فنون منوعة

تونس.. تربية عصافير "المالينوا".. حكاية غرام

عصافير
مع بداية فصل الربيع في تونس يدخل مربو عصافير "المالينوا" في دوامة من الضغط والصبر في انتظار أولى الفراخ التي ستفقس وتدشن جيلا جديدا من هذه الفصيلة لدى محبيها.

عصفور "المالينوا"... نوع من الطيور التي تعود أصولها إلى منطقة مالينز في بلجيكا، وعُرف بسلالته النقية، وبصوت ونغمة خاصة لا يتقنها أي طير آخر، ما شجع بعض المربين التونسيين على جلبه لتونس منذ أكثر من 40 سنة، ومساعدته على التكيف في بيئته الجديدة.

أحمد الكوكي، خريج جامعي، في العشرينات من العمر. بمجرد أن تدخل بيته، تستدرجك زقزقة خافتة، تصحبك لغرفة خلف منزله، حيث يختلي بطيوره في محضنة (حضانة) التفريخ، فهنا يربى طيوره حتى تكبر.

يقول الكوكي "منذ سن السابعة، بدأ يتكون عندي ميل لهذه الطيور، حيث استهوتني بألوانها الزاهية". ويضيف: "تطورت العلاقة بيننا، وجذبني هذا النوع من العصافير بصوته الجميل الذي يهدئ الأعصاب المتشنجة"، على حد وصفه.

تبدو علاقة أحمد بعصافيره الصغار أشبه بعلاقة أم تربى أبناءها، يقول "عندما أدخل المحضنة لأقدم لها الماء والغذاء، تبدأ بعضها بالزقزقة المتواصلة، تطالبني أن أخصها هى بالطعام أولا، وقبل أخواتها، وكأنها طفل رضيع".

ويضيف: "القاعد الأولى في تربيتهم هي ضرورة مراعاة الجانب الصحي، فالبيئة الصحية، والنظافة، والاستحمام اليومي، والتطعيم بالفيتامينات أساس العلاقة لكل من يرد المواصلة مع المالينوا."

يشرح الكوكي كيفية تلقين الفراخ الصغار دروس الغناء لدى المالينوا، فيقول "عند مرحلة التفريخ في الأقفاص، نحرص على البحث عن أساتذة الغناء من المالينوا، وهى العصافير البالغة المتألقة بنغمات خاصة، نقربها للفرخ كي يحفظها عنهم، ويتمكن من المقاطع الغنائية بطريقة جيدة، ما يؤهله ليلتحق تبعا بصف أساتذة الغناء".

تقام لهذا النوع من العصافير مسابقات للغناء، حيث تسند لها نقاط للتقييم من قبل محكمين دوليين، فإما أن يصبح من أساتذة الغناء أو يصنف في خانة فحول التفريخ فقط. ويشترط عُرف الغناء عند هذه الطيور حفظ ثلاث مقاطع صوتية من مجموع 12 نغمة مسجلة ومعترف بها دوليا في المسابقات الرسمية، سواء كانت محلية أو عالمية وهي نغمة " الكلوك " و "البولند " و" الرولند".

يقول الكوكي: "نعمل في تونس منذ 20 سنة على تنقية سلالة تونسية للمالينوا، والفضل في ذلك يعود لشخص يدعى "محمد زروق" بادر منذ سنوات لإتمام هذا العمل."

عند مربي المالينوا في تونس تسلسل وراثي يجب احترامه، ولكل مرب "خواتم" خاصة به، تحمل ترقيمه ومعرفه الدولي الوحيد لسلالته، وعندما يبلغ الفرخ يومه السابع يتم تلبيسه خاتما يحمل معرفا يلازمه طيلة حياته لكي يحفظ حقوق مربيه الأول، إن فاز في مسابقات دولية.

مصطفى الطرودي (70 سنة)، مهندس ميكانيكا مختص في الطيران المدني والعسكري، بدأت علاقته مع المالينوا قبل 40 سنة، يتحدث للأناضول عنه بشغف واهتمام بالغين، يقول: " المالينوا ..عصور يأكل قليلا ويغني كثيرا، ليس كباقي الطيور، فعندما يغني لا يفتح منقاره كثيرا، صوته العذب يخرج من الحنجرة مباشرة".

يسرد الطرودي قصصه مع العصفور ويقهقه ضاحكا "هو كالبشر، ففي مرحلة التزاوج نأتي بالأنثى ونقدم لها عرضا متواصلا من الذكور الفتية، الواحد تلو الآخر، إن قبلت بواحد فستبادله الغناء، وإن رفضتهم جميعهم فلن تلتفت لأي منهم". ويضيف "أتذكر أني بدأت عملية مزاوجة بين زوجين، وكانت أنثى عنيدة لم تأبه لأي فحل من الذين قدمتهم بالرغم من حسن غنائهم وألوانهم لكنها وفي الأخير عشقت ذكرا قبيح اللون لا يغني جيدا".

يوضح الطرودي طبيعة أصوات العصافير مقلدا الصوت بحركات فمه "نغمات المالينوا مشتقة من الطبيعة، وبشكل أدق حركة المياه، فنغمة الكلوك هي تدرج (أشبه) بصوت الماء عندما ينزل قطرة قطرة، أما البولند فتمثل محاكاة لصوت الماء في حالة غليانه وهو يسري في الجداول".

يعطي الطرودي مرتبة مهمة للمالينوا في حياته فيقول خبير الطيران للأناضول" يأتي قبل عائلتي، وقبل أبنائي بالرغم أني بالطبع أحب عائلتي كثيرا، إلا أن المالينوا يبقى رقم واحد، وقبل الكل وبدون منازع" .