كشف انسحاب جيش
الاحتلال الإسرائيلي من منطقة
مجمع
الشفاء الطبي غرب مدينة
غزة، عن
مجازر بشعة وقصص فقدان مؤلمة؛ ظلت محجوبة عن
العالم مدة أسبوعين، نفذ خلالها الاحتلال جرائم غير مسبوقة طالت النساء والأطفال
وكبار السن.
وفور انسحاب آليات الاحتلال من مجمع الشفاء
الطبي أمس، سارع الفلسطينيون إلى ساحات المستشفى للبحث عن ذويهم، الذين اختفت آثارهم،
ولم يعلموا أن بعضهم سيختفي إلى الأبد.
الصحفي محمد قريقع يُعبّر عن واحدة من القصص
المؤلمة الكثيرة التي دفنها جيش الاحتلال تحت رمال المستشفى، فقد أعلن في 25 آذار/
مارس الماضي، عن فقدان والدته ونشر مناشدة عاجلة بهذا الخصوص.
كانت تصرخ.. النجدة النجدة
وكتب قريقع: "والدتي نعمة إبراهيم قريقع،
تبلغ من العمر 64 عاما، فقدت أثرها، بعد حصار الاحتلال لمستشفى الشفاء بغزة، وقد طلب من النساء المغادرة من الشارع الجنوبي للمستشفى، باتجاه الغرب".
وتابع قائلا: "والدتي سقطت أرضا بعد خروجها
من المستشفى، وفق كلام النساء، وكانت تصرخ (النجدة النجدة)، والدتي كانت تجاور
دبابات الاحتلال".
واستكمل بقوله: "أتمنى من كل شخص يساعد في
وصول هذه المناشدة، وأسال الله أن يردها إلينا سالمة غانمة، علما بأنها تعاني من
مرضي السكر والقلب".
وقبل أيام من انسحاب جيش الاحتلال، قال قريقع:
"لمن يسأل، أواصل البحث عن والدتي بين مراكز الإيواء وتجمعات النازحين
المختلفة في شمال قطاع غزة، كلي أمل وثقة بربي أن أجدها سالمة غانمة".
وأشار قائلا: "أفتش في شوارع المدينة
وأزقتها، أسأل المارة، أطرق الأبواب، أستريح عند عبتات البيوت القديمة، طريقي
طويل، لا مجال للجلوس، أواصل المسير، عليّ أن أجد والدتي أو أسمع صوتها".
صدمة كبيرة
لكن هذا الانتظار والبحث انتهى بصدمة كبيرة تعكس
المشهد الإجرامي لجيش الاحتلال في مجمع الشفاء الطبي، حينما وجد قريقع والدته وقد
فارقت الحياة بعد قتلها بأيدي قوات الاحتلال في محيط المستشفى.
وأكد الصحفي قريقع استشهاد والدته برصاص قناص
إسرائيلي قرب مجمع الشفاء، كاشفا عن آخر كلماتها: "آه يا حبيبي، فش عندي مية أشرب الدوا، ولا أكل، ونمت على الأرض الليلة".
ورثى قريقع والدته قائلا: "هذه أمي وأنا
ابنها الوحيد محمد، سلام يمّا، سلام يا حبيبتي إلى جنات النعيم يا حاجة
نعمة"، لافتا إلى أنها في حياتها لم تؤذِ أحدا، وجنود الاحتلال غدروا بها
وقتلوها.
وأدلى شهود عيان من مستشفى الشفاء بغزة بشهادات
مروعة لـ"
عربي21" كشفوا فيها عن إعدام عشرات المعتقلين من النازحين
والجرحى، في أروقة وأقسام المستشفى المدمر، في أعقاب حصار وعدوان استمر أسبوعين.
وقال الشهود لـ"
عربي21"، إن عشرات
الشهداء عثر عليهم داخل المستشفى، بعضهم مكبلو الأيدي ويظهر عليهم آثار إطلاق نار
من مسافات قريبة، مؤكدين أن رائحة الموت تفوح من كل ركن ومكان في المستشفى.
ولفتوا إلى أن قوات الاحتلال حاولت إخفاء
جريمتها قبل الانسحاب بدفن عشرات الجثث تحت الأرض، بعد أن عاثت خرابا وتدميرا في
المستشفى وأحالت أجزاء من الأقسام الرئيسية إلى ركام، باستخدام الجرافات العسكرية،
والقنابل المدمرة،
وأقر الاحتلال بإعدام 200 فلسطيني في المكان
بدعوى أنهم مقاومون، رغم أن مؤسسات حقوقية ومصادر فلسطينية، كشفت عن أن الاحتلال
أعدم طواقم طبية ونازحين مع عائلاتهم في المكان، فضلا عن مئات جرى اعتقالهم من
المجمع.
وأظهرت الصور الأولى التي التقطها فلسطينيون،
وصلوا إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة، مشاهد مفزعة، لأكبر مرفق صحي في قطاع غزة.
وتظهر الصور تدميرا كاملا للمكان، وتحول مستشفى
الشفاء ومبانيه، إلى ركام مدمر ومحترق بالكامل، إضافة إلى تجريف ساحاته بطريقة
مفزعة، والتي كانت تضم جثامين مئات الشهداء.