بورتريه

بورتريه.. رجل واشنطن المريض

بورتريه اوباما

يبدو الرئيس الأميركي باراك أوباما كعصفور بلله المطر، أو هو كطائر نتفت الصقور ريشه.

يقول متابعون لكل ما يصدر عنه بأن أكثر اسم يردده في خطاباته بعد اسم الولايات المتحدة الأمريكية هو اسم روسيا إلى جانب الصين وكوريا الشمالية.

وضعته الأزمة في أوكرانيا في الزاوية الضيقة، وبدا كما لو كان رجلا لا حول له ولا قوة، مكتفيا بالقول أن "روسيا ستدرك في النهاية أنها لن تحقق أهدافها بالقوة الغاشمة" مهددا بأن روسيا "ستدفع الثمن"، وهو كلام يشبه في صياغته ما يقوله العرب في خطاباتهم اتجاه "إسرائيل". فالتأثير الوحيد الذي تركه كلامه لدى بوتين أنه أعلن عن اتحاد مع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وكانت قازاخستان وروسيا البيضاء البداية.

يجد أوباما -الذي تفادى التورط في أزمات عالمية قدر المستطاع وركز على الشوؤن الداخلية- نفسه الآن وسط أخطر مواجهة بين الشرق والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة. كما أن الحرب في سوريا تنزلق بالمنطقة نحو الفوضى الشاملة ليطال شرارها دول الجوار، فيما تبدو إيران كدولة استراتيجية تفكر وتتصرف وفقا لحسابات دقيقة، وعلى مرمى حجر لا يبدو ثمة أمل بتسوية سياسية مقبلة للملف الفلسطيني، فيما تتجه مصر نحو حرب استقطاب داخلية كبيرة دون أي أفق للمصالحة الوطنية.

وأمام جميع هذه الملفات يقف أوباما كقشة في مهب الريح.

لم تعد قدراته الخطابية واستعاراته الكلامية تفيد كثيرا في الحفاظ على شعبيته داخل وخارج الولايات المتحدة الأميركية.

كانت سمرته عاملا ساعد على وصوله إلى منصب رئاسة الدولة، وأيضا في نقمة الكثيرين عليه، ففي تشرين الأول/ أكتوبر عام 2008 ألقي القبض على شخصين من "النازيين الجدد" من المتطرفين البيض كانا يخططان لاغتياله بولاية تينيسي الجنوبية باعتباره أول أمريكي من أصول أفريقية (التعبير شائع في الإعلام) يترشح لمنصب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة.

وأعاد ترشحه لمنصب الرئاسة الأمريكية إحياء مفهوم "العنصرية الخفية" إلى الواجهة، وهو المفهوم الذي يستند إلى نظرية قدمها باحثان عام 1986، تفترض وجود نوع خفي من العنصرية يظهر بصورة غير واعية لدى الأشخاص الذين يعلنون التزامهم بقيم المساواة.

جاءته البشرة السمراء من والده الكيني المسلم الذي كان يدرس اللغة الروسية في جامعة هاواي عام 1960 من خلال منحة دراسية، وهناك تعرف على والدته الإنجليزية الأصل، ولد أوباما في هونولولو بهاواي في آب/ أغسطس عام 1961، وانفصل والداه عندما كان عمره عامين، وتطلقا في عام 1964، ليعود والد أوباما إلى كينيا بعد أن رأى ابنه مرة أخيره قبل أن يموت في حادث سيارة عام 1982.

بعد طلاقها تزوجت والدته من الطالب الإندونيسي لولو ستورو الذي كان يدرس بالكلية في هاواي. وعندما تولى سوهارتو حكم إندونيسيا قام باستدعاء جميع الطلاب الذين يدرسون في الخارج لإندونيسيا، وانتقلت الأسرة إلى هناك. ليلتحق أوباما بالمدارس المحلية في جاكرتا، عاد بعدها إلى هونولولو للعيش مع جدته، ثم مع والدته التي عادت إلى هاواي وتوفيت فيها عام 1995 بسرطان المبيض.

وقد أشار إلى ما يتذكره عن مرحلة الطفولة المبكرة قائلا: "إن والدي لم يبدُ أبداً مثل الناس من حولي حيث أنه كان شديد السواد، ووالدتي بيضاء كالحليب ولكن لم يُثر ذلك انتباهي ولم يسجله ذهني".

في أعقاب انتهائه من المدرسة الثانوية انتقل إلى لوس أنجلوس في عام 1979 للالتحاق بكلية اوكسيدنتال، وفي عام 1981 انتقل إلى جامعة كولومبيا في نيويورك حيث تخصص في العلوم السياسية مع تخصص في العلاقات الدولية، وحصل على البكالوريوس عام 1983. بعد أربع سنوات في مدينة نيويورك انتقل إلى شيكاغو، ليعمل في أكثر من مجال.

التحق أوباما بكلية الحقوق بجامعة هارفارد أواخر عام 1988، وتم اختياره كرئيس تحرير لمجلة القانون في جامعة هارفارد قبل نهاية السنة الأولى من دراسته، وخلال الصيف عاد إلى شيكاغو وعمل كمتدرب في أكثر من شركة وبعد تخرجه بتقدير جيد من جامعة هارفارد في عام 1991 عاد مرة أخرى إلى شيكاغو، ولفتت إدارته في عام 1992 لمشروع التصويت بإلينوي انتباه شركة كرين بشيكاغو التي وضعته ضمن قائمة من هم "أقل من أربعين" وقد يحتلون مناصب قيادية.

كان هدفه دائما الوصول إلى المؤسسات المنتخبة فبعد أن عمل كأستاذ للقانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة شيكاغو بين عامي 1992 و 1996، ثم محام استشاري بين عامي 1996 و 2004، انتخب في عضوية مجلس الشيوخ إلينوي، وما لبث في عام 2004 أن استقال من منصبه في مجلس الشيوخ بإلينوي عقب انتخابه لمجلس الشيوخ.

سرعة تقدمه هذه جعلت منه نجما صاعدا بين ليلة وضحاها في الحزب الديمقراطي، وبدأت التكهنات حول مستقبله الرئاسي تتصاعد.

وضمن سياق تقدمه الصاروخي أعلن عن ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة من أمام مبنى الولاية الرئيسي القديم في سبرينغفيلد، إلينوي، واعتبر اختيار موقع الإعلان رمزيا لأنه المكان الذي قام الرئيس الأمريكي أبراهام لينكون بإلقاء خطابه التاريخي "البيت المنقسم" فيه عام 1858. وطوال فترة الحملة الانتخابية أكد أنه ينوي إنهاء بعض القضايا بسرعة مثل إنهاء الحرب على العراق، وزيادة استقلال الطاقة، وتوفير الرعاية الصحية الشاملة. 

وفاز في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2008 بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ليكون بذلك أول أمريكي من أصول أفريقية يتولى هذا المنصب (الوصف كما تداولته وسائل الإعلام).

خلال حملته الانتخابية افتتحت مدونة باللغة العبرية، للتصدي لصورته المعادية لـ"إسرائيل" والتي أضرت به خلال حملته، وفي خطاب له أمام منظمة "أيباك" المؤيدة لـ"إسرائيل" صرح أن "القدس ستبقى عاصمة إسرائيل ويجب أن تبقى موحدة". وفي حديث لاحق في شبكة "سي إن إن" سئل حول حق الفلسطينيين في المطالبة بالقدس في المستقبل فأجاب أن هذا الأمر متروك للتفاوض بين طرفي الصراع إلا أنه عاد وأكد حق "إسرائيل المشروع" في هذه المدينة.

في الأيام الأولى لرئاسته قام بإصدار أوامر لوضع خطط لسحب القوات من العراق، وأمر بإغلاق معتقل "جوانتانامو" في أقرب وقت ممكن وفي موعد لا يتجاوز كانون الثاني/ يناير عام 2010. 

ومباشرة بعد تسلمه سلطاته ضربت العالم أزمة اقتصادية خانقة فوقع في عام 2009 على قانون لإنعاش وإعادة الاستثمار والذي وصلت ميزانيته إلى 787 مليار دولار وذلك لتحفيز الاقتصاد ولمساعدة الاقتصاد على التعافي من تفاقم الكساد العالمي. واتخذ المزيد من الخطوات لمعالجة الأزمة المالية وشراء الأصول العقارية التي انخفضت والتي بثقلها أثرت على قيمة الأسهم بالسلب مما أدى إلى تجميد سوق الائتمان وتأخير الانتعاش الاقتصادي. كما تدخل في إنقاذ صناعة السيارات المتعثرة.

وحاول أوباما التقارب مع العالم العربي فقام بإجراء أول مقابلة تلفزيونية كرئيس لقناة "العربية" وكان ينظر إليها على أنها محاولة للوصول إلى الزعماء العرب، كما ألقى في حزيران/ يونيو عام 2009 خطابا في جامعة القاهرة بمصر دعا فيه إلى بداية جديدة في العلاقات بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة وتعزيز السلام في الشرق الأوسط.

في الوقت ذاته لم ينس دائما طمأنة الأمريكيين على مسيحيته، ففي كتابه جرأة الأمل كتب إنه لم ينشأ في أسرة متدينة، وقد وصف والدته التي تمت تنشئتها من قبل والدين غير متدينين أنها "كانت بمعزل عن الدين، ولكن أكثر روحيه ويقظة في نواح عديدة من أي شخص قد أكون عرفته". ووصف والده بأنه نشأ مسلماً، لكنه بالتأكيد كان ملحداً عندما التقى بوالدته، ويرى زوج أمه إنه كان رجلاً لم يكن الدين يفيده بشكل خاص، وقال إنه تعمد في كنيسة الثالوث المسيح المتحدة في عام 1988 وكان عضوا نشطا فيها لعقدين، وقد استقال من الثالوث خلال حملة الانتخابات الرئاسية بعد التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها القس جيريميا رايت علنا.

في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2009 حاز على جائزة نوبل للسلام وذلك "نظير مجهوداته في تقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب". 

ويشبه الباحث جوناثان التر، أوباما الذي فاز بولاية رئاسية ثانية عام 2013، بـ"قدر طبخ" من نوع "تيفال" الذي لا يلصق به الطعام عند طبخه. ويعزو التر هذا التشبيه بالقول: "منذ دخوله البيت الأبيض، لم يحدث أن وقع خصوم الرئيس الأميركي، على الرغم من محاولاتهم الحثيثة، على أي فضائح تذكر بحقه، فلا عشيقات لدى أوباما، وليس هناك مستشارون غارقون في الفساد مثلما في زمن جورج بوش الابن".

سياسته الخارجية الهشة بدأت تثير مخاوف حلفائه في العالم العربي وفي العالم، وتبدو جولته الحالية مهمة مستحيلة لتثبيت صورة أميركا المهتزة في عيون حلفائها.

وهي جولة تقوم على سياسة خارجية تهدف لـ"أمن إسرائيل" و محاربة "التطرف والإرهاب " في المنطقة وهذا ما خرجت به القمة العربية في الكويت التي أسهبت في الحديث عن "السلام" و"الإرهاب" فهل مهدت القمة الطريق أمام أوباما لقول ما يريد للحلفاء القلقين دون إحراج؟