صحافة دولية

تلغراف: سوريون في حلب المدمرة بين قنابل وصناديق

حلب المدمرة حيث قلما تجد الناس في الخارج - أرشيفية
"نصف سوريا ذهبت للانتخابات يوم الثلاثاء ونصفها الآخر قصف بالبراميل المتفجرة"؛ هكذا بدأ ريتشارد سبنسر تقريره الذي أرسله من حلب لصحيفة "ديلي تلغراف". 

ويضيف التقرير: "في جانب من سوريا المنقسمة ذهب السوريون أو أكرهوا على الذهاب لمراكز الاقتراع للتصويت لبشار الأسد، ولكن في حلب التي يسيطر عليها الثوار ذهب محمد عاصم ومحمد عبد الجواد إلى الدكان فقتلتهما قنبلة من قنابل الأسد".

ويشير إلى أن الضحيتين هما من بقايا سكان حلب الذين كان يبلغ عددهم 3 ملايين نسمة، وهؤلاء البقايا يشكلون جيوبا من الناجين من القصف، لا يعرفون أين يذهبون. وكبار السن ليس هناك من يعتني بهم ويقولون إنهم توقعوا أن يكون يوما هادئا، يوم استراحة من القصف الجوي المتواصل الذي يستخدمه النظام لطردهم من مناطقهم.

ولكن الطائرات استمرت في الطيران فوق المدينة، وسمعت أحيانا أصوات الانفجارات الخفيفة لقنابل الضوء على خطوط التماس في الشمال، وأحيانا صوت قصف الطائرات للمناطق المدنية وهدم البيوت.

وعلى باب الحديد في شمال شرق المدينة القديمة، جاءت طائرة هيلوكوبتر أولا، وألقت برميلا متفجرا بجوار جامع الحدادين، محطما أبوابه المزينة ومتسببا بميلان مئذنته بزاوية مخيفة. ثم تبعتها طائرة مقاتلة ألقت بقذيفة على الشقق المجاورة للمسجد. وعندما وصل مراس التلغراف كان الدخان لا يزال منبعثا من البناية المستهدفة، وتم سحب جثتين لرجلين كانا في الدكان الواقع تحت الشقق المستهدفة، وتم التعرف عليهما، ولكن لا أحد يعرف عنهما الكثير أو عائلاتهم، حيث تشرد الأطفال والزوجات والآباء والأمهات في شمال سوريا بحثا عن الأمن في مخيمات اللاجئين أو التسول في شوارع المدن التركية أو اللبنانية أو العيش مع أقرباء للعائلة.

بعض الرجال بقوا في أعمالهم في حلب وفي نهاية الأسبوع يقطعون الحدود لزيارة عوائلهم والاطمئنان عليهم.

وعلى بعد ميلين وفي منطقة الشعر كان عمر حواتيمي ضحية محظوظا وغير محظوظ، فعندما ألقي برميل متفجر هو عبارة عن حاوية قمامة معدنية محشوة بالمتفجرات في اليوم السابق ليوم الانتخابات كان حواتيمي يغلق باب البقالة التي كان يعمل فيها هو وزميل له، وجاءهم زبون أخير فدخل زميله معه البقالة، وهذا آخر ما يتذكره حواتيمي قبل أن يصحوا في المستشفى، عدا ذاكرة خفيفة لصوت شخص يصيح "اسحبوه .. اسحبوه".

قتل الزبون مباشرة، وزميله الذي كان يقف بجانبه لم يصب بأذى وأصيب حواتيمي ببطنة بشظايا كثيرة، واضطر الأطباء لاستئصال إحدى كليتيه. 

وقتل أكثر من 2000 مدني، منهم 600 طفل منذ أن بدأ النظام بحملة قصف مركزة لمناطق حلب المدنية في تشرين ثاني/ نوفمبر، والمفترض أن يكون الهدف هو إخراج السكان قبل هجوم بري نهائي.

ويحاول النظام، وينجح ببطء في محاصرة المدينة، فكلما كانت المدينة فارغة أكثر يصبح من الأسهل والأقل إحراجا أمام العالم أن يقصف المدينة حتى تذعن كما حدث في حمص.

وهذا يتسبب بمشهد من البنايات السكنية التي طارت واجهتها الأمامية وبنايات بالقرب من مركز المدينة هدمت تماما كالأسنان المخلوعة، حيث تجد فراغات مفاجئة، وبنايات مدمرة، ولكن جدرانها لم تسقط تماما بل بقيت مائلة ترتكز على بعضها البعض شبه بيت مبني من ورق اللعب عندما يسقط، كما حصل في البناية التي نجا حواتيمي من تحتها. 
 
وفشل متطوعو الدفاع المدني في إخراج جثث كل الضحايا الخمس عشرة، فلا يزال جثمان رجل تحت كومة كبيرة من الأنقاض في قاع المكان بحسب صاحب دكان الحلاقة المقابل. وقال إن أختان عمرهما 12 و13 سنة كانتا تجلسان في المساء على شرفة منزلهما في الطابق الثاث في المساء لم يعثر عليهما أيضا، ويأتي أبوهما يوميا ليحاول الحفر ولكنه لم يستطع الوصول إليهما ولا تزال كراسيهما ظاهرة وقدميهما تخرج من بين قطع الإسمنت. 

ويضيف الحلاق محمد أبو محمد أن الهجوم الذي قتلت فيه الطفلتان وقع في الساعة التاسعة والنصف مساء. وكان أبومحمد محظوظا أيضا حيث يقول: "كانت الكهرباء مقطوعة، وفجأة رجعت الكهرباء فقررنا الذهاب للبيت لمشاهدة التفاز".  وبعيد مغادرته هو وأخوه للمكان سمعا صوت البرميل المتفجر وأحسا بالتفريغ الهوائي الذي يحدثه وامتلأ الجو بصوت كهدير الرعد وارتفع الغبار بحسب وصف أبو محمد. وكان لا يزال الغبار يملأ لحيته القصيرة.
 
ولا شك أن الأسد سيكسب الانتخابات بغالبية كبيرة، ولكن ربما تكون أقل من الـ 99% التي فاز بها في استفتاء عام 2007، ولكن لا يصوت الشعب في هذه الانتخابات على مستقبله فلو كان هناك خيار (سلام) على ورقة الاقتراع لاختاره الناس ولو كان هناك خيارة (نهاية الفوضى والتعذيب والجهادية والقصف) لاختاره الناس أيضا. 

ولكن الخيار الوحيد قد تم اختياره لهم، سواء من يعيش تحت حكم النظام ويخرج لاختيار الأسد، أو يعيش في تحت سيطرة الثوار بدون صوت بينما يصول المقاتلون المتحذلقون التابعون لثورة دنست بملابسهم الرثة على شاحناتهم ويجولون.  

ولمن تصوت ليست القضية، بل لماذا تجرى الانتخابات أصلا، فالسيد حواتيمي الذي يتعافي من فقدان كليته سعيد بأنه ليس مضطرا للتصويت كما حصل معه عام 1999، عندما كان في الخدمة العسكرية وكان مضطرا للتصويت لحافظ الأسد. ويقول: "كل هذا كلام فارغ طبعا ولا أدري ماذا يأمل بشار أن يحقق ببراميله المتفجرة كما أنني لا أدري ما يأمل أن يحقق بالانتخابات". 

إنه سؤال مفهوم، ولكن له جواب واضح أيضا، فمؤيدو الأسد يأملون أنه إن استطاع أن يفي بوعده بإجراء انتخابات، فقد يستطيع الوفاء بوعده بكسب المعركة، أما كيف يمكن أن يتحقق السلام بعد ذلك فتلك مسألة أخرى.