منذ تشكله، واجه
مجلس التعاون الخليجي تحديات كادت تعصف به. لكنه ظل مؤسسة قادرة على التكيف وتجاوز الخلافات؛ سواء كانت طارئة أم عميقة. في التاريخ العميق، بدا الشرخ الخليجي واضحا في قمة دمشق التي كشفت الانقسام الخليجي في حرب تموز 2006؛ بين من اعتبرها مغامرة لحزب الله وبين من احتفى بمقاومته. بالنتيجة، وردا على خطاب بشار عن "أشباه الرجال"، انعقدت القمة بما يشبه مقاطعة للسعودية ومن حالفها، وما يشبه رعاية من
قطر ومن حالفها. وتكرس الخلاف في "قمة غزة" التي انعقدت في قطر وقاطعتها السعودية.
في الثورة السورية، توحد الموقف الخليجي وراء الشعب السوري، وانتهى الملف إلى يد السعودية. وفي الثنايا، كان الموقف من إيران التي إن لم تُردع في سورية، فإنها ستتمدد في الخليج. وبينما الملف السوري يراوح مكانه سياسيا وعسكريا، أُنجزت الصفقة التاريخية بين إيران والغرب. المفاجأة لم تقتصر على بنود الصفقة، بل مكان ولادتها، سلطنة عمان؛ البلد الخليجي الذي تصرف في أدق تفاصيل الأمن القومي الخليجي من دون معرفة أي دولة خليجية، فضلا عن مشورتها.
لم يكن الخلاف بين دول مجلس التعاون بشأن إيران فقط. قبل ذلك، كشف "الربيع العربي" عن عمق الهوة التي تباعدت أكثر بعد الانقلاب في مصر. منذ اليوم الأول لانتصار ثورة يناير (2011)، قدمت قطر دعما ماليا وسياسيا لمصر، تواصل بعد وصول محمد مرسي للرئاسة. في المقابل، قدمت الإمارات والسعودية الدعم المالي والسياسي بعد الانقلاب العسكري. هذا هو الخلاف الحقيقي، وليس "عدم الالتزام بمبادئ دول مجلس التعاون"؛ إذ لا يصدر عن قطر، بشكل رسمي أو غير رسمي، أي انتقاد لدولة خليجية، فضلا عن مهاجمتها.
في المقابل، تحفل وسائل الإعلام المصرية، والممولة خليجيا بشكل علني أو غير علني، بالهجوم على قطر. وهذا يندرج في إطار حرية الرأي؛ فمن حق الناس أن تختلف مع السياسة القطرية أو السعودية، ولا يزلزل أركان الدول برنامج تلفزيوني أو عنوان صحيفة.
في داخل الأسرة الواحدة من يؤيد مرسي ومن يؤيد عبدالفتاح السيسي، أو يناصر "فتح" أو "حماس". من حق الدول والأفراد أن يختاروا وفق مبادئهم ومصالحهم العليا، و"التعاون الخليجي" لم يكن يعني يوما "التطابق" في وجهات النظر؛ لا تجاه مصر ولا غيرها. المهم أن يدار الخلاف بأقل خسائر، فالجسد العربي منهك، ولا يحتاج إلى مزيد من الجراح.
من حق الناس أن يعترضوا على سياسة السعودية أو قطر، لكن ليس من حقهم تزوير التاريخ. قطر لم تؤسس الإخوان وحماس والنهضة؛ على العكس، الإخوان وصلوا السعودية قبل قطر، وتصدروا أرفع المواقع السياسية. وللتذكير، كان الشيخ محمد محمود الصواف، مؤسس الإخوان في العراق، المبعوث الخاص للملك فيصل بن سعود رحمه الله. وفي الإمارات، كانت لهم صحف وجمعيات، وفي الكويت شاركوا في الحكومة والبرلمان. أما "حماس"، فالتاريخ يقول إنها تأسست خارج فلسطين بين جدة والكويت، وقيادتها التي تستضاف في الدوحة لم تكن عاصمة عربية تغلق دونها، بما فيها الرياض وأبو ظبي.
قرار سحب سفراء خليجيين من الدوحة لا يسر. لكن المؤكد أنه أدخل السرور إلى قلب اثنين: بشار الأسد، وعبدالفتاح السيسي. والمستقبل سيجيب إن كان سيسهم ذلك في تغيير مواقف قطر من الانقلاب، أو يكون مفعوله معاكسا. هذا هو الخلاف، وليس "مبادئ مجلس التعاون" التي ليس منها دعم الانقلاب أو معارضته.