كتاب عربي 21

شطرنج الرئاسية في تونس 2014

1300x600
 من يكون الرئيس القادم؟ 

أفتقد إلى معلومات دقيقة من داخل  مطابخ الأحزاب بما يجعل تحليلي ضربا من التوقع لكن السؤال الآن في تونس رغم محاولات العبث بالمسار الانتقالي هو من يكون الرئيس القادم ؟ 

الطامعون في القصر كثر لكن منهم من سيكون مجرد  ازعاج في الصورة  مثل محمد الحامدي و حمة الهمامي فحظوظ الكثيرين لن تختلف عن الصياد المنكود الحظ. لكن هناك "زعماء تاريخيون" يزعمون تملك ماض نضالي وسياسي يعلنون به حقا  في قصر قرطاج ومنهم مصطفي بن جعفر  والباجي قائد السبسي وأحمد نجيب الشابي. وهؤلاء  يلعبون أوراقا مختلفة  ليست كلها محلية ووطنية لكن عيونهم جميعا على أكبر كتلتين ناخبين وهما كتلة النهضة المنضبطة حزبيا وكتلة التجمع القديم الموتورة بفعل خساراتها المتلاحقة منذ الثورة  التي ينكرون أنها ثورة. والجميع يسبل عينيه للكتلتين وأيهما قبلت به تقدم له القصر ملكا حلالا. 

 أحمد نجيب الشابي: الرجل الذي يفرط في تقدير رصيده. 

 الشابي زعيم تاريخي للمعارضة  قبل الثورة ولسان دفاع المعارضين تحت الدكتاتورية وكثيرون يقرون له بالجميل لكن ظهوره بعد الثورة لم يكن في صف الثورة بل اتسم بالرقص على حبال مصلحته الشخصية مما أفقده كل الرصيد النضالي وكان ظهوره التلفزي ليلة 26 ماي مع سمير الوافي في التونسية  تبريريا بما يبين أنه لم يقرأ تجربته بعد الثورة ولم ينقدها بما يكفي ليقر بأنه قد خسر الكثير من رصيد الزعيم التاريخي وبقي له مواصلة المقامرة. وليس له من ورقة  إلا احتمال تحالف كبير مع النهضة فيكون مرشحها مقابل منحها سلطات واسعة في الحكومة بحيث يكون اتفاق جنتلمان (على قاعدة كف الأذى ما بعد الفوز ودفن الضغائن) قاعدة النهضة المنضبطة لقيادتها تصعده رئيسا مقابل حكومة نهضاوية حرة من ضغط الرئيس.  وهذا التحالف يجعله رئيسا تحت ضغط الحليف الماسك بالشارع  ولكن هل يغيب عن النهضة  احتمالات الغدر الذي مارسه الشابي دوما في المتر الأخير  من المنصب. فهو سيكون برئيس بسلطة واسعة على المؤسسة العسكرية  والدبلوماسية بما يمكنه أن يقص أجنحة الحزب الذي أوصله للسلطة خاصة وقد تكلم عن طمعه في مدة واحدة لا يحتاج بعدها إلى الحليف من جديد. فضلا عن إمكان تغيير تحالفه  مع الاتحاد النقابي اليساري بعد الفوز بما يجعل النهضة (تعوم في الناشف) بعد حلف تسلم فيه رقبتها لخصم تعرف قصر نظره وجربته فلم يتخل عن ضغائنه الشخصية خاصة وهو يصر بعد أن النهضة اسقطت حكومته (حكومة محمد الغنوشي التي راهن بها على الرئاسة دون مزية النهضة).

مصطفى بن جعفر: الطبيب الاشتراكية الدولية المصاب بأصوله الحضرية

 لا يبدو الرجل مشغوفا بحب النهضة ويرفع دوما من رصيده الأجنبي فعلاقته بالاشتراكية الدولية هي ورقته الرابحة أو كانت كذلك قبل سيطرة اليمين على أقوى الدول الاوربية (فرنسا وألمانيا) وفي المسار الانتقالي تتذكر النهضة أنه طعنها طعنة نجلاء  بتعليق أعمال المجلس التأسيسي في فترة حرجة فكسر ظهرها في فترة كانت فيها في حاجة إلى سند وحليف فتخلى عنها محاولا التربح من الصف المقابل ولم يكن وزراء حزبه في الترويكا متعاونين طبقا لشروط الحلف الثلاثي بل خدموا مصلحة حزبهم و استقطبوا من النظام  القديم خاصة من المعتمدين بل فرض الحزب وجوها تجمعية  حاربت النهضة وهي شريكة معها في إدارة المرحلة مثل كاتب الدولة للخارجية (العبدولي) وحتى إذا كان بن جعفر واصل العمل وحرص على الدستور  فلكي يسجله في تاريخه بعد أن وضع الآخرين (أعداء النهضة) على سرج المرحلة  ومكن لهم من رقبتها. يحافظ بن جعفر على علاقة  طيبة مع رئيس النهضة لكن قواعدها(كتلة الاصوات موضوع الرهان)  لن تغفر له ما فعل بهم ذات صيف(كما انه ليس مرغوبا من الكتلة التجمعية التي لديها خيارها) لذلك فانه يبحث الآن عن حلول خارجية ربما يكون عرض نفسه على الامريكان في آخر زيارة لهم ولكن لم يرشح من ذلك أي نبأ  يفيد بأنه يملك ورقة دعم خارجي. وهو يرزح الآن تحت تراجع اليسار الفرنسي لصالح يمين لا يمكن أن يعامله بأكثر من خادم  رخيص. إن حلفاءه في الاشتراكية الدولية يتراجعون  هناك وهو يخسر هنا. ورهانه الأزلى على كتلة الحضر من سكان العاصمة فقط (فلا مكانة له في الساحل أو في صفاقس حيث الكتل تصوت جهويا أولا) كتلة الحضر تراه بعين راضية لكنها ترى غيره ممن يتزعم الدفاع عن حداثة الحضر القائمة بالتجربة ضد كتل الريفيين (الافاقيين) فهي كتلة صغيرة ومشتتة فضلا على أن كثيرين منها لم يغفروا له حل أزمة النهضة عند تشكيل الحكومة(2012) فقد منعها من السقوط في الحكم الفردي وأجل عزلها. وأميل إلى الاعتقاد رغم ذلك إلى  أنه سيلتحق بجماعة الصفر الانتخابي الخارجين من الدور الأول هذا اذا لم يفهمها قبل أن تطير  ويصون لحيته بيده. لقد كان من فضل خروج النهضة من الحكومة أن تحررت النهضة من حليف طماع ركب ظهرها وربح من  قوتها لكنه قفز قبل أن تغرق فلم تغرق حتى الآن   بينما سبح وحده وهو يغرق ككتلة رصاص.

الباجي قائد السبسي خليل ضاحي والغرياني

يظهر الباجي في الصورة  كمرشح مالك لكل  قوته غير الجسدية فالحالة الصحة  نقطة ضعفه التي قد تعصف به قبل الترشح أو تفقده كل سند خارجي (فرنسا بالذات) التي تريد شخصا ببطارية سليمة تدوم لفترة خمس سنوات فهو ليس بوتفليقة المقعد الذي نجح لأن الباجي  لا يملك جيش بوتفليقة ولا نفطه. قوة  الباجي في الحلف المالي  (الخليجي والتجمعي) الذي عقده فهو قادر أكثر من غيره على الانفاق والوعد   وهو يتحلى بأكثر أنماط الخبث السياسي الذي يمكنه من إدارة  حوار مع شياطين السياسة والخروج رابحا. لكن تبدو لديه ورقة  خفية تجعل منه مرشح الحزب القوي  حيث سيمكن للتونسيين اختبار ما راج عن صفقة باريس  بينه وبين  الغنوشي برعاية فرنسية. تلك الصفقة التي ينكر الطرفان ابرامها تجعل من كتلة النهضة تصوت لنفس المرشح مع كتلة التجمع بما يجعل الباجي مرشحا فائزا قبل الانتخابات. 

يبدو أن الباجي يتقدم كمرشح مدعوم من المكتب التنفيذي للنهضة الذي يستولي على ملف الترشيح حيث للغنوشي نفوذ مطلق  وليس من مجلس الشورى غير المتفق على مرشح بعد  ويشقه انقسام لصالح مرشح نهضاوي (الجبالي  أو لعريض) أو المرزوقي من خارج النهضة كحليف صادق لم يغدر في منتصف الطريق. وقد فسر البعض معركة النداء الداخلية ضد الشق اليساري منه كتسبقة على الحساب للنهضة. التي ترغب في عزل اليسار الفرانكفوني الاستئصالي نهائيا والتصالح مع رأس المال التجمعي وهو الوحيد الموجود لقيامة البلد اقتصاديا لتستفيد وتفيد. فهي تتخلص بالباجي الرئيس من عدو طالما  حفر لها لتسقط وتصالح رأس مال جبان  لكنه ضروري ليستمر البلد واقفا . وينسجم ذلك مع عملها على المدى البعيد لبسط نفوذها في انتظار  انكسار الميليشيات القذافية في ليبيا وانكسار السيسي في مصر. كما يبدو هذا  منسجما مع خطها الاصلاحي  المتدرج والقائم على قوتها التنظيمية الراسخة. (يطرح سؤال في السياق  هل يحتفظ الباجي بالسند الفرنسي إذا  تخلص من اليسار الفرنكفوني)

 هل  يأمن  النهضويون قيادة وحزبا لرجل بصلاحيات موسعة حددها الدستور الجديد وهي التي تعرف انه ناصبها العداء منذ سنة 1981 عندما حرف انتخابات ساندتها وناصبها العداء وهي في الحكم حتى اسقطها وهو معارض فكيف وهو رئيس. ان انحيازها للباجي لا يمكن أن يفسر بالقول مصالح دائمة عوض عن مبادئ راسخة وسيطرح السؤال دوما ما الذي يلوي ذراع النهضة لتقبل بالباجي العدو التاريخي. هل لديه عليها ملفات اخلاقية  وسياسية كما يروج منذ مدة ؟ وما طبيعة هذه الملفات وبمن تتعلق تحديدا ؟ وما هي ضماناتها أن لا يتم ابتزازها دوما بهذه الملفات وهي تتقاسم معه السلطة ؟ هل يصدق الملدوغون من جحر التجمع أن الأفعى قد فقدت سمها الزعاف؟ هل سيهضم النهضاوي القاعدي مثل هذا التحالف البعيد المدى ؟  يكمن هنا احتمال كبير لانقسام هذه الكتلة الصماء بما يجعل الباجي يربح مرتين في لعبة واحدة الرئاسة ومعارضة نهضوية ضعيفة.

 الرئيس المنصف المرزوقي؟

يظهر الرئيس المرزوقي في الصورة كمرشح محتمل لم يعلن نواياه بعد والكل يرشحه رغم صمته الجلي. لقد بدأ المرزوقي حملته بهدوء عبر ظهور شعبي متكرر  وقد تبين انه محبوب إلى حد ما والحمامات الجماهيرية العفوية قد بينت له حظوظه (مقارنة ببقية المرشحين) رغم ما قيل عن آدائه السابق ورغم العبث بصورته من قبل الإعلام  المعادي كرجل متخل عن البروتوكول و يفتقد الوسامة والصورة الكاريزمية.

كثير من قواعد النهضة  تميل اليه وخاصة في الجنوب والأرياف فهو رغم كل ما قيل عنه من سوء نحت لنفسه صورة الزعيم الشعبي  البسيط والمتواضع والثوري الذي يظهر أكثر من غيره تمسكا بمبادئ الثورة والدفاع عنها رغم الصلاحيات المحدودة وتبدو المؤسسة العسكرية (دون معلومات طبعا) موالية لقراراته ومنسجمة مع طرحه رغم أن القضاء العسكري قد غدر به في قضايا الشهداء و أطلق سراح قيادات النظام السابق دون حرج منه.

بعض التحليلات تذهب الى انه قد ربح الغرب وخاصة في فرنسا التي لم تجد مرشحها في الشابي وفي الباجي اللذين يعيشان في هامش النهضة أو يتوسلانها بينما يقدم هو صورة الحقوقي المثقف  الصامد الذي يمكن أن يستغني  عن النهضة بقوته الذاتية بما يسمح له بالتحالف بحرية ولكن كيف يكون قريبا من الغرب (الفرنسي) وقريبا من الثورة المعادية في العمق فرنسا (ويطرح خطاب تحرر وطني يروج فقط في الداخل وغير قابل للتسويق في الخارج).

هل يكون المرزوقي مرشح النهضة السري؟ تبدو النهضة حتى اللحظة بدون مرشح ؟ وتلاعب الاخرين بالوعد الجميل فتقدم ورقات الإغراء للجميع بما يجعلهم تحت رحمتها  حتى يدفعوا معها إلى تحقيق الانتخابات وهو شغلها الشاغل ولكن هل هي فعلا بهذه القوة ؟  أم أن الاخرين  يعيشون ضعفا فادحا( الشحيحة البصر في بيت العميان).

من الواضح أن النهضة قد وصلت  وتحت الضغط (انقلاب مصر ثم الإرهاب في الداخل  ثم حفتر وقبلهم قروض البنك الدولي التي حجبت عن حكومتها ) إلى قناعة أن الحكم وحدها  كارثة عليها لذلك تتخلى مرغمة عن تملك كل السلطة وتعلن القسمة قبل بدء اللعب حيث التعادل انتصار باهر، لذلك تعلن الآن تقديم مرشح من خارجها فمن يكون ؟ 

الرئيس القادم خيار غير استئصالي أو لا يكون

 مهما أظهر النهضويون من غباء أو حيلة (قد يسمونها حسن الظن) فإن مرشحا مثل الباجي  أو الشابي أو بن جعفر لا يمكن إلا أن يغدر بها غدرا بينا ويبدأ في تصفيتها في الشهر الموالي لفوزه بدعمها. إن هؤلاء(رباية بورقيبة)  يعرفون أن النهضة التي ستوصلهم للحكم ستستعملهم على هواها باعتبارها صاحبة الفضل وهم ممن لا يقرون بالفضل لأحد ولو كانوا لأقروا به للثورة التي حررتهم من التجمع ومن بن علي ومن الطرابلسية اللصوص المحترفين. مثلهم  لا يحكم ويده تحت معصار النهضة تفرض عليه ما يجب أن يقول ويلبس. أول شرط حكمهم إذا غافلوا النهضة هي كسر السلم الذي صعدوا عليه فهل يغيب هذا عن ذكاء الحركة التي نجت من بحر متلاطم من المكائد طيلة سنوات طويلة؟ 

ولذلك فان خياراتها رغم قوتها المزعومة محدودة  إلا إذا حدثت معجزة في مصر تعيد مسار الربيع العربي إلى قوته . لقد كان المرزوقي حليفا محترما وخاصة مع حكومة لعريض ولحظة الوداع والوسام الأكبر دلت على أن الرجلين انسجما بصدق وتعاونا(على خلاف حمادي الجبالي) بما يمكن أن  يجعل منه مرشح جزء كبير من النهضة وخاصة عمقها الشعبي فمن يعترض على المرزوقي من داخل النهضة ؟ 

الاعتراض عليه يتحجج بالخوف من الجهوية فرئيس من الجنوب (وان لم يقطنه) وحكومة ذات ثقل شعبي جنوبي (قد يقودها لعريض مرة ثانية) قد يعيد مشهد 25 جويلية (اغتيال البراهمي) ويبعد من جديد رأس المالي الجبان الساحلي منه خاصة  وهو الاحتمال الذي لا يمكن الحكم بدونه والذي تخشاه النهضة خشيتها من الغول. (هذه الخشية قد تثني رجلا مثل لعريض رجل الحزب القوي والوفي عن الترشح لأي منصب بما يفتح الباب لمرشح ساحلي  هادئ و يؤلف القلوب المحافظة على بعض تدينها وكثير من مصالحها). 

من الواضح أن النهضة قد حفظت درسها جيدا لن تستعيد   وضعية ما قبل تنازلها وهي تتحدث باستمرار عن توسيع قاعدة السلطة وتعلن تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات مهام انتقالية  بعد لتبث ما يكفي من الأمان حول حكمها. ولذلك تعلن عدم الترشيح من داخلها حتى اللحظة تجنبا لكل احتمال الوقوع في محظور الحكم الفردي القابل للحصار والعزل(بقطع النظر عن عدد المصوتين لها). هل يمكنها التوفيق بين متناقضين جذريين؟ رئيس  يؤمن بالثورة  ولا يستأصلها و رأس مال فاسد  يرفض المحاسبة؟  

لن يكون الرئيس القادم ثوريا يكفي أن لا يكون استئصاليا

معضلة تبدو بلا حل  لذلك فإن المرشح المطلوب يجب أن يحل هذا الإشكال  وسيكون الحل على حساب الثورة  لصالح رأس المال  وهذا هو المسار الطبيعي للانتقال الديمقراطي الذي حل محل مسار التأسيس منذ   أغلق البنك الدولي   حنفية القروض وانتهى  إلى الحوار الوطني وحكومة جمعة التي تبيع ما بين أيديها بما في ذلك التاريخ القديم  لتمر من المرحلة بأخف الأضرار على رأس المال الفاسد فلا تمسه بسوء. من يقوم بذلك  قبل الآخرين هو الذي سيفوز  بالمنصب بعد أن يفوز بدعم النهضة المنضبطة والتي تحول عندها لعب الشطرنج السياسي إلى هواية ...

رهان النهضة الأول هو أن لا تعود إلى وضعية المهدد بالاستئصال لذلك ورغم ما يقال عن قوتها إلا انها لا تملك إلا مسار تنازلات قاسية لصالح النظام القديم ومعولها هو عامل الزمن حيث يمكنها الاستفادة من الحكم المحلي والصعود التدريجي من بعيد على غرار التجربة التركية  التي  ترسخت بالبلديات وقدم فيها الاسلاميون وجه السياسي الجدي والخدوم ولن تعوزهم قراءة محدثة في صلح الحديبية على ان يرتكب الاخرون كما فعلت قريش أخطاء قاتلة تستثمرها في سيرها المتريث.

ستكون النهضة مرة أخرى في وضع المدافع عن مربع وجوده وليس الباني لمشروع اسلام سياسي يحكم دولة مدنية. لقد خرجت من كراساتها القديمة  وهي تكتشف حدود فعلها كحزب مدني  منظم ولكن في سياق لا يقر للصندوق بالشرعية وهذا في حد ذاته استئصال موجه ضدها وموجه أكثر ضد الثورة. لإن ثورية المرزوقي تصبح جنونا في حسابات قيادات النهضة. ونقطة القوة الوحيدة ليدها أنها خرجت من موقعها القديم قبل الآخرين وربما يعطيها ذلك سبقا كبيرا في مراجعة الاطروحات المؤسسة والتقدم برؤية جديدة تبلورها الممارسة والعناد قبل مسلمات النص وفي هذا تبدو غير عجولة على المنصب حتى تستنزف كل الوجوه القديمة وتعد أولادها في الظل .

 الجنون الجميل 

الحلم الجميل هو العودة إلى حالة القصبة 2  رغم الدستور الجديد المؤسس ثم إطلاق حراك بناء ثوري جذري غير مسلح طبعا يغير بالقوة ويفرض مطالب الثورة متسلحا بشارع شبابي لم يفقد أمله في التغيير  هذا الحلم مرهون بعامل خارجي مهم جدا هو سقوط الانقلاب في مصر وانكسار الإرهاب في ليبيا. هذا الحلم يحققه مرشح شعبي يتقدم للناس ببرنامج شجاع معتمدا على صلاحيات موسعة في الدستور. وسيكون أمامه أن يعلن الصدق والانتماء دون الحاجة إلى دعم النهضة ودون الاعتماد على رأس المال  الفاسد. هذا المرشح سيكون الرئيس  ولو بعد حين (لن نمل من تكرار أن الثورة مسار وليست محطة).

ليس هذه رغبة في إعادة انتاج الزعيم الفذ الباني  (المجاهد الاكبر) ولكن على انقاض زعامات قصيرة النفس وضعيفة النفوس  وطالبة سلطة لأنفسها بفردانية فجة يمكن لبعض الكاريزما أن تجد مكانا مريحا.

من سيكون ؟  لمن سنعطي صوتنا ؟ سيكون أمام الناخب الجاهل بالكواليس أن يطاوع فطرته وبوصلته الثورية  وإن فرط فيهما فعليه أن يتوقف عن البكاء السخيف بأن الأحزاب غدرت به. إن صندوق الاقتراع سلاح فتاك  ضد النظام القديم وضد من يحاول استنساخه بأخف الأضرار. وما مقاطعة المصريين لانتخابات السيسي إلا عينة يمكن تعميم نتائجها وفي هذه اللحظة التاريخية على من لا يبصر بفطرته السوية ويقرأ كما قرأ الفلاح المصري مشروع السيسي أن يتحمل حكم العصابات الفاسدة لأنه لم يرغب أن يتعلم في سياق ثورة  لم تضطره إلى تكبد السلاح  بل طلبت منه فقط وعيا سياسيا ذكيا في لحظته.