سياسة عربية

باحثة: "الأسد" يعذب الأطفال والنساء بحصانة تامة

من صور التعذيب في سوريا - أ ف ب
نشر موقع الميدل ايست مونيتر تقريرا للباحثة هينريتا جوهانسين بعنوان "الجسد هو ساحة المعركة: أدلة على قسوة استراتيجية الحرب في سوريا"، ألقت فيه الضوء على تأثير الصراع السوري على الجيل الجديد من الأطفال والنساء وخاصة من تعرضوا للتعذيب البدني والنفسي على أيدي قوات النظام قبل فرارهم من سوريا. 

وفي البداية تلقي الباحثة الضوء على التقرير الأخير الذي أصدرته الأمم المتحدة، الذي وثقت فيه أدلة العنف المرتكب ضد الأطفال في سوريا منذ بدء الثورة، حيث ذكر أن ما لا يقل عن 10 آلاف طفل في سوريا قد قتلوا، كما تعرض الكثيرون إلى انتهاكات خطيرة ارتكبتها جميع أطراف النزاع منذ بدء الثورة في مارس 2011.

وتشمل هذه الانتهاكات اعتقال الأطفال وتعذيبهم من أجل الضغط على أقاربهم حتى يسلموا أنفسهم أو يدلوا باعترافات، وكذلك خطف الأطفال وتشويه جثثهم وتعرض الكثيرين منهم للحرق وفقد الأطراف بسبب القصف الجوي على الأحياء السكنية. كما تم استخدام الأطفال كدروع بشرية وإجبارهم على مواجهة دبابات النظام والتظاهر وإلقاء الأناشيد الموالية للنظام بالإضافة إلى غيرها من وسائل التعذيب البدني والنفسي.

 وقال تقرير ميدل ايست مونيتر: "إن تقرير الأمم المتحدة لا يناقش كيفية عقاب المسؤولين عن هذه الجرائم، ولكنه يقدم الأدلة التي تساعد على ملاحقة المتهمين"، وأضاف أن "المتورطين بالتعذيب يمارسون جرائمهم بحصانة تامة، وقد فشل المجتمع الدولي في تحقيق أي تقدم في مسألة محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب في سوريا".

 ويعلق التقرير على التحركات الدولية في هذا الشأن قائلا: "إن البيروقراطية التي تشوب الحوار الدولي القائم حول الملف الانساني في سوريا "مفجعة"، حيث انتهت الجولة الأولى من مؤتمر جنيف 2 بدون التوصل إلى حلول سياسية أو إنسانية تذكر، فلم يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار، ولم يتم البدء في الحديث حول تشكيل حكومة انتقالية، ولم يتم التوصل إلى اتفاق لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة في حمص.

 وفي حوار أجراه موقع ميدل ايست مونيتر، مع الخبيرة في الشأن السوري بمنظمة هيومان رايتس ووتش، "لاما فكيه" قالت: "إن الكثير من اللاجئين السوريين الفارين إلى لبنان، يعانون جروحا جسدية ونفسية، وليس لديهم من يلجؤون إليه للمساعدة.

 بينت "لاما" أن ضحايا جرائم الحرب يتدفقون عبر الحدود، وقد كسرتهم الحرب، وتستقبلهم المنظمات الأهلية التي استنفذت بسبب كثرة اللاجئين.
 
وقد التقت هنريتا جوهانسن من موقع ميدل ايست مونيتر، مع سوزان جبور مديرة مركز إعادة تأهيل ضحايا التعذيب في لبنان Restart،  ونائبة رئيس لجنة منع التعذيب بالأمم المتحدة في جنيف، وقالت سوزان جبور في حوارها مع جوهانسن: "إنه قبل الأزمة السورية، كان أغلب الضحايا من الرجال، ولكن الآن هناك الكثير من النساء والأطفال كذلك".

 وتصف جبور ما يتعرض له الاطفال والنساء في سوريا بـ"الوحشية التي تشبه الحرب العالمية الثانية"، قائلة: "إنها تعتقد أن الحياة في ظل المعاناة الناجمة عن التعذيب النفسي وأساليبه، يجعلها أكثر خطورة في المدى الطويل".

 ونتيجة لما شاهدته من وحشية تزداد حدتها يوما بعد يوم، ترى جبور أن "المفاوضات الدولية حول هذه المسألة "محبطة ومنفصلة عن الواقع على الأرض"، مضيفة أنه "حتى لو تم التوصل إلى حل طفيف، فلن يكون كافيا أمام ما وصفته بالكارثة الإنسانية القائمة".

 كما قالت لما خليل من منظمة هيومان رايتس ووتش: "إن اللاجئين الذين تعرضوا سابقا للاعتقال، لازالوا يشعرون بالتهديد في لبنان، حيث يخشون أن تمتد إليهم يد النظام عبر الحدود، وربما يتعرضون للاعتقال على يد السلطات اللبنانية، أو الاختطاف، والعودة إلى سوريا". 

 آليات الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب

من ناحيته، قال مقرر الأمم المتحدة المعني بمكافحة التعذيب، خوان منديز، في حواره مع ميدل ايست مونيتر: "إن سوريا ليست عضوا في اتفاقية روما  The Rome Statute، وبالتالي ليس هناك مجال لمحاكمة المتهمين بجرائم الحرب، سوى أمام المحاكم السورية". 

 ولفتت لما فكيه إلى أن "منظمة هيومان رايتس ووتش، تدعو مجلس الأمن بالأمم المتحدة إلى فرض عقوبات ضد الأفراد الذين تدينهم الأدلة القطعية"، مشددة على أن "إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ضروري، من أجل ضمان محاكمة المتورطين في جرائم الحرب"،منوهة إلى أن "القرار الوحيد الذي تم إصداره من مجلس الأمن حتى الآن، هو المتعلق بالأسلحة الكيماوية". 

 والمحكمة الدولية معنية بجميع الدول التي يرتكب فيها جرائم، لكنها تستطيع فقط التدخل بناء على القواعد التي تحكم عملها، فعلى سببيل المثال، كما بين فادي العبدالله الخبير بالمحكمة الدولية، فإن سوريا ليست عضوا بالمحكمة، مما يجعل الخيار الوحيد أمام المجتمع الدولي، هو اللجوء إلى مجلس الأمن لإحالة الملف إلى المحكمة كما حدث مع ليبيا ودارفور.

 فالمحكمة الدولية لا تستطيع العمل خارج نطاق القواعد المنظمة لها، التي تعطيها الحق في التدخل فقط مع الدول الأعضاء في اتفاقية روما أو الدول التي وافقت على قانون المحكمة. 

 ويشرح العبدالله قائلا: "إن الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة، هو أن يقوم مجلس الأمن بتبني مشروع قانون يطلب من المحكمة الدولية أن تحقق في الجرائم، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".

ولكن جميع محاولات المجلس لتطبيق الفصل السابع من الميثاق على الصراع السوري، قد واجتها روسيا والصين بالفيتو، وقد أكد العبدالله أنه طالب مرات عديدة باحالة الملف إلى مجلس الأمن في ظل مناخ الحصانة المطلقة السائد في سوريا.

 وعلى الرغم من كونها موقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب، لا يمكن للخبراء دخول سوريا لرصد الوضع دون إذن، حيث لابد من تمرير البروتوكول الاختياري قبل ذلك، وفي هذه اللحظة يعاني الآلاف من ضحايا التعذيب ويفلت المجرمون من العقاب، وبالتالي فمن المهم أن يتم تمرير البروتوكول الاختياري، حتى تتمكن اللجنة الفرعية من زيارة الأماكن المغلقة، التي لا يستطيع أحد الوصول إليها لأن "التعذيب يمارس في الظلام" كما تقول سوزان جبور.

 وهذه العملية تستغرق وقتا طويلا، فبعد عام من تمرير البروتوكول، يجب أن يتم تقديم تقرير أولي إلى لجنة مناهضة التهذيب في جنيف، حيث يتم فحص التقرير وطرح أسئلة وتقديم توصيات إلى الحكومة على هذا الأساس.

وهذا هو نظام اتفاقية مناهضة التعذيب، حيث يستطيع المسؤولون زيارة الدولة الموقعة على الاتفاقية (بناءا على المادة 21)، وجمع المعلومات والأدلة التي تثبت قيام الحكومة والمؤسسات الرسمية بالتعذيب الممنهج، وفي هذه الحالة يمكن للمسؤولين زيارة الدولة بدون الحاجة إلى إذن كما هو الحال مع اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب. 

 من ناحية أخرى، فإن اللجنة الفرعية تعمل على تعزيز علاقاتها مع الحكومة من أجل محاربة استخدام التعذيب، وتقدم النصح للحكومة لتحسين الوضع، وهي تفعل ذلك من خلال طلب دعوة من مركز معين، ومن ثم إجراء بحوث سرية يتم مشاركة نتائجها فقط مع المسؤولين الحكوميين، والعاملين في المركز المعني.

 وقالت سوزان جبور من اللجنة الفرعية للأمم المتحدة: "إنه عند زيارة المراكز، يتم رصد أدلة التعذيب، وهي أدلة مادية متواجدة بالفعل، وتقوم اللجنة الفرعية في بعض الأحيان باتخاذ اجراءات مباشرة إذا تم التوصل الى أدلة هامة، ففي البداية يجتمعون مع سلطات السجن بعد الزيارة ويقدمون لهم التوصيات الأولية، ثم بعد ثلاثة شهور يتم تقديم تقرير مكتوب إلى الحكومة للتعليق عليه، وبعد 6 أشهر يتم إصدار تقرير نهائي وطلب خطة عمل".

 وبهذه الطريقة فإن النهج الذي تتخذه اللجنة الفرعية، هو استباقي ويضع الحكومات في علاقة مع الأمم المتحدة، ويسعى إلى إحداث تغييرات بهذه الطريقة، وتستخدم اللجنة الفرعية نتائج الزيارات الخاصة بها فقط، وبعد مرور عام على تقديم التوصيات يجب على الحكومة الالتزام بإنشاء "آلية وطنية للتنمية" وهو فريق للرصد يمكنه زيارة أي مكان في أي وقت، ويقوم بتقديم تقرير سنوي للجنة الفرعية.

 وهناك آلية أخرى وهو مقرر الأمم المتحدة لشؤون التعذيب، الذي يستطيع اجراء زيارات ولكن يحتاج إلى دعوة من الحكومة المعنية، وأثناء الزيارة يستطيع المقرر زيارة كافة مراكز الاعتقال، وعمل تقرير رسمي (في حين أن اللجنة الفرعية تصدر تقارير سرية للحكومة، من أجل خلق حوار و دفع الحكومة للتصديق على هذه الانتهاكات).

 وهناك آلية ثالثة للدفع من عملية الوقاية من التعذيب من خلال مركز إعادة التأهييل Restart Center الذي يشبه عمل الدول وليس المنظمات الأهلية، كما تقول سوزان جبور مديرة المركز.

حيث يقوم المسؤولون في المركز بتوثيق التعذيب استنادا إلى بروتوكول اسطنبول، (وهو آلية دولية تستخدم لتوثيق التعذيب من ثلاثة جوانب: النفسية والبدنية والقانونية)، وهو يتبني أسلوبا شاملا لعمل ملف متكامل، حتى يمكن تقديمه إلى المحكمة الدولية على هذا الأساس.

وهو معترف به دوليا من قبل الأمم المتحدة، ومختلف المنظمات الأخرى، و يتيح للضحايا خيار المطالبة بالتعويض بعد النزاع، بموجب المادة 14 من اتفاقية مناهضة التعذيب، كما تقول سوزان جبور.