل كاهل أولياء الأمور

أزمة حقيقية تعاني منها الأسر مع بدء العام الدراسي- جيتي
"غلاء الأسعار نار تلهب كافة الأدوات المدرسية، خاصة لمن هم مثلي، لديهم أكثر من طفلين".. تقول ثورية، وهي سيدة لها ثلاثة أطفال يدرسون في مستويات مختلفة من التعليم الابتدائي، في مدينة سلا المغربية، معبرة عن معاناتها من الغلاء وخوفها من عدم قدرتها على اقتناء كافة المستلزمات قبيل افتتاح المدارس.

أما عبد الله، وهو أب لطفلين، فهو يحوم بنظره داخل سوق شعبي لبيع الكتب ومستلزمات الدخول المدرسي، فيقول: "إنني متذمّر طبعا من التكاليف المرتفعة للحياة المعيشية العادية، ناهيك عن تزامنها مع موجة ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية".


على غرار ثورية، وعبد الله، تحدثت "عربي21" لعدّة آباء، داخل سوق شعبي خصّص جانب منه لبيع المستلزمات الدراسية، ممّن عبّروا عن ارتفاع أسعار كافة ما يتعلق بالدخول المدرسي، من حقائب وكتب ودفاتر وأقلام، ناهيك عن اللباس الرسمي الموحّد المخصص للأطفال من طرف عدد من المدارس.

غلاء في كل شيء
في ظل موجة غلاء الأسعار التي مسّت المعيشة اليومية للمواطنين المغاربة، بات الدخول المدرسي كابوسا يقض مضاجعهم، ويشوه ملامح أيامهم الصيفية؛ حيث عبّر أكثر من أب وأم في حديثهم لـ"عربي21" عن أنهم لم يستطيعوا السفر خلال العطلة الصيفية، من أجل توفير المال للدخول المدرسي "الملتهب". 


تذمّر الأسر المغربية، بات جليا من خلال الواقع الفعلي، وكذا من خلال منشورات عمّت مواقع التواصل الاجتماعي، كشفت أن الأمر لا يمس فقط تلاميذ المدارس العمومية، بل إنه وصل إلى المدارس الخاصة؛ ما دعا البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، إلى نقل النقاش إلى قبة البرلمان، حيث طالبت وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى بـ"حماية الأسر وأصحاب المكتبات من جشع مؤسسات التعليم الخصوصي".


وأوضحت التامني، خلال سؤالها الذي اطلعت عليه "عربي21" أن "الأسر المغربية، تواجه أزمة حقيقية في كل دخول مدرسي جديد، في كل ما يتعلق بمستلزمات وأدوات مدرسية وما تتطلبه من مصاريف تثقل كاهلها في ظل تزايد ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وذلك سواء بالنسبة للتعليم العمومي، أو في ما يخص التعليم الخصوصي الذي تزداد حدة تكاليفه المرهقة للأسر مع رسوم التسجيل وارتفاع أسعار الواجب الشهري، بالإضافة إلى غلاء الكتب المدرسية المطلوبة". 

وأشارت البرلمانية، إلى أنه "في كل سنة، تُخالف مؤسسات التعليم الخصوصي، وظيفتها باعتبار ما ينص عليه القانون أولا، أو ما تدعيه من كونها مؤسسة تربوية، رغم الاستفادة الضريبية والامتيازات التي تتمتع بها، وتتّجه إلى الجانب الربحي الصرف" مبرزة أن "العديد من مؤسسات التعليم الخصوصي على الصعيد الوطني، قامت بفرض بيع الكتب المدرسية ومسلتزماتها للتلاميذ في بداية كل موسم دراسي، ما يتناقض مع الوظيفة التعليمية لفائدة الجانب التجاري".

وما تم تسجيله، بحسب البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، هو "الأثمنة المرتفعة للمستلزمات والكتب، مقارنة مع باقي المحلّات التجارية المتخصصة في هذا النوع من المبيعات، بالإضافة إلى فرض مقررات بعينها أمام ضعف تدخل ومراقبة القطاع الوصي".

وفي السياق نفسه، استنكرت رابطة الكتبيين بالمغرب "لجوء بعض مؤسسات التعليم الخصوصي إلى بيع الكتب المدرسية ومستلزماتها للتلاميذ في بداية كل موسم" متهمة "هذه المدارس باستغلال أولياء التلاميذ وابتزاز الأسرة المغربية".

وكان فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، قد تقدم بمقترح قانون، بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي، بهدف منع بيع الكتب المدرسية داخل مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، وهي الخطوة التي رحبت بها الجمعية المغربية للكتبيين، معتبرا أن "ظاهرة بيع الكتب والمقررات والمستلزمات الدراسية، داخل فضاء المدرسة الخصوصية، أو التعاقد بشكل حصري مع مكتبة واحدة وتوجيه أولياء التلاميذ نحوها، انتشرت خلال السنوات الأخيرة".

غلاء في الأسعار واختلاف في الأفكار
في الوقت الذي رصدت فيه "عربي21" توالي شكاوى ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية، من طرف جل الفئات المجتمعية، لاحظت تراجع انتشار مبادرات تبادل الكتب الدراسية والأجنبية القديمة على وسائل التواصل الاجتماعي، في السنة الجارية، كما كان الأمر في السنوات الماضية، الأمر الذي رجّح عدد من المتحدثين أن سببه "راجع إلى كثرة تغيير المناهج التعليمية من لدن الوزارة الوصية".

وفي هذا السياق، دق الأكاديمي والتربوي المغربي، خالد الصمدي، جرس إنذار، من خلال منشور في حسابه على "فيسبوك"، أكد فيه أن "الكتاب المدرسي ليس كتابا عاديا يتم اقتناؤه من رصيف، أو يحدده شخص طبقا لرؤيته وتلبية لإرادته واختياراته، ثم يفرضه على التلاميذ في أي مؤسسة تعليمية".


وتابع، الصمدي، الذي شغل في ظل حكومة العدالة والتنمية، منصب كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي: "هو كتاب مقدس في أذهان التلاميذ بالمعنى التربوي للكلمة" مبرزا أنه لهذه الاعتبارات "يحرص كل بلد على أن تكون مضامين الكتب المدرسية المعتمدة في مؤسساتها التعليمية مبنية على أسس قانونية وعلمية وبيداغوجية تعكس خياراتها الدينية والتاريخية والحضارية وتحصنها من كل الاختراقات العقدية والإيديولوجية التي تمس بها".

وأشار إلى تزايد تخوف أولياء الأمور، من المضامين التي تم إدراجها حديثا في عدد من الكتب المدرسية، بالقول: "سجلنا في بداية السنة الدراسية الماضية، وهذه السنة على وجه الخصوص، قلقا متزايدا للآباء والأمهات والتلاميذ والتلميذات على حد سواء من ما يتسرب إلى الكتب المدرسية من تلوث عقائدي وإيديولوجي واجتماعي وأسري، خاصة في ما تسميه بعض المؤسسات التعليمية كتابا موازيا مستوردا من بيئات ثقافية وتعليمية مخالفة لبيئتنا وثقافتنا". 

وتابع: "تصبح هذه الكتب والقصص بالتدريج كتبا رئيسية، والكتاب المدرسي الرسمي الوطني المعتمد من طرف الوزارة الوصية كتابا هامشيا، ينظر إليه بنوع من الازدراء  والتنقيص، في عدد من المؤسسات التعليمية الخصوصية، في ظل ضعف وهشاشة جهاز الرقابة الذي تكلفه الوزارة الوصية بصيانة أبناء المغاربة من كل ما يهدد قيمهم وهويتهم الدينية والوطنية".

من جهته، قال الفاعل التربوي، عبد الوهاب السحيمي، إن "غلاء أسعار الكتب المدرسية، خاصة بقلب التعليم الخصوصي في المغرب، يؤكد تغول القطاع، وكأنه غير معني بالقوانين والمنظومة المؤطرة، وكأنه كذلك فوق التدابير التي تفرضها وزارة التربية الوطنية، وكأنه تابع لفرنسا" متابعا بأن "كافة المستثمرين في قطاع التعليم الخصوصي يعتبرون أنفسهم فوق القوانين التي تحث عليها الجهات الوصية".

وتابع السحيمي، في حديثه لـ"عربي21" أن "أثمنة الكتب المدرسية في التعليم العمومي كذلك تسحق جيوب المغاربة، وهو الأمر الذي نشعر به داخل الأقسام الدراسية" مشيرا إلى أنه "مبادرة مليون محفظة التي تقوم بها الدولة المغربية للفئات ذات الدخل المحدود، غير كافية، وعدد كبير من الأسر الفقيرة لا تستفيد منها".

أما بخصوص المواضيع التي تم إدراجها في عدد من الكتب المدرسية، التي أثارت سخطا عارما من لدن أولياء الأمور، علّق السحيمي، الذي يدرس بالتعليم الابتدائي بالقول: "هناك عدد من المواضيع من قبيل المثلية الجنسية، التي تضرب في الصميم الهوية المغربية، إذ تم إدراجها خصيصا داخل الكتب المدرسية للقطاع الخاص، وكأنها لا تخضع للمراقبة من طرف وزارة التربية الوطنية".

وطالب الفاعل التربوي، في ختام حديثه لـ"عربي21" بضرورة "تدخل وزارة التربية الوطنية لمراقبة المناهج التعليمية، وكذا ضرورة الحد من المشاكل العميقة التي يعيشها التعليم في المغرب سواء تعلق الأمر بالتعليم العام أو الخاص".