مقالات مختارة

من يملك أوراق الفوز؟

1300x600
كتب مصطفى النجار: يروج البعض مع كل استحقاق انتخابي جديد أن مصر تسير للأفضل وأنها ستنعم بالاستقرار الذي يرافق الوقوف أمام صناديق الانتخابات مرة بعد مرة ورغم أن كل التجارب الانتخابية التي أعقبت ثورة يناير لم تحقق هذا الاستقرار المنشود ولم تحل مشكلة مصر إلا أن البعض يصر على اختزال الديمقراطية في صناديق الانتخابات وإجراءاتها الشكلية بشكل منفصل عن الأوضاع العامة التي تحيط هذه العملية الانتخابية التي قد تزيد من تعقد الظروف وإرباك المشهد.

••

على عكس ما توقع أنصار الديمقراطية والدولة المدنية ــ الحقيقيين ــ فى مصر عقب 3 يوليو، ترشح السيد وزير الدفاع لرئاسة الجمهورية بعد حملة تهيئة وحشد وشحن وإقناع للرأي العام جعلت منه المخلص الذي لا بد أن يأتى لإنقاذ مصر مع اللعب باستمرار من قبل المؤيدين على وتر مخاطر الأمن القومى التي تهدد البلاد والتي رأى من دعموا ترشح الرجل والترويج له أنه الوحيد القادر على مواجهتها، حملة التجييش الإعلامي على مدار تسعة شهور أثمرت عن مشهد أحادي يتصدره وزير الدفاع الذي يبدو بلا منافسين قادرين على التغلب عليه انتخابيا خاصة فى ظل نوايا عزوف شريحة كبرى من المعارضين للفترة الماضية من المشاركة في العملية السياسية بالكامل بعد فقدهم للثقة في المسار السياسى الذي تم تأميمه لأصوات الموالاة ومن على شاكلتهم مع التنكيل والإقصاء التام والتشويه المستمر لكل أصوات المعارضة الحقيقية التي تمسكت بقناعاتها فيما يخص قضايا مدنية الدولة والديمقراطية وحقوق الإنسان.

••

المشهد الانتخابي يبدو محسوما والواقع يقول إن وزير الدفاع أصبح رئيسا للجمهورية وأن المسألة صارت مسألة وقت تنتهي فيه إجراءات الانتخابات وخطواتها ليتم تنصيب وزير الدفاع رئيسا للجمهورية، حسنا وماذا بعد؟ كيف سيتعامل أنصار الديمقراطية والمدافعين عن الحريات مع المشهد النهائي الذي لن يستطيع أحد الآن إيقافه خاصة بعد تكون ظهير شعبي لا بأس به وأيضا ظهير سياسي من عدد من المحسوبين على الثورة والمعسكر الديمقراطي لإتمام هذا السيناريو الذى يبشر بفكرة الخلاص ويبالغ في مداعبة أحلام الناس ويرفع توقعاتها لحدود خيالية تبتعد عن الموضوعية والواقعية المؤلمة.

معسكر المتشائمين يرى أن وصول وزير الدفاع لرئاسة الجمهورية هو النهاية لحلم التحول الديمقراطي الذى أعقب ثورة يناير وأن النظام القادم سيكون صورة للنظام القديم بمصالحه وشبكاته وفساده مع فارق تغيير الوجوه وحشد تأييد فئة غير قليلة من الجماهير لتأييده عكس نظام مبارك الذي لم يحظ بهذا التأييد، بينما يري المتفائلون أن ما وصلنا إليه هو حلقة ضمن حلقات التحول الديمقراطي وكسر الأساطير التي تتحلى برفع الشعارات فقط دون وجود مشروع حقيقي ينتشل مصر من أزماتها وأن ما يحدث هو حرق لمراحل وكل هذا يصب فى صالح التحول الديمقراطي وفهم الناس للديمقراطية بعد أن يجربوا المكون الديني والمكون العسكري، وعلى كل حال هناك أزمة حادة للنخبة السياسية في مصر فمع انتهاء انتخابات الرئاسة وبدء المرحلة الجديدة ستنشأ حالة فراغ كبير في المعادلة السياسية بعد سقوط أغلب المحسوبين على القوى المدنية والديمقراطية في تبرير انتهاكات حقوق الإنسان والترويج لترشح وزير الدفاع وغض البصر عن محاولات تضييق المجال العام وخنق الحريات.

••

لن تستطيع وجوه نظام مبارك ملء الفراغ ولن تصدق الجماهير نخبا مدنية ابتعدت عن المبادئ العامة للديمقراطية وشاركت في تدجين وعى الجماهير عن جهل أو عمد، لذلك فالتحدي الأكبر الآن يتمثل في خلق نخبة شابة جديدة لها خطاب سياسي واضح لا تساوم فيه ولا تتنازل عن مقومات الديمقراطية وبديهياتها ولها مشروع متكامل لإدارة الدولة والتعامل مع الأزمات والمشاكل المزمنة لمصر مع ملاحظة أن أولويات التغيير السياسي لن تكون هي أولويات الجماهير في الفترة القادمة بل سينغمس الناس أكثر وأكثر في ظروف حياتهم الصعبة ولن يحتملوا معارك ذات صبغة سياسية جديدة بل سيولون أبصارهم تجاه من يتحدث ويقدم حلولا لمشاكلهم اليومية.

نحن إذن بحاجة إلى خلق بديل ثورى فكري وإصلاحي حركي فى نفس الوقت، الشعارات الثورية التقليدية يجب أن تأخذ مكانا مختلفا فى ترتيب الأولويات ولا يعني هذا التخلي عنها بل يعنى إعادة قراءة الواقع الجديد والتعامل مع معطياته بما يتلاءم معها، مرونة الفعل والتفاعل مع الواقع بما يناسبه ليس نكوصا عن الثورة ولا تنازلا عن أهدافها بل هو تحقيق لهذه الأهداف ولكن في معركة طويلة تحتاج لنفس طويل قد يكون عدة سنوات أو عقد من الزمان ولكنها ستتحقق طالما أن المؤمنين بها يعملون لأجلها.

•••

هناك ثورات لم يتحقق لها التمكين إلا عقب عشر سنوات أو أكثر من حدوثها لأن هناك أجيالا يجب أن تتبدل أو تتغير أفكارها وأجيال أخرى يجب أن تخطئ وتتعلم من أخطائها ثم تنضج وتتصدر وتقود بحيث تصبح السنوات الأولى للثورة هي سنوات الإفاقة وهز الجسد المتيبس لبعث الحياة ثم يحدث التمكين للثورة عقب ترسخ المفاهيم الجديدة والقيم التي أتت بها هذه الثورة وهذا ما سيحدث في مصر حيث إن هناك أجيالا صاعدة تنفست عبق الثورة وعرفت قيمة الحرية وهذه الأجيال ستزيح مع الزمان كل أصحاب العقول المنغلقة والأفكار الشائخة والأحلام المتواضعة والهمم المنخفضة وأعداء التغيير ومدمني التبعية وضحايا السلطة الأبوية وإفرازات الحقب الماضية بتشوهاتها وعقمها الإبداعي.

ما ستدخل مصر فيه عقب تنصيب الرئيس القادم هو بداية لمرحلة جديدة من مراحل التدافع الجيلي وبالحسابات الكمية والنوعية المستقبل وأوراق الفوز المتوافرة لدى أجيال الشباب أكثر من أى طرف آخر بشرط أن يحسن استخدامها ويتعلم من تجاربه السابقة، ورغم كل شىء يؤلمنا فإن غدا أفضل.

(عن صحيفة الشروق 5 نيسان/ أبريل 2014)