قضايا وآراء

رسالة شريهان لغزة المعبرة عن ضمير الأمة

اعتبرت شريهان الاحتفال في هذه الظروف عيبا ولا يليق، حتى لو كان على مستوى شخصي سري وغير معلن.. (أنستغرام)
الفنانة المصرية شريهان، معروفة بتاريخها الفني الحافل، سواء على مستوى التمثيل، أو الغناء الاستعراضي والمسرحي، وإن انقطعت منذ سنوات عن عملها الفني، إلا أن حضورها لا يزال بزخمه السابق، وهو ما يلاحظ على متابعيها على وسائل التواصل الاجتماعي، وموقفها من قضية الساعة وكل ساعة؛ قضية فلسطين، وفي القلب منها الآن: غزة، وما يجري فيها وفي أهلها، موقف واضح وثابت، بل ومشرف، فمنذ أحداث طوفان الأقصى، وكل تغريداتها متعلقة بغزة وأهلها، إلا أن يأتي حادث متعلق بأمر مصري مهم، تدلف إليه سريعا، ثم تعود أدراجها إلى موضوعها الثابت: غزة وأهلها.

وشريهان شأنها شأن عدد من الفنانين الذين ارتبط وجدانهم وقلبهم بقضايا أمتهم، وبخاصة فلسطين، واتساقا منها مع هذا الارتباط والتفاعل والاندماج، فقد جاءت لها مناسبة شخصية، وهو يوم ميلادها، يوم: السادس من ديسمبر، فوجئ جمهورها بهذه التغريدة على منصة: تويتر، تقول فيها:

"لا أريد أبدًا مضايقتكم وتحديدًا في هذا اليوم، "والذي أصبح يومكم" وأشعر حَقِيقَةً بالتقصير تجاهكم جميعًا في التواصل.. ولكن.. معذره وسامحوني، أخجل من أي أنواع الاحتفال حاليًا ولو حتى لمجرد ساعات محدوده في هذا اليوم، وهذا الوقت الصعب جدًا على نفسي، رسائلكم جميعًا غالية، ولكنها في وقت صعب، أعيش فيه أصعب وأقسى أيام وساعات ولحظات عُمري التي عشتها، ولن أكون سعيدة إن احتفلت سواء مع أسرتي وعائلتي الكبيرة، أو أسرتي وعائلتي الصغيرة، وهي أنتم محبي شريهان، الشريهانيين كما تحبوا أن أقول لكم، أو أتكلم معكم وأناديكم، وأنا سأظل أكثر من متشرفة..

سامحوني فما تبقى لي هو عدم التناقض، وقلبي وعقلي الذي لا يستوعب ما يحدث في العالم، وأنفاسي الأخيرة التي سأقابل بها ربي، ومعهم رفض إبادة الشعب الفلسطيني، ورفض قتل القضية الفلسطينية، ورفض ما يحدث للشعب المدني الفلسطيني في غزة بجميع فئاته، ورفض تهجيره القسري، وانتهاك حقوق الإنسان، ورفض التطهير العرقي والإبادة الجماعية الشاملة للشعب الفلسطيني، واغتصاب حقوق هذا الشعب الأسطوري العظيم، كان وسيبقى وإلى الأبد..

ولا يوجد عندي أمل في غير آية من آيات الله، ومعجزة من معجزاته سبحانه وتعالى؛ تنزل على الأرض في وقتنا هذا، لعالمنا هذا، لتنصر الحق والعدل، وتلحق بالإنسان والإنسانية.. سامحوني".

سامحوني فما تبقى لي هو عدم التناقض، وقلبي وعقلي الذي لا يستوعب ما يحدث في العالم، وأنفاسي الأخيرة التي سأقابل بها ربي، ومعهم رفض إبادة الشعب الفلسطيني، ورفض قتل القضية الفلسطينية، ورفض ما يحدث للشعب المدني الفلسطيني في غزة بجميع فئاته، ورفض تهجيره القسري، وانتهاك حقوق الإنسان، ورفض التطهير العرقي والإبادة الجماعية الشاملة للشعب الفلسطيني، واغتصاب حقوق هذا الشعب الأسطوري العظيم، كان وسيبقى وإلى الأبد..
تلك كانت رسالة شريهان لجمهورها ومتابعيها، ولأسرتها الخاصة والعامة، وهي رسالة تؤكد ما عبر عنه فنانون آخرون، مثل: عبير صبري، ومحمد سلام، وأحمد مكي، وغيرهم، ممن رفضوا أن يكونوا أداة من أدوات الإلهاء، أو تغييب الأمة عن قضية غزة، أو تمييع القضية، أو أن يكونوا خنجرا في ظهر المقاومة كما حدث من آخرين.

تأتي هذه الرسالة وغيرها، في ظل سرطان التطبيع الدائر في بلادنا العربية، والذي يسري في جسدها المنهك، بالترغيب والترهيب، الترغيب بمساحات كبرى في الفن والمهرجانات، وأموال دول خليجية كبرى، والترهيب من العقاب بعدم إسناد أدوار فنية، أو المحاربة في مجالهم، وهو ما حدث ويحدث بالفعل.

كما جاءت رسالتها لتؤكد على دور الفنان وإنسانيته، وأنه ليس مجرد مؤد لدور مكتوب له على ورق سيناريو جيد، بل ليكون حاله كفنه، متسقا تماما معه، بل ليكون أداة لحمل قضية الأمة، وهو ما رأيناه في جيل سابق من الفنانين، من أمثال: نور الشريف، الذي حورب وخون بسبب فيلمه: (ناجي العلي).

وما قامت به الفنانة سعاد حسني قبل وفاتها، من رفضها العلاج على نفقة السفارة الإسرائيلية في لندن، بعد إبلاغ السلطات المصرية لها بتوقف النفقة على علاجها، فرفضت عرض السفارة الإسرائيلية رغم حاجتها المالية الشديدة، قائلة: أنا من جيل لا ينسى جرائمكم نحو العرب. وهو ما نراه في الجيل الذي يليه من الفنانين كذلك، والجيل الجديد، فالخير والخلق لا يخلو من أمتنا، ومن قوتها الناعمة.

اعتبرت شريهان الاحتفال في هذه الظروف عيبا ولا يليق، حتى لو كان على مستوى شخصي سري وغير معلن، فإنه لا يمكن أن ينعزل الإنسان عن آلام غزة المدمية للقلب، والتي يراها الناس ليل نهار، لقد نسيت الأمة بأسرها آلامها الخاصة أمام آلام غزة، ولم نعد نملك سوى هذا الشعور، ولم نعد نملك سوى إرساله عبر الدعوات والمناجاة لرب الأرض والسماء، تشكو عجزنا، أمام جبروت الظلمة والاحتلال، ومن عاونوهم.

كان يمكن لشريهان أن تتخذ قرارها شخصيا وتخفيه، لكنها أعلنت ذلك على صفحتها، فلماذا أعلنت برسالتها؟ لقد هديت لهذا الإعلان إلى خير كبير، فإن مشاركة الجمهور المتابع للفنان لمواقفه المبادئية أمر مهم، فالشعور الجماعي هو أحد أدوار الفنان، وأحد أهم أدوار النجوم في المجتمع، فكما يقوم بالإبهاج الجماعي عند الأفراح، فكذلك الشعور الجماعي بالمحنة أمر مطلوب، لأنه يجعلهم جميعا شركاء في الأجر، ولو بالنية الحسنة، وهو رسالة تعبر عن هذا المجتمع، تعبيرا حقيقيا لا زائفا، ولا ملهيا.

Essamt74@hotmail.com