حقوق وحريات

هيومن رايتس ووتش: ثمن المعارضة في مصر "باهظ"

مشهد من أحد مراكز الاعتقال في مصر

قالت هيومن رايتس ووتش إن السلطات المصرية لم تبد في الشهور الأخيرة أي قدر من التسامح مع أي شكل من أشكال المعارضة، إذ اعتقلت ولاحقت صحفيين ومتظاهرين وأكاديميين لتعبيرهم السلمي عن آرائهم.

وأشارت المنظمة في تقرير لها؛ إلى محاكمة صحفيين في قناة الجزيرة الانكليزية "بتهم مسيسة من قبيل نشر معلومات كاذبة والانتماء إلى منظمة إرهابية"، وهي تهم تصل عقوبتها إلى السجن لمدد تتراوح بين 5 و15 عاماً. كما يواجه ما لا يقل عن 17 آخرين من الصحفيين والشخصيات المعارضة تهماً مماثلة في القضية نفسها، التي تقرر بدء المحاكمة فيها يوم 20 شباط/ فبراير. وفي 19 كانون الثاني/ يناير قامت النيابة بإحالة 25 شخصاً إلى المحاكمة بتهم "إهانة القضاء"، وبينهم الأكاديمي والبرلماني السابق عمرو حمزاوي.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "ينبغي ألا يواجه الصحفيون خطر قضاء سنوات في السجن في مصر لقيامهم بعملهم. إن ملاحقة هؤلاء الصحفيين لتحدثهم مع بعض أعضاء الإخوان المسلمين، والتي تأتي بعد ملاحقة متظاهرين وأكاديميين، تبين السرعة التي تتقلص بها مساحة المعارضة في مصر".

ويواجه صحفيو الجزيرة الثلاثة المحتجزون، وهم المصريان محمد فهمي وباهر محمد والأسترالي بيتر غريست، تهماً تشمل تحرير مقاطع فيديو "للإيحاء بأن مصر في حرب أهلية"، وتشغيل معدات بث بدون ترخيص، والانتماء إلى تنظيم إرهابي، وحيازة مواد تروج لأهداف التنظيم الإرهابي. كما سبق أن احتجز مراسلون للجزيرة العربية في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس الماضيين.

وتنقل المنظمة عن غريست قوله في رسالة من سجنه: "لم تقدم الدولة أدلة تؤيد تلك المزاعم، ولم يتم توجيه الاتهام إلينا رسمياً بأية جريمة. إلا أن النائب العام قام لتوه بتمديد احتجازنا المبدئي الذي امتد 15 يوماً لمدة 15 يوماً أخرى كي يتيح للمحققين وقتاً إضافياً عسى أن يجدوا شيئاً. وبوسعه القيام بهذا دون أجل مسمى ـ فأحد رفاقي في السجن خلف القضبان منذ ستة أشهر دون تهمة واحدة.. إن الدولة لن تتحمل سماع الإخوان المسلمين أو أي صوت انتقادي آخر".

وفي أواخر كانون الأول/ ديسمبر قامت الحكومة المؤقتة بإعلان الإخوان المسلمين "تنظيماً إرهابياً"، مستشهدة بالاعتداءات الأخيرة على منشآت ومسؤولين أمنيين، "دون تقديم أدلة تربط الإخوان بتلك الاعتداءات"، حسب تأكيد هيومن رايتس ووتش.

وقالت المنظمة: "رغم أن التوصيف لا يتمتع بقوة القانون إلا إذا صدر عن محكمة، إلا أن المسؤولين استغلوه لاعتقال وملاحقة الأشخاص الذين يجرون أي اتصال مع جماعة الإخوان، مثل صحفيي الجزيرة".

ولفتت المنظمة إلى أن لجنة حماية الصحفيين أشارت إلى مصر كواحدة من البلدان الثلاثة الأكثر خطراً على الصحفيين في 2013.

كما أشارت المنظمة إلى قيام أجهزة الأمن بعد الانقلاب في 3 تموز/ يوليو بإغلاق قنوات تلفزيونية مرتبطة بالإخوان المسلمين وغيرهم من التيارات الإسلامية كما احتجزت السلطات 18 من المساهمين في شبكة رصد الإخبارية المستقلة، وبينهم اثنان يواجهان محاكمات عسكرية.

وفي الثاني من الشهر الجاري، داهمت الشرطة مقرات "يقين" و"حصري"، وهما منفذان إعلاميان مقرهما القاهرة، فاعتقلت 13 من العاملين بزعم قيامهم بالتحريض على العنف وبث أنباء كاذبة. فيما بعد أفرجت الشرطة عن الصحفيين بكفالة، رغم أنهم ما زالوا يواجهون تهماً جنائية.

كما اعتقل المدون والناشط اليمني فراس شمسان، في أعقاب مقابلات أجراها في معرض القاهرة السنوي للكتاب. ويواجه شمسان تهم نشر أنباء كاذبة عن السلطات المصرية، وتلقي أموال من هيئات أجنبية، والتقاط صور دون تصريح، وتكدير السلم العام.
    
لكن "الاعتقالات الأخيرة للصحفيين ليست إلا عنصراً واحداً من عناصر الحملة القمعية الآخذة في التوسع التي تشنها الحكومة المصرية على حرية التعبير، فقد استهدفت الاعتقالات أيضاً طيفاً واسعاً من الأصوات المعارضة" كما تؤكد هيومن رايتس ووتش.

فقد تعرض المخرج المخرج المصري حسام المناعي للتعذيب بعد اعتقاله مع المترجم الأمريكي جيريمي هودج من شقتهما في القاهرة في 22 كانون الثاني/ يناير.

كما يواجه عمرو حمزاوي تهمة إهانة القضاء، على خلفية تغريدة على تويتر في حزيران/ يونيو 2013 تقول إن إدانة 43 من العاملين في منظمات مؤيدة للديمقراطية تمثل دليلاً على "تسييس" القضاء. وبين المتهمين الآخرين في هذه القضية مصطفى النجار، وهو برلماني سابق أيضاً، وعلاء عبد الفتاح، الناشط المعروف المحتجز منذ أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر "بتهمة ملفقة تتمثل في تنظيم مظاهرة دون إخطار"، حسب تقرير المنظمة.

ووجهت السلطات إلى أكاديمي بارز آخر، هو عماد شاهين، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إضافة إلى عدد من القياديين بجماعة الإخوان المسلمين، تهمة التآمر مع منظمات أجنبية للإضرار بأمن مصر القومي. وكان كل من شاهين وحمزاوي ممن جهروا بانتقاد حكومة الرئيس محمد مرسي، لكنهما انتقدا أيضاً القمع الدموي للإخوان في أعقاب قيام الجيش بعزل مرسي من السلطة. وقامت السلطات بمنع حمزاوي من السفر وأحيلت قضيته إلى المحاكمة دون تحديد موعد لها، أما شاهين فقد غادر مصر قبل الإعلان عن التهم الموجهة إليه في وقت لاحق من شهر كانون الثاني/ يناير.

كما اعتمدت الشرطة على قانون قمعي للتظاهر صدر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 لتفريق واعتقال مئات المتظاهرين السلميين بذريعة تجمعهم دون تصريح. كما استغلت إحدى المحاكم هذا القانون في كانون الأول/ ديسمبر للحكم على ثلاثة من أبرز النشطاء، وهم أحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة، بالسجن لمدة 3 سنوات.

ووصلت الملاحقات إلى الجامعات، فقد قام رئيس جامعة القاهرة جابر نصار بإحالة أستاذ القانون ياسر الصيرفي إلى السلطات لمزاعم بانتمائه إلى الإخوان المسلمين وإثارة قضايا سياسية أثناء محاضراته، مما أدى إلى مناقشات محتدمة بينه وبين الطلبة. وفي الثالث من الشهر الجاري، داهمت السلطات منزل الصيرفي فاعتقلته وأخذته إلى معسكر الأمن المركزي على طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي.

وفي الأيام السابقة على الاستفتاء على الدستور، اعتقلت الشرطة ما لا يقل عن سبعة من النشطاء السلميين من حزب مصر القوية لتوزيع ملصقات تدعو إلى التصويت بـ"لا" وللاحتجاج على المحاكمات العسكرية للمدنيين، وعلى الفساد وانتهاك الحقوق من طرف وزارة الداخلية. تم الإفراج عن النشطاء لكنهم يواجهون تهماً مختلفة تشمل "الترويج للدعوة إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية ... متى كان استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظاً في ذلك"، والتورط المزعوم في الإرهاب، ومحاولة قلب نظام الحكم.

وداهمت السلطات مقر دار للنشر كانت بصدد طبع تقرير للمجموعة المتحدة، وهي مجموعة من الباحثين القانونيين ومحامي حقوق الإنسان. صادرت السلطات نسخ التقرير، الذي يوثق التعذيب وغيره من العقوبات القاسية في مصر في الفترة من أيلول/ سبتمبر 2012 وحتى أيلول/ سبتمبر 2013، واعتقلت اثنين من العاملين في دار النشر.

وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت وزارة الداخلية أنها ستبدأ في اعتقال أي شخص يمارس ما أسمته التحريض على الشرطة والمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تم احتجاز ما لا يقل عن 11 من أعضاء الإخوان على أساس تصريحات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال جو ستورك: "ظلت المنظمات الحقوقية المصرية والدولية لسنوات تدعو السلطات المصرية إلى تعديل قانون العقوبات الذي كانت نصوصه الفضفاضة أداة الحكومة القانونية الرئيسية لسجن المعارضين. أما اليوم فقد صارت تحت تصرف النيابة ترسانة أضخم من القوانين القمعية التي تجرم الممارسات المشروعة للتعبير عن الرأي والتجمع وتكوين الجمعيات".