كتاب عربي 21

بطل مصر بجنيه

1300x600
كل هذا وليس له حملة انتخابية..

شوارع مصر تم إغراقها باللافتات المؤيدة
لسعادته، ومبايعة له على المنشط والمكره .. وليس له حملة انتخابية!.

عدد من البشر يجري تقديمهم تلفزيونياً على أنهم وجهاء حملته الانتخابية، منذ أكثر من شهرين.. وليس له حملة انتخابية!.

مسؤولون في المحافظات المختلفة، وبينهم محافظين يجمعون من الناس تبرعات لحملته الانتخابية.. وليس له حملة انتخابية!.

بطاقته ينادي عليها في الشوارع من قبل "الباعة السريحة": " بطل مصر بجنيه" .. وليس له حملة انتخابية.

أصل الحكاية، أن المتحدث العسكري، خالد الذكر، أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه أنه لا حملة انتخابية للسيسي، الذي لم يعلن ترشحه حتى الآن، بشكل مثل مفاجأة ليس لدوافع هذا الإعلان (الآن) الذي يحمل استنكاراً لما يقوم به البعض من دعاية فجة له، ولكن لأن سيادة المتحدث الرسمي ذكرنا بأن السيسي لم يعلن ترشحه حتى (الآن).

فحتى ساعته وتاريخه، لم يعلن السيسي ترشحه رسمياً لأسباب نعلمها جيداً، فالرجل الذي انقلب على الرئيس الشرعي للبلاد، بات خائفاً يترقب، وهو يخشى أن يغادر منصب وزير الدفاع، إلى الشارع، فيفقد الحماية المقررة له بحكم منصبه وزيراً للدفاع. فضلاً عن أن عينه في الجنة والأخرى في النار، فهو يطمح أن يكون رئيساً، لكنه يخشى الفشل، في الوقت الذي يعد فيه منصب وزير الدفاع أكثر استقراراً.

لو كان بيد السيسي لجمع بين الحسنيين، فيكون وزيراً للدفاع، وفي الوقت ذاته رئيساً للجمهورية، لكن هذا الحلم الجميل سيصطدم بوجود رئيس الأركان في المشهد، وهو شريكه في الانقلاب، ويقولون إنه الأقوى شخصية وحضوراً، ولن يمكنه من أن يفوز بالمنصبين.. وربما يبحث السيسي طيلة هذا الوقت عن خطة، تمكنه من ألا يكون ترشحه قفزة في الهواء، وقد يقع علي جذوع رقبته، فلا يجد من يقول " بسم الله الرحمن الرحيم"!.

أنثروبولوجيا يوجد في بعض المجتمعات البدائية، من يعتقدون في أن وقوع إنسان على الأرض يكون دافعاً لأن تركبه العفاريت ما لم يتم الإسراع في البسملة عليه.. ومن قبل قال الشيخ محمد الغزالي أن هناك من جاء إليه في وقت القيلولة فاستقبله على مضض، فلما سأله: ما بك؟.. أجاب: عفريت يركبني. فقال له الشيخ: ولماذا لم تركبه أنت؟!.

لا بأس، فقد ذكرنا المتحدث العسكري، بأن السيسي لم يعلن ترشحه إلى الآن، ومع أن المواعيد مقررة علي النحو الوارد في الدستور، فلا يجوز أن يأتي شهر يوليو إلا ويكون قد تم الانتهاء من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.. لكن السيسي يفكر ويفكر، وأوقف حال خارطة الطريق التي وضعها حتى يقرر أمره.

اللافت هو أن يتذكر القوم الآن أن الرجل لا يزال في منصبه كوزير للدفاع وبالتالي لا يجوز الحديث عنه كمرشح، لأن في هذا إساءة ليس له فقط ولكن للمؤسسة ككل، فقد جاء في البيان: "أن استخدام اسم المشير السيسي في حملات دعائية غير رسمية أمر يسيء للمؤسسة العسكرية وقادتها".

فهذا هو الجديد في الأمر فالرجل فتح الباب لهذه الإساءة بإرسال رسائل بأنه مرشح رئاسي، ويفكر في الترشيح، وهو من قال أنه سيترشح في حال تأييد الشعب وتفويض المؤسسة العسكرية له، علي نحو أقحم هذه المؤسسة في عمل حزبي بامتياز، وانتقل بها لأن تكون حزباً سياسياً يرشح ويفوض بالترشيح.

في يوم 25 يناير الماضي، وبمناسبة الاحتفال بعيد الثورة المجيدة، رُفعت صور الفريق السيسي في ميدان التحرير، وسط زفة بلدي، كانت حفلات راقصة. وفي الواقع أن كل مناسبات القوم شهدت وصلات رقص معتبرة، ولأول مرة في تاريخ "أم الدنيا" يتم الاحتفال بالاستفتاءات بهز الوسط، ولم أكن أعلم أنهم يدشنون لمرحلة جديدة في تاريخ البلاد، هي المرحلة التي تصبح فيها "اللوذعية" فيفي عبده، هي الأم المثالية!.

ثم اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقرر التضحية بوجود السيسي على رأسه من أجل مصر، فتم منحه تفويضاً بالترشح، وعلي طريقة العبارة المحفوظة في الدراما المصرية، عندما يخرج الطبيب من غرفة العمليات مرهقاً ومطأطئ الرأس.. لقد قررنا أن نضحي بالجنين من أجل الحفاظ علي صحة الأم. وهي العبارة التي يمكن أن تتطور الآن لتصبح: لقد قررنا التضحية بالجنين وبالأم من أجل راحة الأب.

ضور الجماهيري المبايع حاشداً، ولم يكن التفويض محدداً وواضحاً، لكن من الواضح أن هذه هي البيعة التي طلبها، والتفويض الذي كان يريد، لأنه في وقت لاحق وعندما هتف الهاتفون يطالبونه بإعلان موقفه من الترشح، قال ما معناه لا يمكن لإنسان عاقل رشيد أن يطالبه الشعب بشيء فيعطي له ظهره. 

والهتاف كان بطريقة ذكرتنا بما درج عليه في عهد حسني مبارك في السنوات الأخيرة في كل عيد للعمال، فينته من خطابه، وقد نسي إعلان المنحة المقررة سنوياً بهذه المناسبة، فيهتف الهاتفون بهتاف لم يتغير: المنحة يا ريس.. وفي كل مرة يكون رد فعله واحداً، ويقرر المنحة وسط تصفيق الجماهير التي تقوم بدور من نزلت عليهم مائدة من السماء.

لم يكن مبارك ممثلاً موهوباً، ولهذه تحول رد فعله السنوي الذي لم يتغير إلى مبرر للسخرية منه، فتجاربه في التمثيل تفيد أنه يجيد الأدوار الصامتة. وقد ظهر صامتاً مع إسماعيل ياسين، وربما في أعمال أخرى.

المهم، أن السيسي كان طوال الوقت يتحدث عن الترشيح تصريحاً وتلميحاً، وهو في منصبه، ولا أفهم معنى أن تكون في استخدام اسمه في حملات دعائية ما يسيء للمؤسسة العسكرية وقادتها.

ولعل أسئلة تتدافع لتطرح نفسها والحال كذلك: هل كان القوم مغمياً عليهم وصور السيسي المرشح في كل مكان؟.. لماذا لم يتم إنزالها إذا كان فيها ما يسيء للمؤسسة العسكرية وقادتها؟ ولماذا لم يعاقب من ارتكب هذه الفعلة الشنعاء؟ وبنص الدستور يجوز إحالتهم للقضاء العسكري، وهم الذين أساءوا للمؤسسة العسكرية وقادتها؟.. لاسيما وأن فريق الحملة غير الرسمية، معروف بالاسم والرسم؟!

لقد استيقظت القاهرة ذات صباح علي لافتة ضخمة تحمل صورة للسيسي المرشح في واحد من أهم شوارع القاهرة، وهو شارع 26 يوليو، عند تقاطع شارع أهم هو شارع رمسيس، وأمام مبني تاريخي هو دار القضاء العالي، وفي مواجهتها كانت ترابط سيارة شرطة لا تبارح المكان، وورديات من الضباط والجنود لحراستها، لأنهم يعلمون أنهم لو غابوا عن حمايتها لمزقها الناس، كرها فيه، وبدوافع الاستفزاز، لأنها من حيث الضخامة والموقع باعثة على الاستفزاز والاشمئزاز!.

وبعيداً عن هذه الدعاية الفجة، فهناك دعاية أكثر فجاجة عندما تم تزييف بطاقة شخصية لعبد الفتاح السيسي وقد وضعت في خانة المهنة: بطل مصر، و تباع في الشوارع وسط هتاف الباعة الجائلين: "بطل مصر بجنيه".. فكانت دعاية في دلالتها تحمل إساءة منقطعة النظير، أعجبت القوم من حيث الشكل لكن التطرق للدلالة التي فهمها رجل الشارع العادي، لم تصلهم.. عندما يكون " بطل مصر بجنيه" فقط لا غير.

المدهش في بيان المجلس العسكري هو ما جاء فيه من أن ترشح عبد الفتاح السيسي قرار شخصي.

الآن وبعد كل هذه المهرجانات، والرقص علي واحدة ونص، وعلي إيقاع أغنية: "العنب"، وطلب تفويض الجيش، يصبح قرار ترشحه شخصياً؟

لقد عشنا وشفنا " بطل مصر بجنيه".. كما عشنا وشفنا أن ترشح عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية قرار شخصي.

ما هو المبرر لكل ما جرى إذن؟!.