مقالات مختارة

التحديات أمام الحكومة التونسية

1300x600
حكومة تكنوقراط التونسية التي شكلها مهدي جمعة و التي من مهامها الأساسية الإعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية التونسية قبل نهاية هذا العام 2014 وإعلانه عن ضم عدد من الخبراء التونسيين العاملين في منظمات دولية لهذه الحكومة لا يعني على الاطلاق أنها يمكن أن تنجح بسهولة في مهمتها، فالوزراء التكنوقراط أي الخبراء البعيدين عن واقع الناس وحياتهم المعيشية وهمومهم عادة لا ينجحون في مهامهم بالشكل الذي يعتقده كثيرون فمن الصعب أن يأتي حتى رئيس البنك الدولي وليس موظفا في إحدى دوائره ليتولى وزارة المالية في دولة مثل تونس ترزح تحت وطأة البيروقراطية والدولة العميقة ومستنقعات الفساد داخل منظومة الحكم لينجح في مهمته.

كما أن من الصعب أن يأتي أكبر الخبراء في الزراعة العالمية ليتولى وزارة الزراعة في تونس ثم نتوقع أن يحولها بحق إلى ما توصف به من أنها تونس الخضراء، الواقع الذي خلفته الأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية التي حكمت تونس وليبيا ومصر واليمن ودولا أخرى كثيرة لا يمكن للخبراء فقط مهما كانت خبراتهم أن ينتشلوا هذه الدول من واقعها المأساوي، لأن معظم هذه الدول بحاجة إلى إعادة بناء الإنسان من جديد وحينما يتكون هذا الإنسان الذي يتعلم أن يعطي وأن يبني وأن يكون أمينا ومعطاء لبلده لا نكون بحاجة إلى وزير من خبراء الأمم المتحدة أو علماء وكالة ناسا ، بل إن الوزير يكون صاحب وظيفة سياسية بينما ينهض خبراء الوزارة والحكومة بمهامهم، هذا الخاطر جاءني حينما تأملت الحقائب الوزارية في حكومة مهدي جمعة، ووجدت أنه جلب بعض الوزراء من منظمات دولية وهؤلاء يعيشون منذ سنوات طويلة بعيدا عن واقع تونس وثورتها من بينهم وزير الخارجية المنجي حامد، الذي كان يشغل منصب مدير ديوان الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة، وكمال بن نصر وزير الصناعة والطاقة والمناجم، الذي كان يشغل قبل رجوعه إلى تونس منصبا رفيعا في مؤسسة عالمية في مجال التنقيب عن البترول.

 أما حكيم بن حمودة وزير الاقتصاد والمالية فهو خبير مالي معروف دوليا وكان يشغل منصب المستشار الخاص لرئيس البنك الإفريقي للتنمية، أما وزير التجهيز الهادي العربي فقد كان يشغل وظيفة مرموقة بالبنك الدولي في واشنطن، أما وزير الفلاحة لسعد لشعل فقد كان يشغل منصبا رفيعا في المعهد الإفريقي للتنمية. أما آمال كربول التي أثارت ردود فعل غاضبة بعدما علم أنها قامت بزيارة إسرائيل فقد كانت تقيم في ألمانيا و كانت تعمل كخبيرة في مجال التصرف والريادة وتوظيف الموارد البشرية قبل تقلدها منصب وزيرة السياحة.

هذه كفاءات دولية دون شك ولكن نجاح هذه الكفاءات في مجال عملها في المؤسسات الدولية التي كانت تعمل بها لا يعني على الاطلاق قدرتها على معالجة الأوضاع المتردية في تونس لاسيما وأن الحكومة مؤقتة ومرهونة بمهمة محددة وعمرها عام واحد، من ثم فإن التراكمات القائمة والمتوارثة لا يستطيع أي خبير دولي أن ينهيها في عام واحد إذ أن كل وزير من هؤلاء في حاجة إلى بضعة أشهر حتى يفهم الوزارة وعملها لاسيما وأنه قادم من خارجها، وكثير من هؤلاء يعملون خارج تونس منذ سنوات طويلة، لاشك أنها مهمة شاقة وعسيرة، ورغم أني لا أتوقع الكثير من هؤلاء الوزراء إلا أن هذه الحكومة لو نجحت في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية هذا العام فإن هذا كاف لنقول إنها نجحت في مهمتها.

(الوطن القطرية)