ملفات وتقارير

إسقاط الودائع مقابل "رأس جميلة" و6 شركات.. هل ينقذ العرض السعودي اقتصاد مصر؟

السعودية تعلن أن مصر تعهدت بمساحة واسعة في جنوب سيناء لاستكمال مدينة نيوم- إكس
قدمت السعودية عرضا للحكومة المصرية بالتنازل عن ودائعها في البنك المركزي المصري، مقابل إتمام صفقة "رأس جميلة" والاستحواذ على عدد من الشركات الحكومية.

الصفقات التي يتضمنها العرض السعودي تشمل مدينة رأس جميلة، وشركة سيرا للتعليم (شركة متخصصة في قطاع الخدمات التعليمية، تقوم بتشغيل 27 مدرسة مملوكة لها)، إضافة إلى 5 شركات أخرى في قطاعات مختلفة.

وأشارت التقارير الصحفية إلى أن العرض المقدم من الصندوق السيادي السعودي يأتي مقابل التنازل عن ودائع السعودية بقيمة 10.3 مليار دولار بالبنك المركزي، إذ تمتلك السعودية ودائع، تنوعت ما بين 5.3 مليار دولار ودائع متوسطة وطويلة الأجل، و5 مليارات دولار ودائع قصيرة الأجل.

وكان وزير قطاع الأعمال العام المصري محمود عصمت، قال في تصريحات صحفية سابقة، إن الوزارة تخطط لطرح أرض رأس جميلة للاستثمار، لإقامة مشروع فندقي على نسبة 50 في المئة من مساحة الأرض التي تتجاوز أكثر من 800 ألف متر مربع، من خلال شراكة مع الجانب السعودي لتطوير وتنمية رأس جميلة، مقابل حق انتفاع لأرض المنطقة على أن تقدّم الحكومة المصرية كافة التسهيلات الممكنة للجانب السعودي، عبر تهيئة البنية التحتية والطرق الموصلة للمنطقة.

والمفاوضات تجرى على أن تكون قيمة الاستثمار بالمنطقة من خلال ضخ سيولة دولارية مباشرة من مستثمري المملكة للحكومة المصرية.

وتقع منطقة رأس جميلة على ساحل البحر الأحمر بمساحة تبلغ نحو 860 ألف متر على امتداد مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء، وتتميز بقربها من مطار شرم الشيخ الدولي، وتعد من أفضل الشواطئ بمناظرها الخلابة والطبيعية، وأفضل منطقة تحتوي على أندر الشعاب المرجانية على طول البحر، كمان أنها منطقة مناسبة لإقامة فنادق سياحية جذابة، نظرًا لتمتعها بما تتطلبه العوامل البيئية القياسية، وكذا الإطلالات الطبيعية.

وتطل رأس جميلة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، التي تنازلت عنهما مصر للسعودية عام 2016 بموجب اتفاقية لترسيم خط الحدود البحرية بين البلدين، خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز، في اتفاقية أقرها البرلمان ورفضها الشعب.





وتقع أيضا بالقرب من موقع اختير ليقام فيه جسر البحر الأحمر، الرابط بين السعودية ومصر وأعلن عنه ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، خلال الزيارة ذاتها، في عام 2016.

وقالت السعودية في 2018 إن مصر تعهدت بمساحة واسعة في جنوب سيناء لاستكمال مدينة نيوم (مشروع ولي العهد السعودي) قبالة مضيق تيران، فيما نقلت مصادر أن السعودية تقترب من التوصل إلى صفقة بقيمة 15 مليار دولار مع الحكومة المصرية.

وفي أغسطس/آب 2022، أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، إطلاق الشركة السعودية المصرية للاستثمار، بهدف تنمية وتعزيز الشراكة الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة في مصر، فيما استحوذ الصندوق على حصص مملوكة للحكومة المصرية في 4 شركات مدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار، منها شركة أي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية، وأبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة موبكو، والإسكندرية لتداول الحاويات.

وفي آذار/ مارس الماضي قالت وكالة الأنباء السعودية "واس" إن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ترأس جلسة مجلس الوزراء، التي أقر خلالها مجموعة من القرارات وتمت الموافقة على مذكرة تفاهم بين وزارة المالية السعودية ووزارة المالية في مصر لإقامة حوار مالي رفيع المستوى، قبل أن يعلن المتحدث باسم رئيس مجلس الوزراء المصري محمد الحمصاني، في نيسان/ إبريل الماضي أنه جارية دراسة عدة فرص استثمارية كبرى تحقق مستهدفات الدولة في مجال التنمية، وأنه سيتم الإعلان عن أي صفقات جديدة في حينه من قبل مجلس الوزراء.

ويدخل صندوق الاستثمارات العامة السعودية منافسة مع صندوق الإمارات للاستحواذ على تلك المشاريع وذلك بعد أن وقعت الإمارات أكبر صفقة استثمارية لتطوير مدينة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار.

ويبلغ الإجمالي المتوقع من تلك الطروحات للحكومة المصرية حتى نهاية العام المالي الجاري 2023- 2024، ما قيمته نحو ملياري دولار، بعد تمديد برنامج الطروحات الحكومية.

ومن ناحية أخرى يتعين على مصر دفع أكثر من 97 مليار دولار (حوالي 4.65 تريليون جنيه) لخدمة الدين الخارجي (فوائد دين وأقساط)، الرقم الذي يعتبر مراقبون أنه تاريخي وغير مسبوق في تاريخ مصر.

وارتفع إجمالي مدفوعات الدين الخارجي المستحق على مصر من فوائد وأقساط بنحو 5.4% في الفترة بين 2024 و2027، إلى 97.1 مليار دولار، بسبب ارتفاع سعر الفائدة وأقساط القروض، بحسب تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري حتى نهاية ديسمبر 2023.

وتجاوزت قيمة أقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر خلال الـ 2024 التوقعات وقفزت إلى 36.3 مليار دولار، ومن المقرر سداد نحو 17.9 مليار دولار منها خلال النصف الأول من العام، على أن يتم سداد الـ 18.4 مليار دولار المتبقية خلال النصف الثاني من العام ذاته.

وقفز الدين الخارجي لمصر بنهاية عام 2023 نحو 168.034 مليار دولار، مقابل 164.522 مليار دولار في الربع المنتهي في أيلول/ سبتمبر الماضي بزيادة بلغت 3.51 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، فهل تنقذ صفقة السعودية مصر من أزمتها الاقتصادية وتراكم الديون؟

ومجيبا على هذا السؤال قال الباحث والكاتب المختص في الشؤون الاقتصادية عبد الحافظ الصاوي، في تصريحات خاصة لـ "عربي21" إن صفقة السعودية للاستحواذ عن بعض الأصول المصرية، تأتي لسعي الحكومة المصرية إلى إيجاد مخرج من أزمة الديون للتخفيف من وطأة الأقساط والفوائد الموجودة خلال الفترة القادمة، فضلا عن أنها تتيح للبنك المركزي المصري، إسقاط واجب سداد تلك الديون والودائع الأجنبية لتحسين وضعه في قيمة الأصول الأجنبية والارتياح النفسي للمتعاملين بسعر الصرف.

وأضاف الصاوي، أن صفقة السعودية للاستثمار في رأس جميلة وعدد من الشركات عبارة عن اتفاق يخص التعاقد على تقديم سلع أو خدمة، أو بيع وشراء أصول رأسمالية قد تتسبب في تحسن في سعر الصرف في السوق المصرية، إلا أنه تحسن لحظي، حيث تظل أزمة المديونية المتعلقة بالدين الداخلي والخارجي قائمة، إذ شهدت مشروع الموازنة العامة لعام 2024-2025 قفز فوائد الديون إلى أكثر من تريليون جنيه مصري.

وأشار الباحث والكاتب المختص في الشؤون الاقتصادية، إلى أن الحكومة المصرية ما زالت تتعامل مع الأزمة الاقتصادية بجملتها وأزمة الديون وسعر الصرف وغيرها عن طريق المسكنات دون طرح حلول جذرية، حيث تحتاج مصر إلى مشروعات إنتاجية في الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، وليس مشروعات سياحية والاستيلاء على أصول رأس مالية قائمة.

وتابع الصاوي بأن ما حدث في مشروع رأس الحكمة التي استحوذت عليه الإمارات وما سيتم في رأس جميلة لن يساعد في حل مشاكل مصر الاقتصادية المزمنة، سواء في الميزان التجاري أو أزمة الديون أو ميزان المدفوعات، مضيفا أنه دائما ما تكون عمليات "الخصخصة" في صالح الدولة التي تقوم بها وتستحوذ على مشاريع ناجحة كما يحدث مع تجارب دول الخليج في مصر وما حدث في العديد من شركات الأسمدة والنفط وغيرها.

ومن جانبه أكد الباحث الاقتصادي سامر موسى، في تصريحات خاصة لـ "عربي21" أن الاقتصاد المصري يمر بأزمة كبيرة ونفدت الحلول الاقتصادية لعلاج تلك الأزمات وما بقي سوى بيع الأصول سواء بيع أو حق الانتفاع كما يزعم المسؤولون، ولكنه في النهاية هو بيع للأصول.

وأردف موسى بأن الحلول الاقتصادية، لعلاج مثل هذه الأزمات تتلخص في موارد الدولة من النقد الأجنبي مثل قناة السويس والسياحة وتلك الموارد في الوقت الحالي قد لا تسعف في الحل، كما أن اللجوء إلى القروض أصبح حلا متهالكا بعد ارتفاع الدين الخارجي لمصر وارتفاع فوائد الديون ما أثر على ثقة المستثمر والدول المانحة، ولم يتبق سوى بيع الأصول، كما حدث في صفقة رأس الحكمة وما يحدث في الصفقة السعودية للاستثمار في رأس جميلة.

وأشار الباحث الاقتصادي، إلى أن الصفقة محاولة للحصول على نقد أجنبي وعملة صعبة ولكنها بصفة مؤقته، أن صفقات مثل هذه تكون عبارة عن طرح المشاريع لمن يديرها ويستثمر فيها، سواء الصندوق السيادي السعودي كما يحدث في رأس جميلة أو الصندوق السيادي الإماراتي كما حدث في رأس الحكمة ومقابل دفع مبلغ مالي وكذلك نسبه من الأرباح. ولفت موسى إلى أن المكاسب المالية لن تعود إلى الشعب المصري خاصة أن تلك المشاريع تكون أراضي ملك الجيش المصري، وتكون مكاسبها لصالح اقتصاد الجيش والمنتفعين من ورائه، واختتم حديثه بسؤال: ماذا تفعل الحكومة المصرية بعد الانتهاء من تلك المسكّنات؟