مقالات مختارة

لتبدأ مصر بنفسها

1300x600
كتب فهمي هويدي: من أخبار الصفحة الأولى لجريدة «الحياة» اللندنية أمس أن مصر اقترحت عقد مؤتمر لأطراف الأزمة العراقية. وهو ما أشار إليه بيان رسمي صدر عن زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لبغداد تحدث عن أهمية عقد ذلك المؤتمر «لإعادة اللحمة الوطنية والوفاق بين أبناء الشعب العراقي لمواجهة التهديدات الخطيرة لأمنه ووحدة أراضيه».

وكان الوزير المصري سامح شكري قد وصل إلى العاصمة العراقية يوم الجمعة، والتقى رئيس الوزراء نوري المالكي ونائبه المكلف بمهام وزارة الخارجية حسين الشهرستاني. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يثار فيها دور مصر في مصالحة الدول الشقيقة، لأن وزير الخارجية عرض نفس الفكرة بخصوص ليبيا في الحوار الذي نشرته له صحيفة الأهرام يوم الجمعة 11/7.

حدث الدور المصري لاستعادة اللحمة الوطنية لدى الأقطار الشقيقة، الأمر الذي يدعوني إلى اقتراح القيام بنفس الدور وتجربة الوصفة في مصر. ليس فقط لأهميته في تحقيق الاستقرار وتوفير ظروف أفضل للانطلاق نحو المستقبل، ولكن أيضا لتقديم نموذج عملي يقنع الدول المجاورة بأهمية وجدوى تماسك اللحمة الوطنية وتحقيق الوفاق بين أبناء الوطن الواحد.

إن مصر المنقسمة والمنشغلة بحربها الأهلية الداخلية منذ عام تقريبا لن تستطيع أن تؤدي الدور العربي الذي تطمح إليه وبيتها من زجاج. ولا أعرف ماذا سيكون رد الأطراف الأخرى الذين يتلقون رسالتها، لكنني لا أشك في أنهم لن يأخذوا نصائحها على محمل الجد، وربما تندروا بينهم وبين أنفسهم وقالوا: لماذا لا تبدأ مصر بنفسها قبل أن تعظنا في أهمية الوفاق وضرورة استعادة اللحمة الوطنية.

أدري أن البعض في مصر ينقلون دفن رؤوسهم في الرمال، وإنكار وجود الأزمة أو حدوث الانقسام. في حين أن العالم المحيط بنا لا يتحدث إلا عن مصر المنقسمة، صحيح أن أغلب الدول المحيطة قبلت بالوضع المستجد ولم تتردد في إقامة علاقات طبيعية معه، إلا أن ذلك لم يغير كثيرا من رؤية المنظمات الدولية والحقوقية، فضلا عن الطبقة السياسية، سواء في الاتحاد الأوروبي أو الويلات المتحدة للشروخ التي تعتري الوضع السياسي في مصر، وأبرزها افتقاده إلى الوئام والوفاق.

مشكلة الإنكار هذه ليست مقصورة على دوائر القرار السياسي، ولكن الغريب في الأمر أنها ملحوظة أيضا في محيط النخبة ودوائر المثقفين المهيمنين على منابر الخطاب العام، وقد أصبح هؤلاء مشاركين في التعبئة والتحريض وتعميق الانقسام. صحيح أن ثمة انتباها ويقظة مشهودة لخطورة استمرار الإنكار، وأن هناك درجات متفاوتة من الإفاقة والإدراك لمقتضيات المصلحة الوطنية لدى بعض عناصر النخبة، إلا أن هؤلاء يظلون أفرادا يغردون خارج السرب ولم يشكلوا تيارا بعينه، لأن أغلب منابر التعبير ومواقعه لا تزال حكرا على دعاة الإنكار الحريصين على استمرار الانقسام.

أذكِّر في هذا الصدد بنتائج استطلاع مركز «بيو» الأمريكي للدراسات التي أعلنت في شهر مايو الماضي. وكانت كاشفة لمدى انقسام الرأي في مصر حول العديد من العناوين والملفات الأمر الذي يقدم صورة للواقع المصري مختلفة تماما عن تلك التي تروج لها الأبواق والمنابر الإعلامية في مصر، ولولا أن المركز يتمتع بسمعة عالمية شهدت لباحثيه بالرصانة والصدقية في الرصد والتنبؤ، كما استوقفتنا النتائج التي توصل إليها، وكنت قد أشرت في مقام سابق إلى النتائج التي توصل إليها، إلا أنني أجد أن استحضارها في السياق الذي نحن بصدده له أهميته، لأنها تسلط ضوءا قويا على جانب من الأزمة يحرص كثيرون على تجاهله، لأنه يدحض دعاواهم.

لقد ذكر خبراء المركز أن مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي 54% في مصر، وأن 56% ينظرون إلى دور الجيش بشكل إيجابي في حين أن 41% اعتبروا دوره إيجابيا، ذكر الاستطلاع أيضا أن 54% يؤيدون عزل الجيش للدكتور محمد مرسي و43% يرفضون ما قام به الجيش. بيّن أيضا أن 63% ينظرون إلى الإخوان نظرة سلبية، في حين أن 37% ينظرون إليهم نظرة إيجابية ــ من الملاحظات المهمة التي أوردها الباحثون أن 56% من العينة يحتفظون بنظرة إيجابية إلى الجيش، مقابل 73% في عام 2013، الأمر الذي يعني أن ثمة تراجعا في النظر بنسبة 17%.

رغم أن هذه النتائج ليست قرآنا منزلا، ولكنها قابلة للمناقشة، إلا أن أهم ما فيها أنها تبرز حقيقة التباينات الموجودة في المجتمع المصري، وترد مزاعم دعاة الإنكار الذين يروجون لفكرة الإجماع الشعبي في المواقف إزاء مختلف عناوين الشأن الداخلي. بالتالي فهي شهادة تثبت أن ذلك ليس صحيحا، وأن مصر بحاجة لاستعادة اللحمة الوطنية، من خلال مؤتمر تمثل فيه أطراف الأزمة بصرف النظر عما إذا كنا نحبهم أو نكرههم، لأن مستقبل الوطن أهم بكثير من مستقبل هذا الطرف أو ذاك.

(بوابة الشروق المصرية)