مقالات مختارة

أهلاً بك في رابطة الأخوات المسلمات

1300x600
بعد أن غيب أزواجهن في السجون، نساء حركة المعارضة الإسلامية في مصر يحملن الراية.

لم تكن وفاء حفني قد ولدت بعد عندما اغتيل جدها حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بينما كان ينتظر سيارة أجرة في الثاني عشر من فبراير 1949. 

ولكنها ككثيرات غيرها من المسلمات المحافظات، تأثرت وفاء حفني المحاضرة في الأدب الإنجليزي في جامعة الأزهر تأثراً كبيراً بتعاليم البنا وأفكاره. 

منذ بدء القمع العسكري ضد الإخوان المسلمين بعد الإطاحة بالرئيس مرسي في يونيو (حزيران) الماضي، وإثر تفكيك واعتقال الصفوف الأولى والثانية والثالثة من قيادات هذه المنظمة، ذهب الإخوان يعتمدون أكثر فأكثر على النساء. 

ونظراً لغياب القيادة التقليدية في هذه اللحظة، بات مثل هذا الدور محتماً - رغم ما يبدو في ظاهره متناقضاً مع طبيعة هذه الجماعة التقليدية. تقول وفاء حفني: "نحن نساء أقوياء جداً، وها نحن نقوم بدور الرجال". 

في هذا البلد ذي الأغلبية السكانية المسلمة تستقر النساء في العادة - حتى المتعلمات جيداً منهن - في بيوتهن. أما الآن، فهن يتحدين القوات الأمنية المصرية، ويقدن المظاهرات، وينظمن الاحتجاجات ويستخدمن وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي بين الناس. 

بعض طلاب الأزهر، مركز انطلاق الاحتجاجات الطلابية ضد الجيش، تجرأوا على الفريق عبد الفتاح السيسي الذي أطاح بالرئيس مرسي، ناعتين إياه بالخائن. ومن خلال الطلبة تسربت صحوة النساء إلى الفتيات الصغيرات. 

وطبقاً لما تقوله هدى عبد المنعم عبد العزيز، إحدى القياديات في حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للإخوان المسلمين، يبلغ عدد الأعضاء النساء في الإخوان المسلمين ما يقرب من ثلاثة آلاف. 

تؤكد هدى أن ذلك ليس بالأمر الجديد “فمنذ بدأت الثورة تشارك النساء بشكل بارز. فنحن كنا دوماً جزءاً من الإخوان”. 

بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 التي أطاحت بحسني مبارك ولجت النساء مرحلة جديدة في دائرة النفوذ والسلطان، وشهد ميدان التحرير تجمع أعداداً متزايدة من الأخوات اللواتي ترشح بعضهن في الانتخابات النيابية عن حزب الحرية والعدالة. 

وحسبما تبينه هدى عبد المنعم فإنه كلما اشتدت وتيرة القمع الذي تمارسه الشرطة وكلما ازدادوا توحشاً في ممارساتهم تنضم المزيد من النساء إلى الثورة. تقول هدى: “دمنا يسيل في الشوارع، قتل العديد من أعضاء منظمتنا، وقد مررنا بما هو أسوأ. لسنا خائفين من الشرطة، ولن يرعبنا شيء طالما تمسكنا بمبادئنا”. 

إلا أن النقاد يقولون بأن النساء لا يلعبون سوى دوراً سطحياً داخل جماعة الإخوان وبأنهم ما يزلن خارج دائرة صنع القرار. 

في معرض حديثه عن هذه القضية، يومئ أحد كبار الدبلوماسيين المصريين بأن دور النساء داخل المنظمة ليس مهماً، وإنما هي محاولة سطحية للتغطية على المحتجين الحقيقيين، إذ أن الشرطة لن تقدم على اعتقال النساء بنفس القدر الذي تعتقل فيه الرجال. 

يقول هذا الدبلوماسي: “الهدف من هذا التكتيك هو وضع النساء في مقدمة صفوف المحتجين لأنهن أقل عرضة للضرب أو الاعتقال، وهذا شبيه بما يفعله الفلسطينيون خلال تظاهراتهم إذ يضعون النساء في المقدمة لحماية الشباب الأكثر عرضة للضرب أو الاعتقال على أيدي القوات الإسرائيلية”. 

إلا أن وفاء حفني في القاهرة ترد على ذلك بالتأكيد على أن دول النساء داخل جماعة الإخوان تاريخي وحيوي. وتقول في هذا المجال: “إن الأدوار التي تلعبها النساء هي أدوار تم تدريبهن عليها، وهذا نوع آخر من أنواع الجهاد. ففي هذه اللحظة يتواجد العدو بين ظهرانينا، وإذا ما هاجمك العدو فلا مفر من أن تدفع عن نفسك الهجوم”.

وتقول بأن الكثيرات من النساء تحمسن للخروج والمشاركة حينما شاهدن ربات البيوت يتعرضن للقتل في المظاهرات وشاهدن النساء يقبض عليهن من داخل بيوتهن. وتضيف: “هذا هو الوضع الحالي. ليس بإمكان الرجال أمرنا بالبقاء داخل بيوتنا حينما تأتي الشرطة إلينا لتعتقلنا من داخل البيوت. لم يعد من مفر أمام النساء سوى الخروج”. 

قسم النساء في الإخوان المسلمين ليس جديداً، ولكنه في الأغلب لا يحظى بالتغطية الإعلامية الكافية. أسس هذا القسم حسن البنا في شهر إبريل (نيسان) من عام 1933 بعد ستة أعوام تقريباً من تشكل الإخوان المسلمين في الإسماعيلية، وكان يود تسميته “مجموعة الأخوات المسلمات”. كان البنا في البداية يرغب في منحهن إدارة منفصلة وقيادة خاصة بهن.  

نشاط النساء داخل جماعة الإخوان المسلمين يقوم على أحد الأركان الرئيسية التي تشكل منهج الجماعة، ألا وهو  ركن خدمة المجتمع. 

تقول وفاء حفني: “إرث جدي بسيط للغاية، ويتمثل في الاعتقاد بأننا على هذه الأرض إنما نحن حملة رسالة، ورسالتنا هي إقامة العدل، ولا يمكن للعدل أن ينتشر بين الناس حتى تنتشر بينهم كلمة الله.” 

إلا أن النزاعات والخلافات داخل مجموعة الأخوات دفع البنا إلى اتخاذ قرار بوضع قسم النساء تحت إمرة القيادة المركزية للإخوان المسلمين. ورغم أن وزنهم السياسي لم يكن بثقل وزن الرجال إلا أنهن كان لهن موقعهن. 

تقول وفاء حفني عن جدها: “كان يعتقد بأهمية النساء في المجتمع”. كانت في بيتها بالقاهرة تعد أحد أبنائها لامتحاناته، وبينما كانت تتحدث انقطع التيار الكهربائي، الذي ينقطع مراراً وتكراراً خلال اليوم الواحد داخل المدينة، فما كان منها إلا أن قالت: “هكذا هي حياتنا”. 

وفي معرض شرحها لنشأتها بكونها حفيدة أحد أهم مفكري الإسلام، قالت وفاء حفني إنها تتذكر والدتها أيام جمال عبد الناصر، الرئيس الثاني لمصر، الذي خطط للانقلاب على الملكية عام 1952 واستمر في السلطة من 1956 إلى 1970. 

تقول في ذلك: “كانت أمي وخالتي امرأتين محافظتين جداً، ولم تكونا سياسيتين بأي شكل من الأشكل ولم تتعودا على الصدع بآرائهن”. ومع ذلك، حينما اعتقل جدها وخالها، خرجت أمها وخالتها إلى الشارع للبحث عنهما. وتضيف وفاء: “طرقتا باب كل سفارة. هل لك أن تتصور كونهما امرأتين ماذا كان يعني ذلك وكم كان يتطلب من جهد؟ ولكنهما قاما به فعلاً، وكانتا قويتين”. 

منذ شهر آب (أغسطس) حينما اجتاح العسكر في مصر مخيمات المحتجين في ميادين الاعتصام المؤيدة للرئيس مرسي وقتلوا المئات منهم، تم اعتقال معظم قادة الإخوان المسلمين بمن فيهم مرسي نفسه. حينها قال بعض المحللين عن جماعة الإخوان المسلمين بأنها “هلكت” تماماً. 

يعتقد بأن المئات من أعضاء الجماعة هم حالياً رهن الاعتقال. في الشهر الماضي تعرضت الحكومة لوابل من النقد من قبل منظمات حقوق الإنسان وبعض الجماعات للتجاوزات التي تصدر عنها وذلك إثر صدور أحكام قاسية بالسجن لمدد طويلة من أحد المحاكم على 21 امرأة وفتاة بسبب مشاركتهن في الاحتجاجات. فيما بعد خفضت العقوبات عنهن وأطلق سراحهن. 

تجتمع وفاء حفني وغيرها من النساء كل أسبوع لوضع استراتيجة لتحركهن ولدراسة كتابات جدها. تقول وفاء: “إن من سوء الفهم اعتبار الإسلام منحازاً للذكور ضد الإناث. تأسس قسم الأخوات من اليوم الأول لقيام جماعة الإخوان المسلمين”. 

كسبت النساء في مصر حق التصويت بعد أن أقدمت الناشطة المعروفة درية شفيق - والتي ربما نسيها اليوم كثير من الناس - على اقتحام البرلمان المصري عام 1951 مطالبة بمنح النساء حق التصويت. انبعثت قصة درية من جديد بعد تفجر احتجاجات ميدان التحرير في عام 2011، وهي الآن تروى مراراً وتكراراً لما تشكله من مصدر إلهام لفتيات مصر.  

تمكنت درية شفيق بجهودها الحثيثة من انتزاع اعتراف بحق النساء في التصويت عام 1956، إلا أنها فيما بعد تعرضت لعقوبة صارمة على إنجازها ذلك. في عام 1957 وضعها نظام جمال عبد الناصر تحت الإقامة الجبرية حيث قضت 18 عشر عاماً في حالة من العزلة التامة، ومنعت كتاباتها ومسح اسمها تماماً من كل المطبوعات المصرية بما في ذلك الصحافة والكتب. وفي عام 1975 أقدمت على الانتحار قفزاً من الشرفة. 

ولكن، وعلى الرغم من وجود نساء أقوياء مثل درية شفيق ووفاء حفني، إلا أن النساء في مصر بشكل عام مازلن مهمشات ومهملات في الحياة السياسية، فهل تزهر براعم الحركة النسائية داخل الإخوان المسلمين عن أدوار سياسية مهمة للنساء في منطقة الشرق الأوسط؟

يقول شادي حامد، مدير الأبحاث في مركز بروكينغز في الدوحة: “في الحقيقة ليس هذا أمراً جديداً. ففي عام 1994 وقف الإخوان بقوة إلى جانب دخول المرأة إلى البرلمان. فالمرأة في نظرهم بإمكانها أن تتقلد كل المناصب فيما عدا منصب رئيس الدولة. إلا أن الحاجة إلى مشاركة المرأة أصبحت أكثر إلحاحاً منذ بدأ القمع ما بعد الانقلاب. يقول شادي: “الضرورة هي التي أملت ذلك، وذلك أن قيادة الإخوان المسلمين باتت وراء القضبان. فلا مفر من اللجوء إلى ذلك”. ومضى يقول: “ماتزال النساء لا تتمع بالعضوية الكاملة في المنظمة، التي تسمى الإخوان تحديداً، وماتزال النساء خارج هياكل المنظمة، ولا تتمتعن بكامل حقوق التصويت”. 

إلا أن شادي حامد يضيف بأن النساء مازال بإمكانهن أن يكن متنفذات في مصر. فإحدى مستشاري الرئيس مرسي كانت باكينام شرقاوي، الخبيرة في الشؤون الإيرانية والأستاذة في جامعة القاهرة. رغم أن باكينام شرقاوي لم تكن من الناحية الفنية عضواً في الإخوان المسلمين إلا أنها كانت دوماً إلى جانب الرئيس، إسلامية قوية تحظى بثقته، بل من أكثر الموثوقين لديه. 

يقول شادي حامد: “لا يوجد عائق ديني يحول دون أن تستلم امرأة عضو في الإخوان المسلمين مثل هذا المنصب الرفيع. فأهم شيء في الأمر هو الرؤية المشتركة”. 

أما وفاء حفني فتقول إن النساء، مثل الرجال، في مصر يناضلن في سبيل قيام ديمقراطية حقيقية، وتعتبر النساء الأعضاء في الإخوان “ضمير” الجماعة. 

وتضيف: “الحركة موفقة. نحن على أهبة الاستعداد ولن نتراجع حتى نصل ببلدنا إلى مراده وحتى نطهر مصر من الفساد. لقد خرج العفريت من المصباح ولن يتسنى لك إعادته داخله تارة أخرى بعد أن تحرر وانطلق”. 

عن مجلة "نيوزويك"