مدونات

وانتصرت تونس

د. زيد خضر
أعلن الشعب التونسي الحر يوم 17 ديسمبر 2010م الثورة الشعبية على الرئيس "زين العابدين بن علي" رمز الفساد والطغيان في البلاد ونجح في الإطاحة به ،فكانت هذه الثورة الشعبية التي عُرفت باسم "ثورة الحرية والكرامة" بواكير الربيع العربي، وسرعان ما انتقل هذا الربيع إلى بلدان أخرى ونجحت الشعوب في الإطاحة ببعض رؤوس الظلم والطغيان. 

واشترك في الثورة التونسية كل مكونات المجتمع التونسي، بما فيهم حركة النهضة التي تمثل التيار الإسلامي في تونس، تلك الحركة التي كانت محظورة في البلاد منذ تأسيسها عام 1972 على يد الدكتور راشد الغنوشي والدكتور عبد الفتاح مورو وغيرهم، وعانت النهضة من الاضطهاد، والظلم، والتشريد في عهد الرئيس بورقيبة والرئيس زين العابدين، حتى اضطر مؤسسوها إلى الهجرة خارج البلاد، ولم يُعترف بالنهضة كحزب سياسي إلا بعد انتصار ثورة "الحرية والكرامة" والإطاحة بزين العابدين.
 
وشاركت النهضة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي (البرلمان) عام 2011، وفازت بـِ 42% من مقاعد المجلس، ودخلت النهضة في ائتلاف حاكم مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (يسار الوسط)، وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (اشتراكي ديمقراطي)، وتولى بموجب هذا الائتلاف الحاكم المنصف المرزوقي (اشتراكي يساري) رئاسة الجمهورية فيما تولت النهضة رئاسة الحكومة. 

سارت الأمور في تونس على نحو جيد، لكنها بعد فترة ليست بالطويلة تعرضت لمؤامرات وفتن من النظام السابق وأعوانه في الداخل والخارج للإطاحة بثورة الحرية والكرامة، وبحركة النهضة خصوصاً على غرار ما حدث في مصر، وكادت أن تنجح هذه الثورة المضادة. 

لكن العقلاء في تونس من الائتلاف الحاكم، وغيرهم، دخلوا في مفاوضات شاقة مع القوى الوطنية كافة، وقدمت حركة النهضة تنازلات كبيرة وصعبة للقوى الأخرى للخروج من الأزمة السياسية التي عصفت في البلاد حتى كادت هذه التنازلات أن تذهب بالحركة فقد انشق عنها الكثير من منتسبيها احتجاجاً على التنازلات، لكن قيادة الحركة أعلنت: "أن هذه التنازلات التي قدّمتها لخصومها العلمانيين مؤخرا، مردّها الخشية على مصلحة البلاد" 

وأخيراً وبعد أكثر من سنتين من الفرقة والاختلاف والمفاوضات بين الأطراف التونسية المختلفة، نجحت تونس في إقرار دستور جديد يحدد معالم السياسة والحياة في البلاد، واستقرت الأمور، فهنيئاً لأهل تونس بهذا الإنجاز العظيم، وهنيئاً لحركة النهضة وللائتلاف الحاكم، وتحية للشيخ راشد الغنوشي ورفاقه الذين كان لهم الفضل الأكبر في هذا الاتفاق، وعاشت تونس الجديدة ملهمة الربيع
العربي وصانعة الأمجاد.