ملفات وتقارير

من البحر إلى المحيط.. طريق جديد للهجرة من المغرب إلى أوروبا

إسبانيا تغلق حدود مدينتي سبتة ومليلية مع المغرب- جيتي
تعد المغرب واجهة أساسية للمهاجرين غير الشرعيين، خاصة مع قربها من أوروبا عبر الحدود الإسبانية، التي تقترب من الحدود المغربية، حيث إنها لا تقتصر فقط على الهجرة السرية بقوارب الموت وإنما بشكل قانوني من خلال عقود عمل وتأشيرات لدول مختلفة تطلب كفاءات وحاملي شواهد ودبلومات بالمغرب.

ووصلت الهجرة غير الشرعية إلى نسبة كبيرة وأرقام قياسية خلال السنوات 2016-2017-2018 ، وتشير الأرقام إلى بلوغ أكثر من 10 آلاف مهاجر سري الضفة الأخرى سنة 2017، بعكس التصريحات الرسمية للحكومة التي تنفي وصول هذا العدد.

وتشكل المغرب منذ فترة طويلة نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين الأفارقة الذين يريدون الوصول إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي أو عن طريق القفز على السياج المحيط بالجيبين الإسبانيين سبتة ومليلية.

وتتزايد محاولات الأفارقة من دول جنوب الصحراء الهجرة بطريقة غير نظامية إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل، في ظل حروب واضطرابات أمنية وأوضاع اقتصادية متدهورة في دول أفريقية عديدة.


وقالت وزارة الداخلية المغربية إن المملكة منعت 75184 شخصا من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا في 2023، بزيادة 6% عن العام السابق له، وفي مطلع العام الجاري كانون الثاني/ يناير الماضي أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية اعتراض حوالي 87 ألف مهاجر غير نظامي في العام 2023 ينحدر غالبيتهم من أفريقيا جنوب الصحراء.

وأضافت القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية أن تكثيف مراقبة وحراسة المياه الإقليمية الوطنية مكن العام الماضي من تقديم الإغاثة والمساعدة اللازمتين لأكثر من 22 ألف مهاجر غير نظامي، والذين غالباً يكونون على متن قوارب تقليدية وفي وضعيات صعبة.


وعزز المغرب وإسبانيا تعاونهما في التصدي للهجرة غير الشرعية، منذ أن سويا خلافا دبلوماسيا منفصلا في عام 2022.

بوتيرة أسبوعية، باتت السلطات المغربية تعلن عن توقيف مهاجرين غير نظاميين على سواحل المحيط الأطلسي غربي المملكة، خلال محاولتهم العبور إلى أوروبا.

هذا المستجد يجسد تغييرا في استراتيجية شبكات تهريب البشر، بنقل نشاطها من البحر الأبيض المتوسط شمال المغرب إلى سواحله الغربية.


ويستقر المهاجرون مؤقتا في مدن جنوبية، منها طانطان والداخلة والعيون، وإذا توفرت "ثغرة أمنية" يحاولون التوجه شمالا وعبور البحر المتوسط، لكن الجديد أن كثيرين باتوا يحاولون عبور المحيط الأطلسي (غربا) إلى جزر الكناري.

وهو تغيير، بحسب باحث مغربي في حديث لوكالة الأناضول، فرضته أسباب بينها تكثيف مراقبة على حدود المغرب الشمالية؛ وتحسن العلاقة بين الرباط ومدريد، والحصول على تمويلات أوروبية.

وبينما انتقد الباحث ما أسماه "المقاربة الأمنية" في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين، اعتبر متحدث الحكومة المغربية أن بلاده تمتلك "تجربة رائدة في استقبال وإدماج المهاجرين غير النظاميين".

وأعلنت وزارة الداخلية المغربية، في 23 كانون الثاني/ يناير الماضي، أنها أحبطت 75 ألفا و184 محاولة هجرة غير نظامية خلال عام 2023، بارتفاع 6 بالمئة مقارنة بـ2022.

وتتزايد محاولات أفارقة من دول جنوب الصحراء الهجرة بطريقة غير نظامية إلى أوروبا؛ بحثا عن حياة أفضل، في ظل حروب واضطرابات أمنية وأوضاع اقتصادية متدهورة في دولهم.

أسباب داخلية وخارجية
لقربه الجغرافي من أوروبا، ولاسيما من إسبانيا، يعد المغرب إحدى نقاط عبور المهاجرين غير النظاميين عبر البحر المتوسط .

لكن لأسباب داخلية وخارجية، تحولت مؤخرا محاولات الهجرة من سواحل المغرب الشمالية إلى سواحله الغربية على المحيط الأطلسي.

وقال الباحث المغربي المتخصص في الهجرة حسن بنطالب إن "هذا التغير يرجع لأسباب أمنية واجتماعية، وأخرى لها ارتباط بعلاقة المغرب مع إسبانيا، والوضع في الدول الأفريقية جنوب الصحراء، خاصة دول الساحل (غربا)".


وأوضح أن "من الأسباب تحسن علاقة الجوار مع إسبانيا بعد أزمة دبلوماسية سابقة، بالإضافة إلى استفادة المغرب من إعانات وتمويلات من الاتحاد الأوروبي لإدارة ملف الهجرة".

وفي 2020، أغلقت إسبانيا حدود مدينتي سبتة ومليلية (تتبعان الإدارة الإسبانية) مع المغرب، إثر تفشي فيروس كورونا، واستمر الإغلاق بفعل أزمة دبلوماسية اندلعت بين البلدين.

وتسبب في هذه الأزمة استقبال مدريد في نيسان/ أبريل 2021 زعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي بـ"هوية مزيفة" ومن دون إخطار الرباط، وهو ما اعتبره المغرب "طعنة في الظهر".

ومنذ عقود يتنازع المغرب و"البوليساريو" السيادة على إقليم الصحراء، وبينما تقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فإن الجبهة تطالب بتقرير المصير.

وتابع بنطالب: "هناك تضييق على تحركات المهاجرين للذهاب إلى شمال البلاد، خاصة (إلى مدن) الناظور وتطوان وطنجة، بالإضافة إلى تفكيك مخيمات المهاجرين (العشوائية) في غابات الناظور".

وإن "الدخول أو الخروج منها (هذه المدن) يتم وفق مراقبة تمنع دخول المهاجرين غير النظاميين، و(لاسيما) على مستوى القاصرين غير المرافقين"، بحسب بنطالب.

ورأى أن هذه العوامل أدت إلى تركيز شبكات تهريب البشر على طرق الغرب التي تؤدي إلى سواحل الغرب المؤدية إلى جزر الكناري التابعة للإدارة الإسبانية.

وزاد بأن "هذا التوجه الجديد يلجأ إليه المغاربة والقادمون من دول أفريقية أخرى مثل السنغال وموريتانيا".

كما أنه أرجع تزايد الهجرة إلى "الاضطرابات السياسية والجيوسياسية في دول الساحل والتقلبات المناخية؛ ما ساهم في تدفق الهجرة من الدول الأفريقية إلى جزر الكناري".

مقاربة "أمنية"
وبحسب بنطالب فإن سياسة الهجرة في المغرب تنقسم إلى مرحلتين، الأولى من 2013 إلى 2016، والثانية من 2017 إلى 2024، مبينا أن "المرحلة الأولى عرفت استراتيجية جديدة للهجرة ومجموعة من الإجراءات والبرامج لصالح المهاجرين".


وبين 2023 و2016، طبّق المغرب استراتيجية لإدماج المهاجرين غير النظاميين، ما مكّن من تسوية وضعية أكثر من 50 ألف أجنبي، معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

وأضاف أن "المرحلة الثانية شهدت ارتفاع وتيرة مراقبة الهجرة ومعدل التوقيفات وإرجاع المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية ونقل المهاجرين من مدن شمال البلاد إلى جنوبه".

وساهم ارتفاع وتيرة مراقبة الحدود الشمالية للمغرب، وفق بنطالب، في "تراجع محاولات الاقتحامات الجماعية في المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية".

وتخضع سبتة ومليلية، فضلا عن الجزر الجعفرية وجزر صخرية أخرى في البحر المتوسط، لإدارة مدريد، فيما تعتبر الرباط المدينتين والجزر "ثغور محتلة".

واعتبر بنطالب أن "مقاربة المرحلة الثانية اتسمت بنوع من التشدد والمراقبة، مقابل فتور البرامج الاجتماعية المقدمة للمهاجرين".


وكذلك "تراجعت أدوار المجتمع المدني بسبب تراجع الإمكانيات المتاحة له، فضلا عن التوتر بين الساكنة (السكان) وبعض المهاجرين"، كما أردف.

ورأى أن هناك رجوعا إلى ما وصفه بـ"المقاربة الأمنية القائمة على المراقبة وتكثيف الجهود لفك شبكات تهريب البشر، على حساب المقاربة الإنسانية والاجتماعية".

بنطالب شدد على أنه "لا يمكن القول إنه تم القضاء على الهجرة على مستوى الشمال؛ فلا تزال بالأساس تهم المغاربة، سواء عبر سبتة ومليلية أو البحر المتوسط، مقابل تراجع ملحوظ للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء".

تجربة "رائدة"
ووفق متحدث الحكومة المغربية مصطفى بايتاس، في مارس/ آذار 2023، فإن المغرب "يمتلك تجربة رائدة وكبيرة جدا في ما يتعلق بإدماج المهاجرين".

وأضاف بايتاس، في مؤتمر صحفي بالرباط حينها، أن المغرب "قطع مع كافة أشكال الكراهية والتمييز العنصري بنص الدستور والاتفاقات الدولية التي وقَّع عليها".

وبحسب معطيات رسمية، استفاد أكثر من 8 آلاف و100 أفريقي من عملية العودة الطوعية من المغرب إلى بلدانهم الأصلية بين 2018 و2023، بتنظيم من المنظمة الدولية للهجرة.

وخلال كانون الثاني/ يناير 2023، دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب (رسمي) إلى الإسراع في إخراج قانوني الهجرة واللجوء إلى حيز التنفيذ، باعتبارهما الإطار القانوني المنظم لحقوق اللاجئين والمهاجرين إلى المملكة.


وجاءت هذه الدعوة ضمن توصيات دراسة بعنوان "الولوج للعدالة من طرف الأجانب بمَن فيهم اللاجئون وطالبو اللجوء"، قدمتها رئيسة المجلس أمينة بوعياش خلال مؤتمر صحفي بالرباط آنذاك.

وهذه الدراسة أكدت ضرورة تضمين الإطار القانوني المنظم لوضعية اللاجئين والمهاجرين في المغرب بشكل واضح ومفصل، بما يتيح المطالبة بحقوقهم والوصول إلى العدالة في حالات انتهاكها، وفق بوعياش.

ولإصدار قانونين للهجرة واللجوء فإنه يجب أن تقرهما الحكومة أولا ثم البرلمان بغرفتيه، ليتم نشرهما في الجريدة الرسمية، فيدخلان حيز التنفيذ.