كتاب عربي 21

معركة الإسلام وأصول الحكم

1300x600
كان كتاب "الإسلام وأصول الحكم" - للشيخ علي عبد الرازق (1305 – 1386 هـ، 1887 – 1966م) الذي صدر عام 1925م – بمثابة "منافيستو" العلمانية في الشرق الإسلامي منذ ظهوره وحتى هذه اللحظات!.. ففيه زعم غير مسبوق يقول إن الإسلام مجرد رسالة روحية، لا علاقة له بالدولة والحكم والسياسة والتشريع.. لا فرق بينه في ذلك وبين النصرانية، صاحبة الكلمة البليغة: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله!.. و"إن محمد – صلى الله عليه وسلم – ما كان إلا رسول لدعوة دينية خالصة للدين، غير مشوبة بشئ من الحكم وإنه لم يقم بتأسيس مملكة بالمعنى الذي يفهم سياسة من هذه الكلمة ومرادفاتها. ما كان إلا رسولا كإخوته الخالين من الرسل، وما كان ملكا ولا مؤسس دولة ولا داعيا إلى ملك. هيهات هيهات، لم يكن ثمة حكومة، ولا دولة، ولا شئ من نزعات السياسة، ولا أغراض الملوك والأمراء. لم يكن هناك ترتيب حكومي، ولم يكن ثمة ولاة ولا قضاة ولا ديوان.. إلخ.. كانت زعامة دينية. ويا بعد ما بين السياسة والدين.

ولقد آثار هذا الكتاب - الذي دعا إلى علمنة الإسلام، وفتح باب الإختيار الحر أمام المسلمين ليقيموا أي نظام للحكم ديمقراطي، أو ديكتاتوري، أو حتى بلشفي! - آثار معركة فكرية كبرى قل وجود ما يناظرها في عصرنا الحديث.. ولقد صدرت العديد من الكتب في الرد عليه.. منها كتاب الشيخ محمد الخضر ياسين (1293-1377هـ، 1876-1958م) "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" وكتاب الشيخ محمد بخيت المطيعي (1271 – 1354 هـ، 1854 – 1935م) "حقيقة كتاب الإسلام وأصول الحكم". وانتقده نقدا لاذعا زعيم الأمة سعد زغلول باشا (1273 – 1346 هـ، 1857 – 1927م).

وكان الدكتور عبد الرزاق السنهوري (1313 – 1391هـ، 1895- 1971م) يدرس الدكتوراه بباريس، عندما أسقطت الخلافة وصدر كتاب "الإسلام وأصول الحكم" فتقدم بدكتوراه ثانية عن "فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم إسلامية".. ورد فيه على دعوى على عبد الرازق هذه – تحت عنوان "رأي شاذ".. وقال فيه:

"إن قول بعض الكتاب: إن رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت قاصرة على أمور الدين فقط، وأن شئون الدين مندرجة في تلك الرسالة، وأن محمد كان نبيا لا ملكا، هو تأويل غير صحيح للرسالة المحمدية، وإنكار – دون دليل – للحقائق التاريخية الثابتة. ولئن صح أن النبي – صلى الله عليه وسلم - كان في مكة نبيا فحسب، فلقد كان في المدينة زعيم أمة، ومنشئ دولة، ولا ضير أن نقول: إنه كان ملكا إذا أريد بهذه اللفظة أنه كان رأس الحكومة الإسلامية ووليا على المسلمين في أمر دنياهم، كما كان الهادي لهم في شئون  دينهم. ولقد كان عليه السلام – يجعل لأوامره ونواهيه- وهي ولا شك من عند الله – جزاء يصيب الناس في أنفسهم وأموالهم في هذه الدنيا، ولم يقتصر على مجرد الوعد والوعيد بالثواب والعقاب في الحياة الأخرى.. فالنبي حامل الرسالة الإسلامية كان مؤسس الدولة أيضا، فقد أوجد الوحدة الدينية للأمة العربية، وأوجد إلى جانبها الوحدة السياسية للجزيرة العربية، بل يمكن القول: إنه أنشأ حكومة مركزية في المدينة، وعين حكاما للأقاليم خاضعين لتلك الحكومة كما حدث في اليمن وغيرها من الاقاليم.

والصحابة – بعد وفاة النبي – لم ينشئو دولة، وإنما وسعوا رقعة الدولة – التي أنشأها، والتي كان يتوقع لها هذ الاتساع، وتنبأ به قبل وفاته، ولم يفعل الصحابة أكثر من السير على الخطة التي بدأها، وتحقيق نبوءاته..

ولقد وضع النبي – صلى الله عليه وسلم – لحكومته أصلح النظم الممكنة في وقته، لأنها تتناسب مع حالة المجتمع – وإن حكومة النبي قد أقامت دولة حقيقية لا تقل في نظمها عن الدولة الرومانية في بدايتها، فالنبي قد وضع بالفعل النظم الإساسية للدولة الإسلامية، فأوجد نظاما للضرائب والتشريع، ونظما إدارية، وعسكرية.. إلخ.. وهذه النظم كانت تحمل في طياتها عوامل التطور والنمو مع الزمن، وقد تطورت فعلا دون أن تخرج بذلك عن كونها مؤسسة على الإسلام.

فنحن نرى أن السلطات التي باشرها النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت أنظمة مدنية حقيقية، كأي حكومة أخرى، فقد كان يفرض بمقتضاها عقوبات جنائية على من يخالف أحكام التشريع الإسلامي، ولم يكتف بالجزاءات الأخروية التي يفرضها الدين، وكان له عمال إداريون وماليون، وكان له جيش مسلح. إنه كان حاكما دنيويا إلى جانب صفته كنبي مرسل".

لقد خلف السنهوري باشا تراثا قانونيا هو المرجع الأول حتى الآن لأهل القانون – علمانيين وإسلاميين – كما خلف تراثا في الفقه والشريعة جهله – أو تجاهله -  كثير من العلمانيين والإسلاميين على حد سواء. وتلك واحدة من سلبيات الفكر في العصر الذي نعيش فيه!.